لو دققنا النظر في خارطة العالم، فسنجد أن هنالك ناراً متقدة تحت الرماد في أماكن كثيرة من هذا العالم اللاهث وراء الحروب، نار خلفتها حروب سابقة، أو ظروف أرسلت رياحاً تزيح الرماد المتراكم فوق النار المختبئة لتعود للاندلاع من جديد فتحرق الأخضر واليابس، لا أحد يعلم متى وكيف ستتحول المدن المفعمة بالحياة إلى أطلال.
طبول الحرب تُقرع في كل مكان من أرجاء هذا العالم الفسيح، الذي يبدو أنه أصبح لا يتسع لمرضى التوسع والنفوذ الذي أصاب الكثير من رؤساء العالم، يا ترى هل هي خطة فعلاً للقضاء على أكبر عدد من البشر، أم أنها النهاية لهذا الكوكب الأزرق الذي يمكن أن تحوله شرارة تافهة إلى كوكب أسود، تغلفه سحابة شيطانية من الغبار الذري الذي سيقضي على كل شيء جميل على هذا الكوكب؟
أرمينيا وأذربيجان سبق لهما أن اقتتلا وتحاربا على أرض يمكن أن يتقاسماها أو يعيشا عليها بسلام معاً، لكنها الرغبة في القضاء على الآخر، وتجييش الجيوش نحو حروب يكون الشباب المفعم بالحياة وقودها؟ الأصابع على الزناد وحمى الحرب أصابت كل الموجودين على الحدود بين هاتين الدولتين المتجاورتين.
الصين بدأت خطوات حثيثة نحو استعادة تايوان كما يقولون، ونحو احتلالها كما يقول الأمريكان! لكن السؤال المطروح هنا: هل تحتاج الصين إلى أرض هذه الجزيرة الصغيرة، أم أنها تسعى للسيطرة على صناعتها المتطورة؟ أما الأمر مجرد محاولة منها لإظهار القوة وبسط النفوذ على الضعفاء؟
هذه الأسئلة أعلم إجابتها جيداً، لكنها قد تكون أسئلة البسطاء من الناس، الذين يسمعون أصوات طبول الحرب ذاتها التي تُقرع في أذربيجان وأرمينيا بين الصين وتايوان.
أخذني الفضول نحو القارة العجوز التي أصبحت تحتضر بعد أن أنهكها الجوع وغلاء الأسعار وتعب سكانها من الترقب والنظر نحو السماء، وهم ينتظرون صواريخ روسيا النووية أو صواريخ الناتو تنهال عليهم بعد أن عجزت حتى الآن على التصدي لأطماع بوتين نحو أوكرانيا، وكأن روسيا الأكبر مساحة على هذا الكوكب لم يعد باستطاعتها إنتاج القمح لنفسها، فتحولت نحو قمح أوكرانيا كما فعل هتلر في منتصف القرن الماضي.
أحاول جاهداً تبسيط الأحداث والأسباب، رغم أنها فظيعة وأنا أعلم ذلك، وأعلم كذلك سببها غير المقنع، والذي لا يبيح لهم قتل الملايين من البشر فقط لأن روسيا تحاول أن تقول للعالم إنها لم تعد مجرد دولة من دول الاتحاد السوفيتي السابق، أو دولة عظمى في مجلس الأمن، بل إنها قطب قوي من أقطاب هذا العالم الذي أصابته حمى اسمها جنون الاستعمار، هذه الحمى التي أصابت قبلها أمريكا وانطلقت كالثور الهائج نحو تدمير الدول واحتلالها بحجة محاربة الإرهاب الذي كانت سبباً في نشأته منذ أن دعمت تنظيم القاعدة في أفغانستان، وسعت إلى بسط نفوذها في الشرق الأوسط وتدمير العراق، وساعدت على نشر ميليشيات إيران فيه، لتتغلغل منه إلى سوريا ولبنان واليمن، شردت ملايين الناس وقتلت ملايين البشر دون ذنب أو جريرة ارتكبوها.
وبمجرد أن تزيح بصرك نحو القارة السمراء ستسمع ذات الطبول تُقرع في النيجر وصرخات فرنسا بعد الانقلاب المدعوم من روسيا الذي حصل فيها، والذي أفقد شركاتها السيطرة على مصادر اليورانيوم، وكأن عقوداً من الاقتتال والحروب الأهلية والأمراض الفتاكة والجوع الذي قضى على الملايين هناك ليس كافياً، في قارة لا يعلم سكانها كيف يُشبعون بطون أطفالهم الجياع، وعليه فيجب أن تندلع حروب أخرى، وأن ترسَل شحنات السلاح إلى أيادي العابثين ليقتتلوا فيما بينهم، ويكون الناس حطباً لمحرقة جديدة في هذه القارة، وغير بعيد النيجر يستمر الضحايا بالتساقط يومياً في السودان التي تشرذمت وأصبحت دولاً بعد أن كانت دولة واحدة، ويستمر شعب السودان بدفع تكاليف هذه الحرب الأهلية من دماء أبنائه، ومن مستقبل أجياله الذين لم يرَ قسم كبير منهم شكل السلام والحياة بغير حروب.
وغير ذلك من بؤر الصراع المنتشرة في جميع أنحاء العالم، بين الكوريتين والتهديدات النووية المستمرة وحمى التسلح التي أصابت تقريباً كل دول العالم، إيران تتسلح وإسرائيل تتسلح والسعودية تتسلح وصربيا وكوسوفو وألمانيا وحتى الدول الإسكندنافية انضمت في الناتو لتشارك في حروب الموت القادمة والتي ستقضي حرفياً على كل أشكال الحياة على هذا الكوكب البائس.
في النهاية منظر الأصابع وهي على الزناد هو المنظر السائد هذه الأيام، فلم يعد بمقدورهم أن يتراجعوا ولم يعد بمقدورهم أن يتجنبوا الحروب؛ لأن عقولهم المريضة صوّرت لهم أن الحروب نزهة، وأن الانتصار أكيد، وأن النصر سيجلب معه الخير والاستقرار لبلدانهم، غير أن الحقيقة أن تأثير الحمى عليهم شديد، بحيث أصبحوا غير مدركين أن الأصبع الأحمق إذا ضغط على الزناد فلن تتوقف هذه الحروب إلا مع نهاية كل البشر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.