هل تصدق أنك ستموت؟ ما أحوجنا لطرح مثل هذه الأسئلة على ذواتنا الملهية في الفرجة على طاحونة الموت دونما أي تفكير في أنها ستكون وقوداً لهذه الطاحونة يوماً ما.
السنوات كأسنان سير مركب على موتور الزمن الذي لا يتوقف عن الدوران، ذلك السير الذي يقربنا إلى تلك الطاحونة ببطء شديد لدرجة أننا لا نشعر بحركتها إلى أن نتفاجأ بأنفسنا ننسحق تحتها.
الأسئلة التي قد تبدو لك أنها بديهية، قد تتفاجأ يوماً ما أنك لم تسألها لنفسك أبداً لظنك أنها بديهية ومسلم بها، ولكن صدقني أنك عندما تفكر فيها جيداً، وتسألها لنفسك ستغير في نفسك أشياء مهمة وخطيرة.
وبالرجوع إلى سؤال الموت أجد نفسي لم أفكر كثيراً في مسألة الموت، على الرغم من أننا مأمورون بتذكره باستمرار، ولكني لاحظت أن أغلب الناس ينسون أو يتناسون مسألة الموت، والدليل على ذلك أنهم لو كانوا يتذكرون أن الموت سيزورهم ويترك أجسادهم بلا أرواح لما اقترفوا المصائب التي زكمت رائحتها أنوفهم.
ولكن لماذا يجب أن نتذكر الموت باستمرار؟ قد تكون إحدى الإجابات لهذا السؤال الصعب، أن الموت يعمر الأرض، فالموت يا صديقي يذكرنا دائماً أن وقتنا محدود على هذه الأرض، وهذا الوقت المحدود يشكل أكبر دافع لأصحاب الطموح الذين يريدون ترك أثر في هذه الأرض ليعرف من بعدهم أنهم كانوا هنا، ولهذا المعنى ألمح أمير الشعراء أحمد شوقي في قوله: وكن رجلاً إذا أتوا بعده يقولون مر وهذا الأثر.
والرغبة في ترك أثر في الأرض تختلف أسبابها من شخص لآخر، فقد يكون هذا الدافع لغرض ديني من باب أن يترك الإنسان عملاً صالحاً ينتفع به كما أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد يكون الدافع هو الرغبة في خلود الاسم في كتب التاريخ، والذي تستجلبه الأعمال العظيمة.
وهل يصح أن يمر علينا مرور الكرام أن الكثير من عظماء العالم، إذا نظرت إلى حجم الإنجازات التي قاموا بها وعدد السنين التي عاشوها ستصدم بكل تأكيد فمن يتصور أن السلطان محمد الفاتح مات ولم يتمم سن الخمسين وهو الرجل الذي هز العالم وأخضعه طولاً وعرضاً، ومن يصدق أن صحابي بحجم سعد بن معاذ استشهد وهو ابن سبع وثلاثين سنة، قضى منها في الإسلام فقط 6 سنوات، ومن يعلم أن الإسكندر الأكبر مات وهو شاب ثلاثيني.
قد تقول إن تذكر الإنسان للموت باستمرار قد يؤدي إلى أثر عكسي، فقد ينظر بعض الأشخاص إلى حياته على أنها فرصة للعب من الملذات والمسرات دون أن يفكر أبداً في ترك هذا الأثر الذي تتحدث عنه، وقد يفكر في أن الدنيا لا تستحق أن يعمر فيها أي شيء طالما أنه سيتركها في أي وقت، دون أن يستفيد من هذا الإعمار الذي أرهق نفسه فيه.
وهنا سأرد عليك قائلاً: يا صديقي ومتى قامت الدنيا ومصالح العباد على مثل هؤلاء الأشخاص الأنانيون الذين لا ينظرون إلا إلى ذواتهم وملذاتهم اللحظية، وهل أمثال هؤلاء هم من يعمرون الأرض ويؤسسون البلاد، من المصلحين ومعمري الأرض الذين أدركوا قيمة الوقت هم وحدهم من استطاعوا قهر الموت، فهو لم ينجح أبداً في القضاء على سيرهم وأعمالهم، ولكن هذا الأمر لم يكن مجانياً أبداً.
نعم لم يكن ترك علامة في هذه الحياة شيئاً مجانياً في حياة أي عظيم من العظماء الذين ظلوا في دنيانا بأعمالهم العظيمة وذكرهم الحسن على الرغم من رحيل أشخاصهم عن الدنيا، فالمتأمل في سير هؤلاء العظماء يجدها تذخر بالتضحيات والمعاناة، التي دفعوها ثمناً لسيرتهم الحسنة والأثر الطيب الذي تركوه في هذه الدنيا.
لذلك يجب على كل واحد فينا أن يسأل نفسه إذا متَّ الآن فهل سيقولون عنه مرَّ هنا وهذا الأثر، أم إن غيابه من الحياة سيتساوى مع وجوده فيها؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.