لمّا تقدم سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب لخطبة هند بنت عتبة، رفضت الأول وقبلت بالثاني، وكان من ضمن ما عللت به رفضها لسهيل بن عمرو، وهو الكريم الشريف نسباً، الأصيل معدناً، توقعها بأنه إن أنجب سيكون ولده أحمق، وهي لا تريد أن تلد ولداً أحمق، ولهذا رضيت أن تتزوج من أبي سفيان بن حرب وقالت لأبيها: إني لأخلاق أبي سفيان لوامقة، وإني له لموافقة.
تزوّج سهيل بن عمرو من الحنفاء بنت أبي جهل، ويقال إنها أنجبت له ولداً أحمق يدعى أنساً اشتهر بين العرب بحماقته وضعف نباهته، بينما تزوجت هند وأنجبت معاوية بن أبي سفيان الذي ساد قومه، وكان كلما وقعت عين سهيل على ابنه الأحمق تذكر قول هند بنت عتبة.
ما استوقفني كثيراً وأنا أقرأ عن تلك المرأة الذكية نظرتها ذات الطابع المآلي التي تستشرف من خلالها ملامح المستقبل، إذ لا يهمها هنا غني الرجل من فقره، ولا طوله من قصره، ولا بياضه من سماره، بل شغلها قوة شخصيته، وحسن نباهته، وفطنته، وما يتحلى به من ذكاء ودهاء، على أمل أن تنجب منه ولداً يشبهه، وبالفعل نالت ما كانت تتطلع إليه، فقد ورد عن أبي هريرة أنه قال: رأيت هنداً بمكة كأن وجهها فلقة قمر، ومعها صبي يلعب، فمر رجل فنظر إليه فقال: إني لأرى غلاماً إن عاش ليسودن قومه.
يصدمنا الواقع كل يوم بقصص طلاق لنساء صغيرات انشغلن بالمظهر عن الجوهر، وبالشكل عن المضمون، ولم يتم التحقق الكافي من مدى كفاءة الخاطب وصلاحيته، بعدما قررت عائلة مستهترة أن تدفع بابنها لإحداهن وهم يعلمون انحراف ابنهم مسبقاً، آملين أن يعقل وفق المثل المشهور (زوِّجوه يعقل)!
صحيح أن العلاقة الزوجية من أعقد العلاقات البشرية، فقد يعيش زوجان مع بعضهما 1000 سنة ويموت أحدهما وهو جاهل بنفسية الآخر، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، فعلى البنت أن تستغل فترة الخطوبة بشكل جيد، فهي -أي فترة الخطوبة- لم تشرع في الأصل لكي تداعب الأصابع الأصابع، ولا لتأجيج المشاعر، بل هي مدة زمنية تطول وتقصر لتحقيق جملة من المستهدفات؛ أبرزها: التعارف الجيد على شريك الحياة، ومعرفة طباعه، وصفاته النفسية والسلوكية، معرفة ما إذا كان مناسباً أم لا!
لكل أب: لا يكن معيار الاختيار الأوحد المال والجاه، فجل الزيجات التي كان معيار الاختيار فيها المال والحسب والنسب تفشل، والواقع خير دليل، ومن الخطأ التركيز على ما في يد المتقدم الآن، بل توقع ما سيقوم به في المستقبل استناداً إلى ما يتحلى به من صفات الرجولة وجديته في السعي وطلب الرزق، وقبل ذلك التركيز على دينه وأخلاقه، والدين ليس لحية وجلباباً وممارسات شعائرية فقط، فالدين رجولة وشهامة، إنْ أحبَّها أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.