يعشقون ادّخار الأموال ومهووسون بتدوير النفايات.. معلومات قد تسمعها لأول مرة عن ألمانيا

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/29 الساعة 14:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/29 الساعة 14:56 بتوقيت غرينتش

تكلمت في المقال السابق عن بعض المعلومات والحقائق عن ألمانيا والألمان، وفي هذه المقالة نواصل الحديث أيضاً حول هذا الموضوع؛ حيث أقدّم لك -عزيزي القارئ- بعض المعلومات عن ألمانيا، والتي ربما قد يسمع بها البعض لأول مرة. 

حتى على مستوى التحية.. التعامل بشكل رسمي!

في ألمانيا هناك قواعد وسلوكيات صارمة حتى فيما يتعلق بالتفاعل والتواصل الإنساني والاجتماعي بين الناس من مختلف الطبقات! فعلى مستوى التحية العادية هناك تحية "رسمية" وأخرى "غير رسمية"، وليس من المقبول اجتماعياً أن يتم الخلط بين التحيتين واستخدام إحداهما مكان الأخرى! فعند دخولك إلى محلات التسوق مثلاً سيقوم الموظفون دائماً بتحيتك لكن باستخدام كلمة "أهلاً" أو Hallo بالألمانية، وهذه التحية غير رسمية وسوف تسمعها من سائق الباص مثلاً أو موظفي المحلات التجارية، وبإمكانك (بل ومن الضروري ذوقياً واجتماعياً) أن ترد هذه التحية بمثلها. كما يمكنك استخدام هذه التحية مع المعارف والأصدقاء، لكن عند ذهابك إلى إحدى الدوائر الحكومية أو المكاتب الرسمية، فلا يصح أبداً أن تستخدم هذه التحية، كما أنك لن تسمعها أبداً من الموظفين والعاملين في هذه الأماكن، حيث يتم استخدام التحية الرسمية Guten Tag في هذه الحالة، وعليك إما أن تبادر بها أو ترد بمثلها، لكن لا تقم أبداً باستخدام كلمة "هالو" في مثل هذه الأماكن، وإلا تركت انطباعاً غير محبب عنك! كما يُستحب أيضاً أن تستخدم التحية الرسمية مع الأشخاص الذين لا تعرفهم أو الذين تلتقي بهم لأول مرة (حتى لو كانوا من جيرانك!). 

الهوس بإعادة التدوير! 

لو كانت هناك مسابقة على مستوى العالم حول موضوع إعادة تدوير المواد المستعملة لتمكّن الألمان من إحراز المركز الأول بجدارة ودون أي منافسة! فالاهتمام بمسألة إعادة التدوير وتكرير النفايات هنا يكاد يصل إلى حد الهوس على المستويين الحكومي والشعبي! وكما ذكرت سابقاً موضوع التخلص من النفايات وإعادة تدوير المواد المستخدمة يحتاج إلى مقالة منفصلة، لكن يكفي أن تعرف -عزيزي القارئ- في عُجالة أن التخلص من النفايات له قواعد صارمة في ألمانيا، حيث يجب أولاً فرز النفايات، وهي مهمة يقوم بها الناس أولاً في منازلهم أو مكاتبهم، وبعدها يتم التخلص من هذه النفايات، ولهذا الغرض هناك حاويات ملونة لكل نوع من النفايات، وقد تختلف ألوان هذه الحاويات حسب كل ولاية أو مدينة، لكن من خلال الألوان يمكن معرفة أي حاوية مناسبة لنوع النفايات الذي يُراد التخلص منه، فهناك حاويات خاصة لمخلفات الورق والكرتون، وحاويات لمخلفات البلاستيك، وحاويات لمخلفات الأكل، وحاويات لمخلفات الزجاج (وهذه بدورها تنقسم إلى قسمين: حاويات للزجاج البني والملون وأخرى للزجاج الشفاف!) وهناك حاويات أخرى مخصصة لكل ما لا ينتمي إلى التصنيفات السابقة!

