يعوِّل كثير من المختصين على انتشار الثقافة الصحية، وتنظيم البرامج الاستقصائية، وكذلك على التطعيم ضد الفيروس الحليمي البشري، في تقليص الإصابة بسرطان عنق الرحم إلى درجة نادرة.
إن الاكتشاف المبكر لمراحل ما قبل السرطان، وإلغاء عوامل الخطورة هما ما يعوّل عليه في التغلب على الأمراض السرطانية، وسرطان عنق الرحم أحد الأنواع التي يمكن فيها تحقيق ذلك.. فإن له مراحل قبل السرطان يمكن اكتشافها.
في أوائل ستينيات القرن الماضي استطاع العالم اليوناني بابانيكولو التوصل إلى أن فحص الخلايا السطحية لعنق الرحم يمكن أن يقودنا إلى التعرف على مقدمات سرطان عنق الرحم والتعامل معها مبكراً بحيث نتقي تطورها إلى المراحل السرطانية. ومنذ ذلك الحين فرضت بعض الأقطار أخذ عينة عنق الرحم على النساء بعد سن العشرين وحتى الخامسة والستين، مرة كل ثلاث إلى خمس سنوات، طالما أن النتيجة طبيعية، وقد أدت هذه البرامج إلى تقليص الإصابة بهذا السرطان في البلاد التي طبقتها بحزم على كل النساء.
في بدايات الألفية أمكن التوصل إلى أن بعض أنواع الفيروس الحليمي البشري مسؤولة عن إحداث ٩٥٪ من حالات سرطان عنق الرحم، ثم أمكن التوصل إلى التطعيمات التي تمنع حدوث سرطان عنق الرحم عند من تعاطين هذه التطعيمات، وقد قامت بعض البلدان بجعل هذا التطعيم إجبارياً، بدءاً من عمر الثالثة عشرة، والتطعيم حسب نوعه يعطى على جرعتين أو ثلاث، وتفيد النتائج المبكرة بأن اللواتي تعاطين التطعيم أقل عرضة بكثير للإصابة بسرطان عنق الرحم من اللواتي لم يتعاطينه.. شكلت هذه النتائج نقطة نجاح مهمة ضد السرطان.
تم فحص عينات استقصائية أُخذت من النساء لمعرفة دليل وجود الإصابة بالفيروس الحليمي البشري من واقع فحص مادة الدنا، ومتابعة الإناث اللواتي وُجد لديهن دليل على الإصابة بالفيروس، وظهر أن هذا الاختبار أكثر قدرة على كشف الحالات ما قبل السرطان، وأصبحت الكثير من المراكز الصحية تستبدل هذا الكشف بالكشف الذي يعتمد على عينات بابانيكولا، ويُتوقع أن يؤدي هذا إلى انخفاض آخر في معدلات حدوث سرطان عنق الرحم.
أخيراً، في أغسطس ٢٠٢٣، أصدرت منظمة الصحة العالمية توصيات تخص الإجراءات الاستقصائية التي تنصح بها، ونصحت بأن تبدأ كل النساء بأخذ عينات كل خمس سنوات، من الفحص الاستقصائي للفيروس الحليمي البشري، بين سن الثلاثين وسن الخمسين، وبعد سن الخمسين إذا كانت هناك عينتان مطمئنتان، ننتهي من هذه الإجراءات. وذكرت أنه في حالة عدم توفر فحص الدنا للفيروس الحليمي البشري، يمكن عمل فحص للخلايا بواسطة عينات بابانيكولا، ولكن في هذه الحال يتكرر الفحص كل ثلاث سنوات.
وفي حالة وجود عينة إيجابية بإحدى الطريقتين تتم متابعتها وعلاجها، ثم يعاد أخذ العينات بعد اثني عشر شهراً، فإن تأكد أنها عادت إلى طبيعتها يعاد إلى الجدول الطبيعي. كما أصدرت توصيات خاصة تزيد تكرار هذا الفحص عند المصابات بمرض نقص المناعة، نظراً لأنهن أكثر عرضة للإصابة بسرطان الرحم من غيرهن.
بالطبع يجب ألا ننسى علاقة هذه الأمراض بممارسة الجنس، فممارسة الجنس مع رجال عديدين كما يحدث في الدول الغربية من أهم عوامل الخطورة في هذه الأمراض، ولذا فالجنس النظيف في دائرة العلاقات المشروعة يحقق للمرأة نسبة حدوث منخفضة لهذه الأمراض تقارب تأثير التطعيمات.
ما أوضحناه في الفقرات السابقة يجعلنا أكثر تفاؤلاً بأنه قد جاء الوقت لنحمي نساءنا من أحد السرطانات العنيفة بشكل يكاد يكون نهائياً.. صدق الله العظيم حين قال: "عَلَّمَ الإنسانَ ما لَمْ يَعْلَم".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.