الحزام والطريق والممر الاقتصادي.. مشاريع لعالم جديد أكثر ترابطاً أم أكثر استقطاباً؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/24 الساعة 14:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/24 الساعة 15:17 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن، ونظيره الصيني شي جين بينغ، أرشيفية - رويترز

إن مبادرة الحزام والطريق (BRI) والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) هما رؤيتان متنافستان للتنمية العالمية تعكسان المشهد الجيوسياسي المتغير في القرن الـ21. ولكل منهما تأثيراته وانعكاساته على العلاقات السياسية والاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، أكبر اقتصادين وقوتين عظميين في العالم.

مبادرة الحزام والطريق هي استراتيجية تنمية عالمية أطلقتها الصين في عام 2013، وتهدف إلى ربط آسيا وأفريقيا وأوروبا وما خارجها من خلال شبكة من مشاريع البنية التحتية والاتفاقيات التجارية والتبادلات الثقافية؛ إذ يُنظر إليها على أنها وسيلة للصين لتوسيع نفوذها ومصالحها الاقتصادية في العالم، خاصة في المناطق التي كانت الولايات المتحدة مهيمناً تقليدياً فيها. ومع ذلك، واجهت مبادرة الحزام والطريق أيضاً انتقادات ومعارضة من بعض الدول والمناطق التي تعتبرها تهديداً لسيادتها وأمنها ومعاييرها البيئية. 


أما عن الممر الاقتصادي فهو يعد مبادرة بديلة لمبادرة الحزام والطريق التي تم إطلاقها في سبتمبر/أيلول 2023 من قبل الهند والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ إذ يهدف الممر الاقتصادي إلى تعزيز التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج العربي وأوروبا. وهو يتألف من ممر شرقي يربط الهند بمنطقة الخليج وممر شمالي يربط منطقة الخليج بأوروبا. وسيشمل شبكة عبور للسكك الحديدية والسفن وطرق النقل البري. 

ومن المتوقع أن يكون للممر الاقتصادي آثار كبيرة على الديناميكيات السياسية والاقتصادية في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا؛ حيث يمكن أن يخلق فرصاً جديدة للنمو والتنمية والاستقرار في هذه المناطق. كما يمكن أن يشكل تحدياً لهيمنة الصين ونفوذها في هذه المناطق. 

الممر الاقتصادي
خريطة توضح مسارات مبادرة الحزام والطريق الصينية أو "طريق الحرير الجديد".


ويمكن أن يؤدي الممر الاقتصادي  إلى زيادة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على الأسواق والموارد والنفوذ في هذه المناطق. ويمكن للولايات المتحدة أن تستغل ذلك المشروع العملاق كمنصة لعرض دورها القيادي والتزامها تجاه حلفائها وشركائها؛ إذ ترى الولايات المتحدة أن الممر الاقتصادي هو وسيلة لتعزيز فرصها التجارية والاستثمارية، ومعالجة التحديات المشتركة مثل تغير المناخ والإرهاب والأوبئة، وتعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع الهند وأوروبا والدول العربية؛ حيث يتوقع الرئيس الأمريكي جو بايدن أن يكون الممر "صفقة كبيرة" و"استثماراً يغير قواعد اللعبة" لصالح الولايات المتحدة. 


ورغم ذلك، يمكن أن يخلق الممر الاقتصادي أيضاً فرصاً للتعاون بين الولايات المتحدة والصين في المجالات ذات الاهتمام المشترك في هذه المناطق. ويمكنهما أيضاً إيجاد طرق لتنسيق أو مواءمة مبادراتها الإنمائية لتجنب الازدواجية أو الصراع؛ حيث يمكن أن يؤثر أيضاً على تصورات ومواقف كلا الجانبين تجاه بعضهما البعض، لإيجاد أرضية مشتركة بدلاً من المواجهة.


من المؤكد أن بكين تنظر  إلى مشروع الممر بعين الريبة باعتبارها محاولة لاحتواء صعودها أو تقويض مصالحها. فوفقاً لبعض المحللين، ستظل الصين متشككة في المشروع وترى أنها مبادرة منافسة أو معادية تهدف إلى عزل الصين عن جيرانها وأسواقها؛ إذ تعتقد الصين أن الممر الاقتصادي ليس مجرد مبادرة اقتصادية، بل هو أيضاً مبادرة سياسية واستراتيجية تعكس نظام التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد صعود الصين، لذلك تشعر بأن المشروع يقوض مصالحها ونفوذها في المناطق التي استثمرت فيها بكثافة في بناء البنية التحتية والتجارة والعلاقات الثقافية. 


ولا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة متيقظة وحذرة من نفوذ الصين المتزايد وطموحاتها من خلال مبادرة الحزام والطريق. وكان من ضمن ذلك، اتهام واشنطن لبكين بالانخراط في ممارسات الإقراض المفترسة والتي تعرف باسم "دبلوماسية فخ الديون"، وتقويض المعايير والقيم الدولية، والسعي إلى تحقيق مزايا استراتيجية على حساب شركائها. كما سعت الولايات المتحدة إلى مواجهة نفوذ الصين من خلال تعزيز تحالفاتها وشراكاتها، وتعزيز رؤيتها الخاصة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة، وفرض التعريفات الجمركية والعقوبات على السلع والكيانات الصينية. 


إذ تعتقد واشنطن أن مبادرة الحزام والطريق ليست مبادرة اقتصادية فحسب، بل هي أيضاً مبادرة سياسية واستراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل النظام العالمي لصالح الصين، مما يشعر الإدارة الأمريكية بالقلق من أن مبادرة الحزام والطريق قد تؤدي إلى تآكل نفوذها ومصداقيتها في المناطق التي استثمرت فيها بكثافة. بالإضافة إلى فرصة تمكن الصين من الوصول إلى الموارد الحيوية والأسواق والتقنيات والقواعد العسكرية في المواقع الاستراتيجية، مما قد يقود سيادة وأمن ومعايير شركائها. 

ما زال من المبكر الحكم على مدى إمكانية الحكم على مدى تأثير تلك المشاريع، فسوف تعتمد النتيجة إلى حد كبير على كيفية إدارة الجانبين للخلافات والتوقعات، وما إذا كان بوسع كليهما إيجاد التوازن بين المنافسة والتعاون.

لكن المؤكد أن مشاريع مثل الحزام والطريق والممر الاقتصادي ليست مجرد مشاريع اقتصادية، بل هي مشاريع سياسية واستراتيجية تعكس تطلعات وقيم الصين والولايات المتحدة وحلفاء كل منهما. لذلك فإنهما سيتطلبان جهداً ضخماً، حيث لا يتطلبان الاستثمار في البنية الأساسية فحسب، بل يتطلبان أيضاً الحوار والثقة. رغم ذلك يجب الإشارة إلى أن كلا المشروعين لا يضمن تحديات فحسب، بل ربما يمثل أيضاً فرصاً لخلق عالم أكثر ترابطاً وازدهاراً واستقراراً. لذلك، فإنهما لا يستحقان التدقيق فحسب، بل يستحقان أيضاً المشاركة من جميع أصحاب المصلحة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ألطاف موتي
باحث اقتصادي باكستاني
عضو اللجنة الدائمة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، واتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية كراتشي، باكستان. باحث سياسي واقتصادي، ومستشار الهيئات التجارية الحكومية وغير الحكومية، ورئيس شبكة التعليم في باكستان.
تحميل المزيد