يُعد إيلون ماسك أحد أكثر الشخصيات تأثيراً وإثارة للجدل في العالم اليوم، وهو المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة سبيس إكس وإكس، والعديد من الشركات الأخرى التي تدفع حدود التكنولوجيا والابتكار. وهو أيضاً صاحب رؤية وفاعل خير يريد أن يجعل العالم مكاناً أفضل، ويحل أكبر التحديات التي تواجه البشرية. ومع ذلك، فهو أيضاً إنسان يخطئ ويواجه معضلات تختبر أخلاقه وقيمه. ومن أحدث الأمثلة المثيرة على ذلك، تورّطه في الحرب بين أوكرانيا وروسيا التي بدأت عام 2022.
واندلعت الحرب بسبب غزو روسيا لشرق أوكرانيا وضمها شبه جزيرة القرم، وهي شبه جزيرة متنازع عليها، كانت جزءاً من أوكرانيا، ولكن روسيا طالبت بها. تسببت الحرب في مقتل الآلاف وتشريد الملايين وانتشار الدمار والمعاناة على نطاق واسع.
وبدأ دور ماسك في الحرب عندما وافق على تركيب خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية ستارلينك في أوكرانيا، بعد أن عانت البلاد من انقطاع التيار الكهربائي وثغرات في خدمة الإنترنت بسبب الغزو الروسي. وستارلينك هو مشروع من قبل سبيس إكس، التي توفر الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة إلى المناطق النائية من العالم باستخدام كوكبة من آلاف الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض. وتم استخدام ستارلينك من قبل العديد من العملاء، بما في ذلك الجيش الأمريكي والمجتمعات الريفية ومنظمات الإغاثة في حالات الكوارث.
ورد ماسك على نداء من نائب رئيس الوزراء الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف، على إكس لتزويد الاتصالات عبر الأقمار الصناعية للمساعدة في مقاومة الغزو الروسي. وقال إن ستارلينك "لا يقدر بثمن" للمجهود الحربي الأوكراني، وشكر ماسك على "دعمه للديمقراطية والحرية". كما وعد بأن المزيد من الأقمار الصناعية "في الطريق"، وأنه يعمل مع حكومة الولايات المتحدة لتسريع العملية.
ومع ذلك، اتخذ دور ماسك في الحرب منعطفاً دراماتيكياً عندما تدخل لوقف هجوم أوكراني على البحرية الروسية في شبه جزيرة القرم باستخدام شبكة الإنترنت الفضائية ستارلينك في سبتمبر 2022. تم الكشف عن تفاصيل هذا الحادث من خلال سيرة جديدة لماسك بقلم والتر إيزاكسون، والتي ستنشر في نوفمبر 2023. وتزعم السيرة الذاتية أن ماسك علم أن الجيش الأوكراني كان يستخدم ستارلينك لتوجيه 6 طائرات من دون طيار تحت الماء، محمّلة بالمتفجرات نحو السفن الروسية في سيفاستوبول، وهي مدينة ساحلية في شبه جزيرة القرم. سيفاستوبول هي موطن لأسطول البحر الأسود الروسي، وهو أحد الأصول الاستراتيجية للقوة البحرية الروسية والنفوذ الإقليمي.
وفقاً للسيرة الذاتية، أمر ماسك مهندسيه بقطع خدمة ستارلينك على بُعد 100 كيلومتر من شبه جزيرة القرم ، مما تسبب في فقدان الطائرات من دون طيار الاتصال، وانجرافها إلى الشاطئ دون ضرر. وتقول السيرة الذاتية أن ماسك كان يخشى أن يكون الهجوم بمثابة "بيرل هاربور صغير" وأن السفير الروسي لدى الولايات المتحدة حذر من أن روسيا ستستخدم الأسلحة النووية إذا تعرضت شبه جزيرة القرم للهجوم.
ومع ذلك، نفى ماسك بعض التفاصيل الواردة في السيرة الذاتية، وقال إنه لم يقم بتعطيل ستارلينك، بل رفض طلباً من السلطات الحكومية لتفعيله في المنطقة التي تم التخطيط للهجوم فيها. وقال إنه لا يريد أن يكون "متواطئاً بشكل صريح في عمل كبير من أعمال الحرب وتصعيد الصراع"، وأنه يعتقد أن روسيا سترد بالقوة النووية إذا تم تدمير أسطولها. وقال أيضاً إن ستارلينك لم تكن نشطة في شبه جزيرة القرم في المقام الأول، وأن سبيس إكس لم يكن لها أي دور في الحرب.
وأثار قرار ماسك، بالتدخل في الهجوم الأوكراني على البحرية الروسية في شبه جزيرة القرم باستخدام شبكة الإنترنت الفضائية ستارلينك، جدلاً وانتقادات من مختلف الأطراف. واتهم المسؤولون الأوكرانيون ماسك بالتدخل في سيادتهم والسماح لروسيا بمواصلة عدوانها وعنفها ضد أوكرانيا. كما ألقوا باللوم على ماسك في مقتل مدنيين وأطفال بسبب الهجمات الصاروخية الروسية على المدن الأوكرانية. كما أدان بعض النقاد البارزين لروسيا، مثل بطل الشطرنج غاري كاسباروف والناشط في مجال حقوق الإنسان بيل براودر، قرار ماسك وشككوا في دوافعه.
من ناحية أخرى، أشاد بعض أنصار ماسك به لمنعه حرباً نووية، وإنقاذ ملايين الأرواح من خلال استخدام ابتكاراته التكنولوجية ونفوذه لوقف هجوم خطير واستفزازي. كما أشادوا به لاتباعه مبادئه الأخلاقية وضميره من خلال رفض التواطؤ في عمل من أعمال الحرب والصراع الذي من شأنه أن يسبب المعاناة والموت لأناس أبرياء.
كما ألهم قرار ماسك بعض الفكاهة والسخرية من أوكرانيا نفسها. وفي يناير 2023، أطلقت أوكرانيا نكتة على صيغة السلام التي طرحها ماسك، والتي كانت عبارة عن اقتراح منه لإنهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا. يتألف الاقتراح من 4 نقاط: 1) تعترف أوكرانيا بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا؛ 2) تسحب روسيا قواتها من شرق أوكرانيا؛ 3) انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي؛ 4) ستتبنى أوكرانيا اللغة الروسية كلغة رسمية لها.
يُظهر قرار ماسك أيضاً كيف يمكن استخدام التكنولوجيا لأغراض الخير والشر، اعتماداً على من يستخدمها وكيفية استخدامها. يمكن أن تكون التكنولوجيا أداة للسلام أو الحرب، للتعاون أو الصراع، للتقدم أو الدمار. ويمكن أن تكون التكنولوجيا أيضاً مصدراً للقوة أو الضعف، للفرصة أو التهديد، أو للحرية أو السيطرة.
إن قرار ماسك بالتدخل في الهجوم الأوكراني على البحرية الروسية في شبه جزيرة القرم باستخدام شبكة الإنترنت الفضائية ستارلينك هو قصة التكنولوجيا والأخلاق والسياسة. إنها قصة تكشف مدى تعقيد وغموض الطبيعة البشرية والتاريخ البشري. وإنها قصة تتحدانا للتفكير بشكل نقدي ودقيق بشأن تأثير وعواقب أفعالنا وقراراتنا. وإنها قصة تدعونا إلى تخيل وخلق عالم أفضل لأنفسنا وللآخرين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.