وبالنسبة للبطاريات فلا يجب التخلص منها بمختلف أنواعها في إحدى هذه الحاويات، لذا تقوم كثير من المتاجر بتخصيص حاويات أو صناديق صغيرة يمكن للزبائن أن يتخلصوا من بطارياتهم المستعملة فيها، حيث يتم معالجتها والتخلص منها بطريقة معقدة فيما بعد. أما اذا أراد أحدهم التخلص من مجموعة كبيرة من الأثاث المستعمل مثلاً فعليه أن يقوم بالتواصل مع مكتب النفايات المختص في البلدية ويشرح لهم نوع وكمية الأشياء التي يرغب في التخلص منها، ويقوم بحجز موعد، حيث يُطلب منه "رص" هذا الأثاث أمام المنزل أو على رصيف الشارع في يوم وتاريخ محدد (مع تجنب إعاقة الحركة)، ويقوم المكتب بإرسال شاحنات خاصة في ذلك اليوم تقوم بأخذ قطع الأثاث وإرسالها إلى أماكن التدوير.    

القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود!

أعتقد أنه لا يوجد شعب "يعشق" الادخار مثل الشعب الألماني الذي لديه في تاريخه البعيد والقريب سوابق مؤلمة تجعله لا يميل كثيراً للإنفاق غير المحسوب أو المدروس، ويفضل الادخار والاحتياط للمستقبل! والتخطيط خصوصاً في الأمور المالية -المُبالغ فيه أحياناً- سمة مميزة لدى غالبية الألمان، حيث يجب وضع خطة وميزانية لكل شيء، بدءاً من تكلفة المواصلات اليومية والطعام والملابس وزيارة السينما وحتى العطلة السنوية التي ستذهب فيها الأسرة.

لذلك فإن ما نراه نحن بحكم طبيعتنا الشرقية من تصرفات غير مقبولة اجتماعياً فيما يخص الضيافة والكرم لا يراه الألمان كذلك، فحين لا يتم الترحيب بإضافة شخص زائد إلى مائدة الطعام، أو لا تتم دعوة شخص إلى الأكل بطريقة عفوية، فالسبب هو هذه العقلية "الادخارية" التخطيطية، حيث كل شيء بحسب الحاجة والقدر، ولا مجال للارتجال أو التعامل بأريحية، وكلما كان هناك "توفير" كان الأمر مُرحباً به، لذلك يُقبل كثير من الألمان على شراء المنتجات التي تصاحبها خصومات معينة، وهذا الأمر تقوم به جميع المتاجر والمحلات بشكل أسبوعي، خصوصاً تلك التي تبيع المنتجات الغذائية، حيث تكون هناك دائماً خصومات على سلع معينة لمدة محددة، وطبعاً يزيد الإقبال والشراء على هذه المنتجات حين تكون ضمن أحد هذه العروض، مع أن الخصم في هذه الحالات قد لا يتجاوز بضعة سنتات!

الكاش هو الملك!

بما أننا نتحدث عن المال والادخار فإن من الحقائق الطريفة أيضاً في هذا المجال هو تفضيل غالبية الألمان للتعامل بالنقود السائلة عوضاً عن بطاقات الائتمان، ووفقاً لتقرير صادر من البنك الاحتياطي الفيدرالي قبل عدة سنوات فإن ما يقرب من 80% من جميع المعاملات النقدية في ألمانيا تتم نقداً، وبينما تتجه دول أوروبية مثل السويد والنرويج والدنمارك وهولندا إلى إلغاء التعاملات النقدية تقريباً، حيث أغلب التعاملات النقدية تتم عبر بطاقات الدفع المختلفة، إلا أن الوضع في ألمانيا مختلف تماماً. ولا يُعرف بالضبط أسباب تفضيل الألمان القوي للنقد "الكاش"، لكن المشاركين في أحد الاستبيانات الإحصائية أكدوا أن استخدام النقد يجعل من السهل تتبع أموالهم وطرق إنفاقها. بعض الردود الأخرى أشارت إلى أن الألمان يفضلون "الخصوصية" الموجودة في الإنفاق النقدي، وذلك تماشياً مع حماسهم العام لحماية الخصوصية بشكل مُحكم. أنا شخصياً أعتقد أن الميل القوي للادخار وعدم الإسراف هو أحد الأسباب وراء ذلك، فالدفع عن طريق بطاقات الدين أو الائتمان يُسهّل عملية الشراء ويسمح بالتمادي وشراء أشياء قد لا يحتاجها المرء، بينما الدفع نقداً يجعل المسألة أكثر صعوبة، حيث يشتري المرء بحسب النقد المتوفر في جيبه أو محفظته، وهو بالطبع لن يكون كثيراً!

