القصة لم تكن هكذا منذ البداية!…
تألق لاعب فريق ليستر سيتي الإنجليزي، هاري ماغواير، ثم أصبح محط أنظار الأندية الإنجليزية الكبيرة، وعقِب هذا الانتقال التاريخي لمانشستر يونايتد، كان هاري ماغواير في صفوف منتخب إنجلترا الذي حقق المركز الرابع في بطولة كأس العالم روسيا 2018.
لم يكن هاري ماغواير بهذا السوء، وفي الوقت نفسه، لم يكن يستحق هذا المبلغ الفلكي الذي دُفع فيه، لكنها الحياة، أعطت لهاري ماغواير الكثير لكي تسلبه ما هو أكثر فيما بعد، وتُصبح النعمة الوحيدة في حياته، والتي تسببت له في كل هذا السيط والشهرة؛ هي نفسها النقمة التي يُريد التخلص منها!
أصبح هاري ماغواير أغلى مدافع في تاريخ كرة القدم، بوصوله إلى مانشستر يونايتد نظير ما يُقارب 70 مليون يورو، والغريب أن القيمة السوقية حالياً لهاري ماغواير تصل إلى حوالي 20 مليون يورو!
كانت هذه النقطة هي الضاغط الأثقل على عاتق ماغواير؟ ربما، لكن دعنا لا نضع البيض كله في سلة واحدة؛ فهذا المبدأ يُمكن نفيه بسهولة شديدة عن طريق الفكرة السائدة: وصل غيره بمبالغ أكبر وتألق.. لماذا هو بالتحديد؟
خرجت الأمور عن السيطرة في غلاسكو، خرجت تماماً
يُمكنك، أثناء تصفحك، لأية وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، أن تُقابل مقاطع لشخص يُطلق اسم "هاري ماغواير" ثم يبدأ المقطع في استعراض إخفاقات كبيرة لهاري ماغواير مع موسيقى ساخرة.
كانت هذه الفكرة في بدايتها؛ هي مجرد عبث من مشجعين يُمكن بسهولة وصفهم بأنهم يُحاولون تحويل الكرة إلى مساحة كوميدية، لكن الأمر تفاقم، ولم يعُد مقتصراً فقط على مقاطع الفيديو التي يُمكن تناقلها تسخر من ماغواير بهذا الشكل.
أصبح هاري ماغواير "نُكتة" يتم تناقلها بشكل كبير في كل مكان يدخله بقميص مانشستر يونايتد، وكذلك نُكتة من خلال المنتخب الإنجليزي، وأصبح هاري ماغواير يُواجه الكثير من الأشباح: جماهير فريقه الساخطة على مستواه، جماهير الخصم التي تتخذه هُزواً، ومقاطع الفيديو التي حولته إلى وسيلة مُربحة، وبطبيعة الحال فقد هاري ماغواير جانبه الأهم كونه إنساناً في نهاية المطاف.
خرجت الأمور عن السيطرة في غلاسكو، خرجت تماماً؛ لذا قررت والدته، التي تُدعي زو، أن تنشر بياناً رسمياً تُحاول فيه استعطاف الجماهير، وفي الوقت نفسه تُهاجمهم!
زو، قررت ألا تدع ابنها يخسر كل شيء بسبب لعبة، لم تكن الأسرة تعلم أنها ستتحول إلى نكبة عليه، في غلاسكو، خلال المباراة الودية بين منتخب إنجلترا وإسكتلندا، كلما لمس هاري ماغواير الكرة، سمع صافرات استهجان من قِبل جماهير المنتخب الإنجليزي، وفي الجهة المقابلة سمع صيحات تهتف له، كانت من المدرج الإسكتلندي.
