إنَّ مصطلح النجاح، وبعيداً عن اللغة العربية وفنونها اللغوية المختلفة، يعني أنَّ شخصاً ما قد أدى مهمة، وظيفة معينة، أو حتى هدفاً معيناً على أكمل وجه حتى أتمَّها، لكن ما هي مسببات النجاح إذاً؟
إنَّ الغريزة الإنسانية بطبيعتها تميلُ إلى كل ما هو جميل، خير، سعادة، فرحة، نجاح.. إلخ. من هذا المُنطلق يسعى كل شخص إلى العمل الشاق والاجتهاد حتى يتسنى له الوصول للنجاح، ومِن هُنا يُمكنُنا القول إنَّ طريقَ النجاح طريقٌ شاق وطويل، وهذا فقط في حال كان الشخص ذاته يريدُ فعلاً النجاح الحقيقي بعيداً كل البُعد عن تلك الشخصيات الوهميَّة والتي تخلقُ من قصصاً عن النجاحات الخياليَّة، فقط مِن أجل الشُهرة أو الوصول لمكانة معينة يصبو إليها دون أنَّ يبذل مجهوداً أو حتى يلتزم بنظام روتيني ممل من أجل الوصول!
ليست الذات بالتكريمات ولكن الذات بالاجتهاد. تلك مقولةٌ شخصيةٌ أؤمن بها، إذ أرى أنَّ العملَ من أجل الوصول للهدف شيءٌ محمودٌ ومطلوبٌ أيضاً إجباراً لا اختياراً فقط لِمَن أرداه واختار ذلك بالفعل، لكنَّ النجاح لا يأتي بغتةً كالموت مثلاً! بل يأتي بعد أنْ تؤدي أو تفعل ممارسات مملة ودورية، هذا من باب المنطق والعقلانية. النفس البشرية تميلُ بطبيعة حالها إلى التساهل والركود إلى الجانب الأيسر والأسهل دوناً عن بذلِ أيّ مجهودٍ شاقٍ أو مُضنيّ. لكنْ ليس معنى ذلك اختيار الوهم دوناً عن الواقع. ليست التكريمات من تصنع ذاتك، لكِن مَنْ يصنعُ ذلك بالفعل هي ما أنجزته لنفسك وللمجتمع، ليس أنْ تحصلُ على أوسِمةٍ أو دُروعٍ أو شَهاداتٍ – دون أن تفعل شيئاً تستحق ذلك من أجله كما يحدث اليوم في عالم مليء بالإنجازات والنجاحات المزيفة.
"على المرء أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح".. جملةٌ نصحنا بها أحد أساتذتنا الأفاضل بالجامعة، جملةٌ تُرِيحُ النفسَ بالاً، وتُهدِئ الشخصَ انشِغالاً، وتُشجِعُ الساعي لمستقبلٍ أفضل عملاً وفعلاً وقولاً. على الجانب الآخر، تعكس هذه الجملة والنصيحة الجميلة المُعبِرة حقاً وعدلاً كيفية النجاح وماهيته الحقيقية، نقصدُ النجاح الفعلي الحقيقي على أرض الواقع، وليس على السوشيال ميديا والفضائات الرقمية، دون أي عملٍ حقيقي أو حتى استحضار النية في الأصل لأنْ يعمل! إنَّ هذه الجملة بطبيعة حالها تُبين التسلسل الواقعي الحقيقي للنجاح، والوصول إليه، وهو السعي فالعمل، ثم الاجتهاد فالصبر، ثم الوصول فالاستمرارية، وبعد ذلك لك النجاح حقاً، وهذا ما يتماشى مع قول الله سبحانه وتعالى: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى". مهلاً عليك، مِن حقك أن تفرح وتشارك نجاحك، لكن ليس مِن حقك أنْ توهمنا به، لأنَّ ذلك سوف يُورِثُ فينا وبيننا التقاعُس والتخاذُل أسفاً وحُزناً، لكن إن فعلت فأتقن.
