بيلينغهام الذي لا يُشبه الإنجليز في أي شيء.. هل سينجح مع ريال مدريد؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/24 الساعة 08:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/24 الساعة 08:48 بتوقيت غرينتش
بيلينغهام - shutterstock

إنجلترا دولة مُعقدة، لا تدع أحداً يخدعك بغير ذلك..

حينما انتقل فيرناندو توريس من أتلتيكو مدريد إلى إنجلترا كان عليه أن يُجرب نمط حياة صعباً ومعقداً في بادئ الأمر.

فيرناندو توريس، الإسباني الذي لم يكن قد تعلم اللغة الإنجليزية بعد، كان يفشل في التعبير عن كل شيء بخصوص جسده: إصاباته، احتياجاته، وحتى فهمه لتمركزاته داخل الملعب.

كان فيرناندو توريس يشرح للطبيب ما يشعر به- بفهمه الخاص- فيمنحه الطبيب علاجاً مختلفاً تماماً عن حالته، والسبب الرئيسي في ذلك كان صعوبة التواصل الكبير بين اللاعب وكل الإنجليز الموجودين في منشآت الأندية الإنجليزية.

توريس إسباني، عكسه كان لويس سواريز؛ رجل أوروغوياني لا يعرف هذه الميوعة الشديدة، وكان يصف للطبيب ما يشعر به، ورغم صعوبة اللغة والتواصل، عن طريق الإيماءات كان سواريز يشرح بشكل دقيق بيده ما يشعر به، يؤشر نحو المنطقة ويبدأ في وصفها بشكل أقرب للدقة.

بيلينغهام
فرناندو توريس

بالتالي، لم تكن المشكلة إسبانية، ولا لاتينية، ولا يمكن حصرها في عِرق أو جنس مُحدد؛ لأنها مشكلة لمسها وتعايش معها الدولي الإيفواري ديدييه دروغبا أثناء وصوله من مارسيليا الفرنسي إلى تشيلسي الإنجليزي.

قال ديديه دروغبا إن كل شيء في إنجلترا يبدو أسوأ بكثير من ظنونك عنه، كرسي القيادة مُختلف، طبيعة الحياة مختلفة، ثقافة الإنجليز مختلفة، بالتالي فإن العيش والنجاح في إنجلترا يحتاج لوقت أكثر بكثير للتأقلم عليه من نظائره في أي مكان آخر.

وإذا كانت هذه الشكوى عامة فبكل تأكيد أهل البلد أنفسهم لا يشعرون بهذه الشكاوى الغريبة من الدخلاء عليهم، كون الشعب الإنجليزي لا يرى أن كرسي القيادة في السيارة يُمثل معضلة، ولا اللغة والتواصل يُمثلان مُشكلة.

الإنجليز كالأمريكان، وُلدوا وبداخلهم وعلى ألسنتهم مقولات وظنون تُفيد بأنهم أفضل من غيرهم، أفضل حالاً وأعلى شأناً، ويعتقدون أن لغتهم السائدة هي اللغة التي لا يُمكن لأحد أن يكون جاهلاً بها.

لذا لا تندهش إذا كانت نفس الأسباب التي تمنع معظم النجوم من التأقلم في إنجلترا هي الأسباب التي تجعل اللاعبين الإنجليز يشعرون براحة كبيرة داخل بلدهم، ومن الحماية الإعلامية والصحفية الكبيرة التي يحصلون عليها.

تاريخ إنجليزي مُدجج بالفشل!

إذا سألتك: كم لاعباً ألمانياً نجح خارج ألمانيا هل ستجيب؟ كم لاعباً إسبانياً نجح خارج إسبانيا؟ كم لاعباً إيطالياً نجح خارج إيطاليا؟

بطبيعة الحال الإجابات ستكون متفاوتة، لكنها تتفق عند حقيقة واحدة: نعم ينجحون ويفشلون، لكنهم لا يفشلون فقط ولا ينجحون فقط، على عكسهم اللاعبون الإنجليز، غالباً ما يفشلون خارج إنجلترا.

