يقول كارل هيلتي: إن مشكلة الحياة الرئيسية هي العادات.
استوقفتني هذه العبارة طويلاً، فهي حقيقية بطريقة مذهلة، العادة هي التي تشكّل نمط حياتنا، وتضفي أسلوباً معيناً على روتين الحياة اليومي، لو أدركنا قوة العادة في التأثير على حياتنا لأصبحنا نراقب عاداتنا بشكل دقيق حتى نصل إلى حياة أفضل، فمن لحظة الاستيقاظ إلى لحظة النوم ونحن نمارس العادات، حتى النوم له عادات، والاستيقاظ كذلك، وقسْ عليه بقية تفاصيل الحياة، فالأكل عادة، والتفكير عادة، وشرب القهوة عادة… إلخ، فإذا انتبهنا إلى قوة العادة حرصنا على انتقاء عاداتنا وتغييرها للأفضل بالطريقة الأنسب لنا، وهذا ليس مستحيلاً، إلغاء عادة أو استبدالها بأخرى أفضل منها يحتاج إلى وقت، فحسب علم النفس والتنمية البشرية فإن التخلص من عادات سيئة وبناء عادات جديدة يتم عند معظم الناس خلال 21 يوماً فقط، بل إن العادة الجديدة تتحول إلى أسلوب حياة خلال 90 يوماً فقط من الاستمرار عليها.
من الخطوات الأنجح في تغيير العادة هي أولاً معرفة العادة السيئة التي تريد تغييرها وإدراكها، ثانياً محاولة تنمية العادات الجيدة واستبعاد العادات السيئة، ثالثاً الشجاعة وعدم الخوف، ثم الصبر والتحمل حتى تتلاشى العادة السيئة وتصبح العادة الجيدة مكانها.
من المهم جداً تعليم وتوجيه الفرد إلى قوة العادة وتأثيرها، والعمل على اختيار العادات التي تعود بالخير والنفع على صاحبها ومن حوله، وحبذا لو بدأنا إدراك ذلك من نعومة أظافرنا، الكثير من الأشخاص لا يدركون أثر العادة، فمتى بدأت بعادة ما أصبحت جزءاً لا يتجزأ من يومك، وخطورة ذلك تكمن فيما إذا كانت العادة سيئة، من الاقتباسات التي قرأتها من كتاب العادات الذرية للمؤلف جيمس كلير يقول فيها: التخلص من عادة سيئة تشبه اجتثاث شجرة بلوط قوية من داخلنا، بينما بناء عادة حسنة تشبه غرس زهرة رقيقة ورعايتها يوماً تلو آخر.
أتفق معك عزيزي القارئ، فتغيير عادة سيئة واستبدالها بعادة حسنة أمر صعب في البداية، لا بل قد تشعر بأنه مستحيل، لكن ابدأ بخطوات صغيرة حتى تصل للهدف الأكبر، لو أخذت أطول من المدة المتوقعة، ولو مررت في فترات انتكاسة وعدت لتلك العادة التي تريد التخلص منها، بالاستعانة بالله والصبر والمواظبة وقوة الإرادة نستطيع تغيير عاداتنا السيئة، وأقرب مثال على ذلك عادات الأكل الخطأ التي تؤدي إلى السمنة؛ هناك العديد من الأشخاص الذين استطاعوا التغلب عليها، ومع الوقت تخلصوا منها ووصلو إلى أوزان مثالية بعادات غذائية جيدة، لو سألتهم في البداية عن العذاب والوقت الطويل، فبعضهم يحتاج لأشهر وبعضهم تأخذ معه سنوات حتى يستمر في تلك العادات، وستسمع منهم الشيء الكثير، لكنهم في النهاية تغلبوا على عاداتهم الغذائية السيئة واستبدلوها بعادات غذائية جيدة وصحية.
يا حبذا لو بدأنا غرس مفهوم العادة في النشء الصغير، عندما يكبر الطفل يكبر وهو واعٍ لطبيعة عاداته، حينها يكون أسهل عليه إدراك قوة العادة وتأثيرها على حياته، وبمساعدة الكبار من حوله يتعود العادات الحسنة التي ستظل معه إلى الأبد، فالعلم في الصغر كالنقش في الحجر، مثلاً لو عودت طفلك على القراءة ستكبر معه هذه العادة، وتنمو معه، كذلك الأمر بالنسبة للعبادات؛ عوِّده على العبادة ستكبر معه هذه العادة وينشأ عليها.
تبقى خطورة قوة العادة أن الإنسان مع الوقت قد يفتقد لذة روحانية العادة، ويصبح كأنه آلة يقوم بعاداته الجيدة بلا هدف، هنا علينا تجديد النية والأهداف، ولا ضير إن جددنا عاداتنا وأضفنا إليها تغييراً كل فترة وأخرى لكسر روتين قوة العادة.
الإنسان حصيلة عاداته، فليراقبها جيداً حتى لا يقع في فخ سجنها ويعاني من السيئ منها وملل روتين جيدها، كن أقوى من عاداتك وبدل وغيّر فيها بحسب ما تحقق لك الراحة والسعادة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.