إنَّ التسويق للذات أو ما يعرف بالـ"Self-branding" من حق أي شخص مهما كان عَملُه وصِنعتُه، لكن بشرط أنْ يكون قد فعل وعَمِل بالفعل، فليس معنى ذلك أنه من حقك أن تُسوِق لذاتك على أيةِ حالٍ وفي أيّ هيئةٍ دون فعل تُحمَد عليه حقاً، فإنَّ الإنسان مهما كان مِن حقه أنْ يُعرَف بما فعل وأنجز، لأنه وببساطه إن كان قد أنجز كتاباً، فإنه وبالتبعية يريد أن يقرأه الجمهور، أو أنَّه قد أنجزَ بحثاً علمياً مُفيداً، وأضافَ به شيئاً جديداً لتخصصه، أو ما هو مِثال ذلك دواليك، لكن ليس هذا في المُطلق، بل بقيودٍ وشروطٍ واجبة النفاذ والتطبيق، وكذلك الالتزام بها وجوباً لا خياراً، وأبسطها إن كان قد فعلَ خيراً كصدقة أو زكاة بمختلف أنواعها، فليس من حقه أنْ يُصوّر عمله أو وهو يتصدق أو يتنفل بالزكاة أو بصلاةٍ سُنةً لا فرضاً! وكذلك وبالمثل، ليس مِن حقه أن يتباهى بعمله حتى وإن كان قد شارك معلومات في تخصصه مع غيره بنية تسويق ذاته أو التباهي بعلمه! إضافةً لذلك… فعليه أنْ يُخلِص النية حقاً ويُحدِدُ ما إذا كان عمله هذا يتطلبُ ذلك من مثل التعريف به للناس بصورٍ مختلفة، فإن كان كذلك حقاً فعليه إخلاص النية لله سبحانه وتعالى في أنَّ هذا العمل لله أولاً، ثمَّ للغير ثانياً بنية نشر العلم والمعرفة، لِيَعُمَّ الخيرُ والنماءُ في مجتمعنا.
النجاحُ لا مَوطِئ له ولا زمن، فالنجاح يأتيك طالما سعيت، لا يهمنا متى سعيت وكيف وبماذا! بل الأهم أن تسعى، حتى وإن سعيت طِفلاً للوصول لهدفك أو شاباً، وحتى وإن كنت شيخاً عجوزاً، المهم أن تسعى، حتى تضمن نجاحاً تستحقه بالفعل، دوناً عن نيتك والتي ترجع لسريرتك والتي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى. كذلك لا وطن أو موطئ بعينه للنجاح! فإن أردت أن تنجح -بعد أن أخذت بالأسباب وسعيت- ستنجح بالفعل، حتى وإن كنت تسعى من أسفل الأراضي السبع أو من أعالي الجبال، وكذلك من على حجرة بيتك! المهم أن هناك فعلاً تُحمَد عليه، وتستحق به النجاح حقاً وعدلاً.
وأرى أن النجاح يرتكز على 3 مبادئ:
أولأ، الصدق، صدقك وإيمانك لإنجاز شيء لذاتك وذويك، ومجتمعك، لِيعُمَّ الخير والنفع على البشرية، فإن لم يصدُق الإنسان ذاته وكينونته في إرادة النجاح فعلاً، فلن ينجح. كما ترانا نسألك؛ هل النور مُتقَدٌ أم مُطفَأٌ؟! فيجب أن تُجيبنا… نعم مُتقَدٌ أو لا مُطفَأٌ، لكن إن جاوبتنا بشبه مُطفَأٌ أو شبه مُتقَدٌ بل ضعيف، فهذا جنون! لأنه مُتقَدٌ بالفعل، ولا يهمنا كونه ضعيفاً أو قوياً في إضاءته! لأنه مُتقَدٌ بالفعل! كذلك الصدق في النجاح الحقيقي، وقبله الصدق في السعي بالفعل، لِماذا تريد السعي والاجتهاد للوصول للنجاح؟ فيجب أنْ تُجيبنا بسبب قبول حقيقي أو سبب رفض حقيقي كذلك، لكن إن كنت ذا أهداف غير واضحة؛ لأنها لا تستند للصدق في كونك تريد أنْ تسعى لتصل، كأن تريد أن تنجح حتى تبين لغيرك أنكَ ناجح فقط أو من أجل الشهرة وزيادة النرجسية، فهذا ليس نجاحاً، إنه وهم.