أصبح هاري ماغواير ضحية؛ لا يمكن أن يكون غير ذلك، مهما صدر منه، وأياً كان مستواه، ببساطة لأن الأمر لم يعد خاصاً بانتقاده كلاعب كرة قدم، بل لأن هؤلاء القوم يفعلون أشياء تجعل الإنسان يشك في ملابسه، يتلفت يميناً ويساراً في كل مكان يدخله، ويشعر بأن العالم على اتساعاته؛ أضيق من أن يحمله.
التفسير المنطقي للسقوط الحر
قبل أن ينتقل هاري ماغواير لمانشستر يونايتد؛ ربما لا يُدرك الكثير من الناس أن مانشستر سيتي كان في مفاوضات مع ليستر سيتي للظفر به!
مفاوضات مانشستر سيتي رفقة ليستر، كانت لتعويض المركز المفقود في خط دفاع مانشستر سيتي، والذي أخلفه القائد البلجيكي الأسطوري للسيتي؛ فينيسنت كومباني.
المفاوضات بين مانشستر سيتي وإدارة ليستر سيتي، كانت بأمر وموافقة المدرب الإسباني بيب غوارديولا؛ الذي أكد فيما بعد أن فريق مانشستر سيتي كان يرغب في التوقيع مع هاري ماغواير.
غوارديولا، قال إن ماغواير رائع في الهواء، سريع بالكرة ودونها، قوي على المستوى الدفاعي، قدم بطولة كأس عالم رائعة للغاية في روسيا 2018، لكن الحائل الوحيد بينه وبين السيتي، أن مانشستر سيتي لم يكن مُوافقاً على دفع هذا المبلغ الكبير لليستر سيتي!
وربما يكون هذا هو التفسير المنطقي؛ لأن هاري ماغواير بالفعل كان يُقدم مستويات مبهرة، وبسرعة كبيرة نال إعجاب سولشاير المدير الفني لمانشستر يونايتد، ثم لم يكد يمكث حتى عامه الأول، إلا وتسلم الشارة التي أُعلن من خلالها قائداً لفريق بحجم مانشستر يونايتد.
لكن صيف 2020 كان المُنعطف الأخير؛ في تلك الإجازة التي ذهب فيها هاري ماغواير وأسرته إلى عطلة صيفية في دولة اليونان، هُناك، لم تعد الحياة بعد كما كانت قبل!
في اليونان، كانت الأسرة تقضي العطلة وإذ بمجموعة من الشباب يُضايقون هاري ماغواير وأسرته، ويتلفظون بألفاظ خارجة بحق اللاعب وناديه مانشستر يونايتد.
في البداية، البيئة المحيطة بماغواير قالت إنه تغاضى قدر المستطاع عن هذه الأفعال الصبيانية، لكنه شعر بالخطر حينما تعرض مجموعة من الأشخاص لشقيقته وخدروها بمخدر حقيقي.
في اليونان، تدخل هاري ماغواير لإنقاذ شقيقته، لكن الشرطة كانت قد وصلت بالفعل إلى الأحداث المتضاربة وتدخلت، ولم يكن هاري ماغواير، في حالة التوتر التي كان عليها في تلك اللحظة بالذات، يُدرك أي شيء في العالم حوله!
كان هاري ماغواير يعتقد أن الأمر أصبح شبيهاً بالمقالب التي تُعرض في التلفاز، وأن رجال الشرطة الذين تدخلوا في هذه اللحظة متواطئين مع الجماعة التي ضايقته وأسرته.
في البداية، شعر هاري ماغواير أنها محاولة اختطاف؛ لكن فيما بعد أدرك أن الأمر اتجه إلى الحقيقة الكاملة، بعد أن ركل رجال الشرطة واعتدى عليهم بمثل ما اعتدوا عليه.
بعد أن هدأت حالة التوتر؛ أدرك هاري ماغواير أنه سيذهب إلى قسم الشرطة، وسيُحاسب على فعلته، وسيتم الحكم عليه فيما بعد بالسجن لمدة 21 شهراً!