وبغض النظر عن الأسباب وراء ذلك فإن الذي يعيش في ألمانيا يلاحظ فعلاً تفضيل الألمان للنقد في تعاملاتهم المالية، حتى إن لديهم مثلاً يقول  Nur Bares ist Wahres، وهو ما يمكن ترجمته إلى الإنجليزية بـCash is king أو الكاش هو الملك!

اللغة الألمانية.. كلمات لن تصدق أنها موجودة!

اللغة الألمانية واحدة من أصعب اللغات على الإطلاق، وهذا القول ليس رأيي الشخصي -وإن كنت أومن به تماماً-، إلا أنه رأي الكاتب الأمريكي الساخر الشهير مارك توين، والذي وضع مقالة طويلة تم وضعها لاحقاً ضمن كتاب صغير عن اللغة الألمانية أسماه "اللغة الألمانية الشنيعة"، وهذا الكتاب يحتوي على اقتباسات شهيرة عن اللغة الألمانية مثل "يحتاج الشخص الموهوب إلى 30 ساعة كي يتعلم اللغة الإنجليزية -باستثناء التهجئة والنطق-، وإلى 30 يوماً للفرنسية، لكنه يحتاج إلى 30 عاماً كي يتعلم الألمانية!". وقد سبق مارك توين في نقد اللغة الألمانية الكاتب الشهير أوسكار وايلد الذي قال مرة ساخراً إن "الحياة أقصر من أن نتعلم فيها اللغة الألمانية!" Life is too short to learn German!

فاللغة الألمانية لغة معقدة بالفعل في تركيباتها وقواعدها ومفرداتها، ورغم أن تجاربي مع العديد من اللغات كانت إيجابية إلا أن تجربتي مع اللغة الألمانية بالذات مختلفة ومعقدة، والحديث عن هذا الموضوع يحتاج إلى مقالات وليس مقالة واحدة فقط. لكن أشير في عُجالة في ختام هذه المقالة إلى أن من السمات التي تتميز بها اللغة الألمانية والتي تُضفي عليها هذا التعقيد هو وجود عدد كبير من الكلمات الطويلة وبشكل قد لا يُصدق أحياناً. هناك كلمات ومفردات تتكون من 24 حرفاً، ومفردات تتكون من 65 حرفاً وأكثر. تظن أنني أُبالغ؟ خذ عندك هذه الكلمة على سبيل المثال:

Rindfleischetikettierungsüberwachungsaufgabenübertragungsgesetz

نعم عزيزي القارئ هذا ليس سطراً أو جملة، بل هي كلمة ألمانية واحدة تتألف من 63 حرفاً، لا أنصحك بمحاولة قراءتها بمفردك لكن لحسن الحظ أنها لم تعد موجودة في المعجم، حيث تم حذفها لأنها لم تعد ضرورية! هناك كلمات أخرى لا تقل رعباً عن هذه الكلمة تم حذفها أيضاً -والحمد لله- من المعاجم الألمانية. وإذا كنت عزيزي القارئ تود معرفة ما الذي تعنيه هذه الكلمة المخيفة وترغب أيضاً في معرفة المزيد عن اللغة الألمانية، فأعدك أن أقدم لك الكثير حول هذا الموضوع في مقال آخر بإذن الله تعالى.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أنيس الباشا
كاتب يمني مقيم في ألمانيا
مستشار لشئوون الهجرة في ألمانيا وناشط تطوعي في المنظمات الألمانية المعنية بشئوون الهجرة
تحميل المزيد