ثانياً، الصبر مع الاجتهاد، لأنك إن كنت -كما أشرنا- صادقاً بالفعل، فيجب أن تبدأ الآن، لا تنتظر الظروف المثالية؛ لأنها وإن كنت صادقاً ولم تأتِ حتى الآن، فلن تأتي فعلاً! فاِبدأْ ولا تتقاعسْ، والزم الصبر ثم الصبر ثم الصبر حتى تصل لدرجة الاجتهاد، ومِن هنا تضمن الوصول.
ثالثاً، الاستمرارية، لأنَّ الشخص إن وصلَ فعلاً وحقاً، ولم يستمر في التطوير والمزيد فالمزيد، سيتبخرُ النجاح مهما طال به الزمن بقاءً، كإناء به ماء على نار مُتقِدَة، ستتبخرُ ما إذا تُركت على النار حتى يتبخَّرَ الماء ويجُفَّ الإناء، فالنجاح الوهمي كالماء.
إنَّ الشخص الذي يسعى لتخطي العراقيل والأزمات، ومُلِمَّات الدهر، وأزمات الذات حتى يصل، ويقاوم الظروف الصعبة، ليكمل ناجحه، واجباً عليه أن يُشارك تجربته بنية الخير ومُساعدة الغير، فعسى أن يكون هناك أحدُهم قد يئسَ الحياةَ صعوبةً وإحباطاً! قد يقرأ ويرى قصة صاحبنا هذا، فتُشحَذُ هِمتُه، فيصل إلى ما قد كان يراه صعباً إن لم يكن مستحيلاً!
أخيراً وليس آخراً.. النجاح ليس حكراً على أحد.. النجاح ليس مِلكاً لأحد.. النجاح ليس مُقيداً بزمانٍ أو مكانٍ أو حالٍ معين. إنَّ نجاح الشخص ذاته لا يجب أن يقف عنده، بل يجب أن يُشاركه بُحسن نية دوناً عن كلام أحدهم أو تثبيطه أو إرهاصاتُ المحبطين كذلك، فالنجاح ليس مِلكاً لأحدٍ بعينِه وبشروطِه وبحاِله، فإن نجحت شارك تجربتك وعلمك، ولتكن رسالتك وهي نشر العلم والمعرفة من باب أنَّ زكاة العلم نشره، وإنْ فعلت فاصدُقْ النية وأخلصها لله سبحانه وتعالى، حتى وإنْ واجهت محبطين يُشكِكون فيما قد بدأت، استمر ولا تحقِرَنَّ من المعروف أصغره، وأنَّ خيرُ الأعمال أدومها وإنْ قل.
لنحيا جميعاً في سلامٍ وتناغمٍ وترابطٍ، لا يُحبِطُ بعضُنا بعضاً، ولا يستكثرُ أحدُنا نجاحَ أحدِنا الآخر، ولِنُساعِدَ أنفُسَنا بعضاً ببعضٍ فالناسُ للناسِ مَا دامَت الحَياة، ولنُعِمر في أرضِنا فقد جئنا لنُعمِر فلِنَكنْ جميعاً ذوي أثرٍ، ولنتمنى لغيرنا قبيل أنفُسنا الخير والنجاح والتفوق.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.