تذكرت وأحد الأصدقاء يحكي لي بالأمس عن صدمته الكبيرة في أحدهم، ما جاء عن أحد الرجال قديماً حين سمع بخبر موت الخليفة، وبينما الناس في حزن حقيقي ومفتعل، قام هذا الرجل وقال بأعلى صوته في المسجد: مات الخليفة أيها الثقلان ثم تنهد، فقال جمع غفير من الجالسين في أنفسهم: هذا أشعر الناس، فلقد نعى الخليفة إلى الإنس والجن بنصف بيت!
لم ينتظروا قليلاً ليتأكدوا من حقيقة هذا الحكم، لكن شاعرنا الذي أوهم الجالسين بأنه شاعر عميق، بليغ، قال في النصف الآخر من البيت: فكأنني أفطرت في رمضان! هنا ضحك القوم جميعاً وصار هذا الرجل شهرة في الحمق. لو صبر القوم حتى يكمل شطر البيت، لما كانوا بحاجة إلى الثناء ابتداءً!
أكاد أرى كل يوم علامات الدهشة والصدمة على وجوه كثير من الخلق بسبب ردود الأفعال التي يجدونها في شخصيات لطالما أثنوا عليها وظنوا بها الخير كله، ولم يتوقعوا أنهم بهذا السوء الذي انكشف بعد طول سنين، وراحوا يلومون أنفسهم على ثقتهم الكبيرة التي منحوها لمن لا يستحقها بزعمهم.
وكثير من هولاء تغلب عليهم العاطفة، أو السذاجة، كحال الجالسين في ذلك المسجد منتظرين دفن خليفتهم.
في العموم، كل إنسان يرى الناس بعين طبعه، ولكن يجب أن نذكر دائماً أن المعاملات المادية، والسفر، كفيلان بإخراج مكنون الأخلاق، بالإضافة إلى ذلك، لحظات الغضب لا تعكس دائماً حقيقة الإنسان؛ إذ ليست مقياساً دقيقاً للحكم على الناس، والخطأ كل الخطأ أن يعطي المرء شيكاً من الثقة على بياض لأحدهم ما لم تكن بينهما معاملة، وأمانه يراد ردها.
رغم ذلك، فإن التماس الأعذار وحسن الظن، ورؤية الأمر من أكثر من زاوية، يقي الإنسان من مغبة الوقوع في الإثم، والغضب، والحزن، ويعزز العقلانية.
والأصل عندما يحتد عليك صديق أو زميل في موقف ما، وتكون ردة فعله معك عنيفة للغاية، وتبحث في الأمر فلا تجد مبرراً لتصرفه، فلو كانت فورة الغضب طارئة ولم تعهد فيه هذه الحدة من قبل، فاعلم أن لديه مشكلات عويصة أخرجته عن هدوئه المعهود، ومن ثم فهو بحاجه إلى مواساة أو احتواء لا ردة فعل منك أعنف. لن تظهر شخصاً ضعيفاً، بل ستكبر في عينية، وبعين الآخرين.
للذين خالطوا الناس أشكالاً وألواناً، وسافروا، وقرأوا، رفقاً بمن لم تسحقهم الحياة بعد، اطرحوا الأمل، وانشروا الإيجابيات، وانثروا التفاؤل، وقدموا نماذج ناجحة تعزز الثقة بين الناس في زمن الشك والارتياب! فالبطل في هذا الزمن من يسعى لتعزيز الطاقة الإيجابية في قلوب الناس والتي تتجاوز ما يكفي لصهر المشاعر لتحولها إلى بيضاء اللون، ناعمة الملمس قابلة للطرق والسحب؛ لتتشكل منها منتجات السعادة له وللآخرين.
وللذين تعبوا من كثرة الصدمات، اجعلوا في علاقاتكم الإنسانية مسافات كالتي بين عربات القطار، فإنها تقي من التصادم المدمر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.