المحامي الخاص بهاري ماغواير، حينما ذهب إلى اليونان، اكتشف أن الأمر لن يكون سهلاً كما كان يعتقده، واكتشف أن هاري ماغواير قد ضرب رجال الشرطة، وحاول أن يرشيهم: "أنا لاعب مانشستر يونايتد، أنا ثري للغاية.. يمكنني أن أدفع لكم ما تريدونه، لكن دعوني أرحل من هنا" كانت هذه الكلمات هي ما سُجل في المحضر الخاص بالواقعة.
حُلت القضية، وعاد هاري ماغواير إلى مانشستر يونايتد، لكنه لم يعُد هاري ماغواير القديم، فقد شيئاً مهماً في اليونان؛ ثقته الكبيرة بنفسه!
وأصبح هاري ماغواير يخشى التفاعل مع الناس، الجماهير، وحتى حالات المزاح الطفيفة التي يُمكن لها أن تنتهي كما حدث في اليونان تحديداً، وربما أصيب هاري ماغواير بحالة من الرهاب الاجتماعي، لا تتناسب أبداً مع مركزه، لا في مانشستر يونايتد ولا حتى في المنتخب الإنجليزي.
الطب النفسي حل
استعان هاري ماغواير بنخبة من الأطباء النفسيين في المملكة المتحدة، وشرح لهم ما يشعر به، واستشار رئيس علم نفس الأداء في الاتحاد الإنجليزي، المعروف باسم "إيان ميتشيل".
بالمناسبة، وخارج السياق قليلاً، فالمنتخب الإنجليزي منذ زمن يُعاني كثيراً مع الطب النفسي خاصة والمواقف التي يتعرض لها لاعبو المنتخب.
لدرجة أن المدرب السويدي سفين إيركسون، قال إن المنتخب الإنجليزي كان يُصاب بنوبة من الخوف، بمختلف نجومه وعناصره، حينما يصل الأمر إلى ركلات الترجيح تحديداً في أي محفل دولي!
ولهذه الأسباب، وأكثر؛ قرر الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم أن يُوفر مجموعة من الأطباء النفسيين لخدمة لاعبي المنتخب، على رأسهم الطبيبة بيبا جرانج، والتي أبلت بلاءً حسناً في بطولة كأس العالم 2018 في روسيا بالفعل رفقة المنتخب.
نعود لسياق قصتنا، ونكتشف أن هاري ماغواير لم يكن المتضرر الأوحد من كل هذه الأحداث الإنجليزية المؤسفة تاريخياً، خاصة في جزئية تحمل الضغط وتجاوزه، وإنما كان هاري ماغواير هو نقطة يستكمل من خلالها النجوم حالة من الضغط الشنيع الذي لا يتحمله إنسان.
ويُمكن اكتشاف أن هاري ماغواير بالفعل كان ضحية مجموعة من المُتطفلين، الذين أفقدوه ثقته الكبيرة بنفسه، وحولوه من أغلى مدافع في العالم، إلى مجرد نكتة يتم تناقلها بشكل مستمر في كل مكان حول العالم.
وقد لا ترى ماغواير أفضل مدافعي العالم حالياً، لكن الأمر برمته يُشبه كثيراً محاولة إحياء ميت؛ حالياً هاري ماغواير لا يُمكن له أن يتعافى وسط هذه البيئة التي لا تدع لأي إنسان فرصة للنهوض، ولا يمكن له أن يذهب نحو الجماهير فيلتقط ورقة رُميت له، كان محتواها أن يرحل صاحب الرأس الضخم عن فريقه!
ولا يُمكن أن يسير في الشوارع بسلام، ولا أن يخرج في جولة مع أسرته دون أن يتعرض إلى نبرات ساخرة، ولا حتى نظرات تصف أكثر مما تُخفي، وتُشعره، في كل مرة، بأنه هاري ماغواير الذي لن يتم معاملته كإنسان، أبداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.