هذه المعضلة التاريخية لم تكن لها علاقة بالجودة، وإنما بالعقلية نفسها، حيث إن اللاعبين الإنجليز بطبيعتهم يشعرون بأن كل شيء في بلادهم يجعلهم يعيشون الثراء، ويتعايشون مع الراحة، ويتحدثون بلغة يفهمونها، لا لغة يحتاجون إلى تعلمها.

لذا لم يكن للإنجليز أن ينجحوا خارج إنجلترا، ولم يكن لهم أن يتعلموا لغات وثقافات جديدة ومختلفة بالنسبة لهم، ولو بدافع التجربة ليس إلا، وإنما كانوا يُفضلون مناطق الراحة طوال الوقت، كانوا يُفضلون ألا يُجربوا خوفاً من التجربة فحسب.

مايكل أوين، حينما خرج من الدوري الإنجليزي وذهب صوب ريال مدريد الإسباني، كان يعلم بأن زوجته وأسرته يجلسون في الفندق، وكل الحماية الأمنية متوفرة لهم، وكل شيء يجعله يتدرب بشكل طبيعي.

لكن صوتاً غريباً بداخله كان يُخبره طوال الوقت بأن زوجته ستتعرض للخطر، ابنه سيُصاب بمكروه، يخشى المجتمع الإسباني الغريب، ويخاف أن تتأذى أسرته بقرار خروجه من إنجلترا.

حينما غادر أشلي كول إنجلترا، وخاض تجربة احترافية مع فريق روما الإيطالي، كانت الصحافة الإيطالية دائماً ما تندهش للوضعيات التي يوجود فيها الدولي الإنجليزي.

أشلي كول كان يبتعد عن معظم زملائه، كان يجلس في معزل، يتدرب شبه منفرد في التدريبات الجماعية، لدرجة أن الفريق التقط صورة جماعية له في إحدى الفترات، بدا فيها الدولي الإنجليزي خارج الكادر تماماً بسبب ابتعاده عن عدستها، وكذا عن زملائه!

لم يكن هذا الصوت، الإنجليزي بالمناسبة، هو الصوت الوحيد الذي حرم نجوماً إنجليزاً كُثراً من المغامرة، بل كان الصوت الذي يصف لهم بشكل دائم ألا يُحاولوا الخروج أصلاً خشية هذه المخاوف المهولة، وإن لم تكن منطقية في أساسها.

بيلينغهام هو استثناء لهذه القاعدة

"أن تكون إنجليزياً فهذا يعني أنك قد فُزت بأول جائزة من يانصيب الحياة"

هذه الكلمات قصدها السياسي الإنجليزي سيسل رودوس، بخصوص الميزة العرقية الكبيرة التي يحظى بها الشعب الإنجليزي عن بقية شعوب العالم.

لم تكن هذه الكلمات مُبالغة أبداً، بالفعل يتمتع الشخص الإنجليزي برفاهيات لا تتوفر بسهولة لبقية مواطني العالم، وعلى عكسهم كان جود بيلينغهام، الشاب الإنجليزي الذي قرر أن يسير عكس التيار، بل ويبتكر سفينة مُختلفة تطوف قارة أوروبا كلها، بدلاً من أن تستقر على سواحل المملكة المتحدة خوفاً من غدر الأمواج.

ثمة شيء بخصوص الدولي الإنجليزي جود بيلنغهام، يبدو غريباً للغاية، ربما اسمه الذي يبدو وكأنه هولندياً أكثر من كونه إنجليزياً، أو ملامحه التي تبدو أكبر بكثير من عُمره الحقيقي، أو حتى جسده الذي يُشبه إلى حد كبير لاعبي الارتكاز.

جود بيلينغهام يمتلك سجلاً رائعاً يُشبه سِجل والده، والده مارك، رجل يعمل حالياً شرطياً لكنه في الأصل كان لاعباً في إحدى درجات الدوريات الإنجليزية التي لا يهتم بها أحد، مارك كان بارعاً في تسجيل الأهداف، وقد اختتم مسيرته بواقع 700 هدف وفقاً للأرقام المُعلنة عنه.

بيلينغهام بدأ هذه الرحلة من البداية، حينما كان في الـ7 من عمره، وانضم إلى صفوف بيرمنغهام سيتي، وقد يكون اسم ناديه الأول متوازياً مع اسمه نفسه، لكن القصة أبعد من فكرة التناغم فحسب، بل كانت بخصوص تفوق بيلينغهام الكبير في كافة النواحي.

