أتعجَّب من الذين يهرولون إلى الحجز في "كورسات" ما يعرف بالتنمية البشرية، ويبادرون للجلوس بين يدي واحد من الذين أنعم الله عليهم بحلاوة اللسان، ليشنف آذانهم بجميل العبارات، ويمتع أسماعهم بأروع الحكايات، معتقدين أنه بعد هذه الساعة أو تلك الساعات القليلة من القصص والروايات سيفجر فيهم الطاقات، ويحقق لهم المنجزات.
أتعجَّب من تلك النوعية حين لم تبادر يوماً بشراء كتاب واحد في السيرة النبوية للوقوف على ملامح مسيرة نبينا الكريم، ليتعلموا كيف كان يتعامل مع الله، ومع الناس، ومع الأطفال، ومع الشجر والدواب، وكيف كان يخطط لحياته، وينجز أهدافه.. كيف كان يحب، ولماذا يكره، وكيف يعكس بسلوكه صورة راقية في قضايا الاتزان النفسي والحركي والاجتماعي.
أستطيع أن أتفهم إقبال شريحة من الشباب على مثل تلك "الكورسات" من باب الحصول على شهادات تعزز السيرة الذاتية، وأستطيع أن أتفهم أن هناك قلة من المتصدرين لمجال التنمية البشرية تجتهد في تحقيق مسألة الارتقاء بالذات للأفراد، استناداً إلى مهارات وخبرات يمتلكونها في مجالات متخصصة، وتحقق نجاحات مبهرة، كما أستطيع أن أتفهم أن العلم -أي علم- له احترامه البالغ، في كل مجال وعلى يد كل إنسان متخصص يمتلك المعرفة والدراية اللازمة.
في مجتمع كمصر، يجد ثلة من النصابين ضالتهم في خداع الشباب، حيث تكثر البطالة، وتعمل المشكلات الاجتماعية عملها في النفس، فيقوم هؤلاء تحت شعارات براقة، ولافتات خطافة باستقطاب الشباب من الجنسين، لإعطائهم جرعات من الحماس المفرط، سرعان ما يتحول معه الشخص إلى كائن محبط؛ لأنه صار كالبالون الذي انتفخ بالهواء وأُطلق في الجو يتحرك يمنة ويسرة في تخبط واضح، يتبعه هبوط مدوٍّ في زاوية من زوايا المكان.
بالتوازي هناك حالة من الميوعة التي تبعث على الملل والانزعاج، انتابت قطاعات كبيرة من مجتمعنا، يجيب الرجل قليل الخبرة وفاقد التخصص والأهلية على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها في قضايا تستدعي خبراء عصره ليجيبوا عنها، ويصدِّقه شباب وفتيات مفتونون، غارقون في الحيرة، ليس إلا لأنهم ربما رأوه متميزاً في فن من الفنون.
استغرقت عالمة النفس الأمريكية كاثرين كوك بريغز، وابنتها إيزابيل بريجز مايرز وابنتها نصف قرن من الزمن لوضع الأسس التي على أساسها يمكن تحديد الأنماط الشخصية، وما ينبني على كل نمط. وسميت هذه الدراسة: الأنماط الشخصية بأسلوب MBTI، حضرت وسمعت الدورة التي تشرح الأنماط الشخصية بأسلوب MBTI فانبهرت، ولكن كان انبهاري أكثر عندما اطلعت بإمعان على أسلوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبراعته في معرفة الأنماط الشخصية، والمتأمل في أحداث صلح الحديبية سيدرك ذلك بجلاء.
مثال من السيرة
حيث حضر عن مكة للتفاوض مع الجيش المسلم أكثر من نفر، فظهرت براعة الرسول في تحديد نمط شخصية كل من قائد قبيلة خزاعة بديل بن ورقاء، وقائد الأحابيش حليس بن علقمة، وقائد ثقيف عروة بن مسعود، ومكرز بن حفص، وأخيراً سهيل بن عمرو، واختار الأسلوب الأمثل للتعامل مع كل واحد منهم.
لكن الأجمل تعامله مع حليس بن علقمة، حيث بمجرد أن رآه قادماً قال لأصحابه إن ذلك رجل يعظم شعائر الله، أطلِقوا الهديَ أمامه، وارفعوا أصواتكم بالتلبية، فلما رأى ذلك رجع إلى قريش ولم يصل إلى الرسول أصلاً، وفي النهاية فتح الله على المسلمين، وكان النصر حليفهم في مهمتهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.