عوائق الانتقال الديمقراطي في العالم العربي

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/24 الساعة 15:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/24 الساعة 15:15 بتوقيت غرينتش
ثورات الربيع العربي قبل أكثر من عقد، أرشيفية/ Getty

الانتقال الديمقراطي هو مصطلح يُستخدم كثيراً اليوم، وله دلالات تعكس واقعنا السياسي المعاصر المعقد والمتغير بسرعة. في هذا السياق، يُلاحظ وجود محاولتين متوازيتين لتحقيق هدف مشترك وهو التغيير والانتقال من وضع سياسي إلى آخر. يقوم أصحاب هذه المشاريع بتطوير رؤى سياسية تستند إلى طبيعة البيئة والظروف المحيطة بهم بهدف تجاوز التحديات السياسية المتعددة في عالم معقد.

تُعرف عملية التغيير السياسي بأنها "مجموعة من التحولات التي تطرأ على البنية السياسية في المجتمع أو تغير طبيعة العمليات السياسية والتفاعلات بين القوى السياسية، مما يؤدي إلى توزيع جديد للسلطة والنفوذ داخل الدولة أو بين دول مختلفة". هذا التغيير يمكن أن ينشأ نتيجة تغييرات في هياكل السلطة داخل الأنظمة السياسية أو من خلال محاولات تكييف هذه الأنظمة مع السياق السياسي الجديد أو ردود الفعل تجاه الرأي العام أو الضغوط الدولية.

من هذا المنظور، يمكن أن يتخذ التغيير السياسي أشكالاً متعددة ويؤثر على مستويات متنوعة، بدءاً من طبيعة النظام السياسي نفسه، ويمكن أن يأتي ذلك نتيجة لتغيير جذري مثل الثورة أو استبدال نظام سياسي بآخر بناءً على رؤى سياسية مختلفة. كما يمكن أن يتضمن التغيير السياسي تعديلات على توزيع السلطة وإعادة النظر في التشريعات المعمول بها، بالإضافة إلى مكافحة الفساد وتنفيذ مشاريع إصلاحية في المؤسسات، وهذا يُعرف عادة بالتغيير السياسي الجزئي.

إذاً، يُلاحظ أنَّ أهم المدارس المهتمة بعملية التغيير السياسي في عالمنا العربي والإسلامي غالباً ما ترتبط بعملية التحديث السياسي المشمولة بالدراسة والتحليل. هذه المدارس تتأثر بشكل كبير بالمدرسة الليبرالية التي تعتبر الديمقراطية السبيل الوحيد لتحقيق التغيير السياسي. وهناك أيضاً تأثير ملحوظ من المدرسة الاشتراكية التي تعتمد على منهج مختلف تجاه الرأسمالية، وتسعى للتوازن بين مفهوم التنمية والديمقراطية في العصر الحالي.

التغيير السياسي يتجسد بأشكال متعددة، حيث يمكن تقسيمه إلى تغيير ثوري وتغيير اصلاحي. التغيير الثوري يعتمد عادة على استخدام العنف ومواجهة المقاومة، بينما يتبع التغيير الإصلاحي نهجاً سلمياً ويهدف إلى التغيير التدريجي والإصلاح من داخل المؤسسات.

فيما يتعلق بالحركات والأحزاب ذات التوجه الإسلامي، يسعى القائمون على التغيير السياسي من هذا النوع إلى تطوير مقاربة مختلفة مستمدة من القيم السياسية في الإسلام. يسعون إلى تحقيق المقاصد الكبرى التي جاءت بها الشريعة الإسلامية والتغلب على التحديات المختلفة. تواجه هذه الأحزاب الإسلامية تحديات واختبارات متعددة في مسعاها. تنجح في بعض الملفات وتواجه الفشل في البعض الآخر نتيجة للضغوط السياسية والاقتصادية.

وبشكل عام، يتفق معظم أصحاب التغيير السياسي على ضرورة الإصلاح السياسي. فالإصلاح يسعى إلى تصحيح الأوضاع وإزالة الفساد، وتقوية المشاركة المواطنة في صنع القرار، وتعزيز قيم الديمقراطية والحرية والعدالة.

فالإصلاح السياسي من حيث المصطلح والمفهوم هو متداول ودارج في السلوك والفعل السياسي على مستوى النخب أو عموم الشعب، وله جذور ثقافية ودينية إسلامية. ففي القرآن الكريم له مواضع عديدة منها قول الله عز وجل: "ۚوَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" (سورة هود، الآية 80). فالإصلاح هنا يعبر عن تصحيح الأوضاع وإزالة الفساد، ويسعى إلى ترميم الاختلالات والعوار اللصيقة بالشيء. وفي السياق السياسي، يشير الإصلاح السياسي إلى عملية تتضمن مجموعة من التراتيب التي تعزز مشاركة المواطنين في صنع القرار وتقوية المؤسسات على أسس الديمقراطية والحرية والعدالة والمواطنة والحكم الرشيد.

رغم ذلك، يظهر الإصلاح السياسي تعقيدات وتحديات متعددة في عالمنا العربي، فنجد أن عملية الإصلاح السياسي في العالم العربي تواجه تحديات كبيرة على مستوى السلطات، النخب، والشعب. هذه التحديات تزيد تعقيداً عندما لا يتفق الجميع على الأدوات والآليات الممكنة في ظل بيئة سياسية مصابة بمستويات متعددة من الفساد وتأثرها بالتدخلات الداخلية والخارجية.

فبعد الربيع العربي شهدنا نمطين لإصلاح السياسي، أولهما كان تغيير النظام والحكم بمشروع إصلاحي، ركز على تعزيز قيم الديمقراطية مثل التداول السلمي للسلطة وحقوق الإنسان والمواطنة، فاصطدم بالدولة العميقة ولم يتحمل ضغطها وأدواتها. والثاني هو ما استند إلى الإصلاح من داخل الأنظمة السائدة، فواجه صعوبات وتحديات من قبل الأنظمة نفسها والتي تحاول الحفاظ على سيطرتها والابتعاد عن الديمقراطية.

ومن هنا تظهر مشكلة اعتماد أحد النمطين بشكل حصري، حيث قد تعجز عملية التغيير السياسي عندما لا تتوافر الشروط المناسبة. التغيير بالقيم السياسية يحتاج إلى وقت وجهد، ويعتمد على توافق كل القوى وتوجيه ذكي.

بالختام، يبدو أن كلا النمطين لهما إيجابياتهما وسلبياتهما، فقد أشعلا فكرة التغيير الممكن لدى الشعوب. ولربما  المزج بينهما يحقق إصلاحاً مستداماً وآمناً في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعترض العالم. إن مسار التحول السياسي يتطلب صبراً وتكييفاً مستمراً وتحملاً، بالإضافة إلى بنية فكرية ومعرفية وثقافيه متينة تصمد أمام الأعباء والتحديات المتعددة. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد بن غربي
أستاذ في القانون الدولي
أستاذ محاضر للقانون الدولي وحقوق الإنسان في جامعة زيان عاشور بالجلفة - الجزائر
تحميل المزيد