حينما أصبح أصغر لاعب في تاريخ بيرمنغهام سيتي تمثيلاً له، وحينما أصبح أصغر لاعب يُسجل بقميص نادي بيرمنغهام سيتي، وحينما لعب مع الفريق الأول للنادي وهو في الـ16 من عمره فحسب.

كانت موهبة بيلينغهام مُبهرة في عين كل من رآه، وكان على نادي بيرمنغهام أن يتغنى بموهبته التي جعلت النادي يتمتع بشعبية كبيرة للغاية؛ إذ إن الفريق الإنجليزي وافق على عرض نادي بروسيا دورتموند الألماني لضمه.

في المقابل، كان بيلينغهام يحمل الرقم 22 في بيرمنغهام، لكن النادي، ووفقاً لقرار إداري خاص بتاريخه قرر أن يحجب القميص للأبد، ويمنع أي لاعب آخر من ارتداء القميص رقم 22، حسبما قالوا إن هذا الأمر كان تكريماً لنجمهم الشاب الذي جعل كل شباب النادي يحلمون بأن يسيروا على دربه.

وأصبح بيلينغهام في الوقت الراهن هو حديث الساعة في الكرة العالمية؛ كونه قد لعب في 6 جولات مع ريال مدريد، في بطولة الليغا الإسبانية موسم 2023-2024، وكذلك في أولى جولات بطولة دوري أبطال أوروبا، سجل جود بيلينغهام 6 أهداف في 6 مباريات بقميص ريال مدريد.

كلما فتحت التلفاز على مباراة لريال مدريد، وسمعت بأن ريال مدريد يبحث عن الفوز أو تسجيل هدف فارق يظهر من بين الأنقاض الدولي الإنجليزي جود بيلنغهام، فيضع الكرة برأسه أو بقدمه داخل الشباك.

هذا الشاب يتمتع بجودة كبيرة، شخصيته في اللعب تُبرهن على أنه يشعر بأنه قد أصبح في المكان المُناسب له، لقد أصبح نجماً.

اللافت للنظر أن بيلينغهام يتواجد في أماكن رائعة، رغم طرافة بعض أهدافه التي تجعل البعض يظنه محظوظاً، لكنه في حقيقة الأمر يتحرك بذكاء كبير في المساحات الفارغة، التي إن وُجدت له أحدث خطراً كبيراً.

بيلينغهام ميزته الأبرز في مسيرته أنه كان يتمتع بكل أمارات النجومية، منذ أن ظهر في الكرة الأوروبية، ثقته في نفسه، مستواه الرائع، قدرته على الصناعة والتسجيل؛ كل هذه العوامل أسهمت بشكل كبير في تكوين لاعب إنجليزي، لا هو إنجليزي كمن سبقوه، ولا هو إنجليزي يخاف التجربة في حد ذاتها.

بيلينجهام
بيلينجهام جوهرة ريال مدريد الجديدة (رويترز)

قد يتوقف هذا النجاح الكبير لبيلينغهام فلا نعرف ما يخبئ له المستقبل، لكن الأكيد أن هذا اللاعب يُقدم مستويات لا يُمكن أبداً أن تكون عادية، هو بالفعل صفقة يُمكن الاحتفاء بها كل يوم؛ بسبب التأثير الكبير الذي يستطيع إحداثه في أي مكان.

لكن المُعضلة الحقيقية في مسيرة جود بيلينغهام هي نفس المُعضلة التي حرمت كل الإنجليز من قبله في الاستمرار خارج إنجلترا، هل يُمكن له أن يتقبل بألا يكون محمياً طوال الوقت؟ هل يمكن له أن يتنقل بسرعة كبيرة بين البلدان الأوروبية ويتأقلم على ثقافات مختلفة؟

الإجابة الواضحة: نعم، جود بيلينغهام سيكون أسطورة قادمة في عالم كرة القدم، كونه الإنجليزي الوحيد الذي لا يُشبه الإنجليز في أي شيء، لا في ملامحهم، ولا في غطرستهم، ولا حتى في ثقافتهم التي تبحث عن الراحة نظير الاجتهاد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر إبراهيم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
تحميل المزيد