علامات اليأس والفشل في انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان بدأت تلوح في الأفق. وعلى ما يبدو فإنّ زيارة المبعوث الفرنسي "لودريان" إلى لبنان قد تكون الأخيرة. استهل الأخير زيارته إلى لبنان عبر لقاء جمعه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ويبدو أنّ اللقاء كان شكلياً من حيث ضرورة اللقاء مع رئيس الحكومة. واللقاء الثاني جاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وفي هذا اللقاء ظهرت بوادر وعلامات تفيد بأنّ لودريان لا يحمل في جعبته أدوات سحرية لتحريك الملف الرئاسي، وأن جل ما سيقوم به هو محاولة إقناع الأطراف بضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار الوطني.
صرح لودريان أثناء لقائه بنبيه بري بأنه يدعم مبادرة الأخير في الدعوة إلى الحوار، ولكن ما يغفله لودريان وبري معاً هو أنّ الدعوة التي أطلقها رئيس مجلس النواب، في نهاية أغسطس/آب، لم تحظ بأي تفاعل من قوى المعارضة التي رفضت الحوار جملة وتفصيلاً، وبناءً على هذه الحقائق تأتي توقعاتنا بأنّ لودريان جاء إلى لبنان محملاً بالآمال وليس محملاً بالحلول.
تقارب في الموقف الفرنسي السعودي
غير مرة، حاولت فرنسا والرئيس ماكرون إقناع المملكة العربية السعودية بلعب دور أكبر في ملف الرئاسة اللبنانية، إلا أن ذلك قوبل برفض سعودي وتأكيد من قبل السعوديين على أن معضلة الملف الرئاسي هي مشكلة لبنانية داخلية، وبأن السعودية تدعم الحل اللبناني الذي ينتج من الداخل. وبصراحة لم يتم حلحلة هذا الموقف إذ لم يحدث اللقاء المرتقب بين الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي في قمة العشرين في الهند، والذي كان من المقرر أن يشهد مساعي من الرئيس ماكرون لحث ولي العهد السعودي على لعب دور أكبر في الملف الرئاسي.
وبحسب الصحف اللبنانية، فقد جرت لقاءات في العاصمة الفرنسية، تناولت الاستحقاق الرئاسي اللبناني، حيث جمع اللقاء بين النائبين ملحم الرياشي ووائل أبو فاعور، مع المستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء السعودي نزار العلولا في باريس، كما توّجه إلى هناك النائب فؤاد مخزومي، حيث عقد سلسلة لقاءات والتقى العلولا أيضاً. وبحسب الصحف اللبنانية أيضاً فإن اللقاءات التي جرت أكدت وقوف الرياض إلى جانب لبنان، وفي الملف الرئاسي تحديداً وبهوية الرئيس وصفاته.
في الحقيقة قد يكون هناك تشابه جديد في المقاربة السعودية الفرنسية لحل هذا الملف، ولكن لا مؤشرات على تغيير في موقف القوى المعارضة المتمثلة (بالقوات اللبنانية والكتائب) التي أكدت أكثر من مرة على أنها لن تدخل في عملية حوار مع الفرقاء، وبأنها تصر على أن يخرج لودريان من لبنان خالي الوفاض؛ إذ إن دعوته للحوار ليست واقعية ولا تحقق تقدماً في هذا الملف، وهذا ما سيعيدنا بالطبع إلى المربع الأول لانعدام الحلول المطروحة.
وأما عن التقارب في المواقف الفرنسية والسعودية فقد دعا السفير السعودي البخاري النواب السنة إلى مكان إقامته؛ تكريماً لمفتي الجمهورية اللبنانية، وينتظر أن يعلن البخاري إلى جانب لودريان أن الموقف الفرنسي والسعودي مشترك ومتفق حول أن شخصية الرئيس القادم لا ينبغي أن تكون مستفزة لأحد، ويجب أن تكون جامعة لكل المكونات اللبنانية، ومن الممكن أن يؤكد الطرفان على الدعوة للحوار مرة أخرى.
الحلول في جعبة الدوحة
يتوقع أن يشغل المبعوث الفرنسي إلى لبنان "لودريان" منصب رئيس وكالة التنمية الفرنسية في السعودية، وهذا يعني أنه لا مبعوث فرنسياً جديداً إلى لبنان. ولأن فرنسا تنضوي تحت المبادرة الخماسية فيبدو أنّ الحلول قد تأتي من الدوحة التي أبدت اهتماماً خاصاً في الملف اللبناني.
إن الإطار العام الذي ستحمله المبادرة القطرية هو أنها تأتي بالتوافق مع اللجنة الخماسية، كما أنها ستحمل أسماءً معينة لطرحها على الفرقاء اللبنانيين في الزيارة القادمة للموفد القطري إلى لبنان في العشرين من سبتمبر/أيلول الحالي. وقد تكون هذه المبادرة مقدمة لطرح حلول أكثر واقعية، ولحل هذا الملف بشكل كامل، وذلك لأن قطر تستطيع تحقيق إجماع في اللجنة الخماسية المعنية بالملف اللبناني، وهي قادرة كذلك على ممارسة ضغوط وطرح ترغيبات للفرقاء اللبنانيين.
ختاماً، على الرغم من أن زيارة لودريان إلى لبنان لا تحمل في طياتها أي جديد مغاير للزيارات السابقة، وعلى الرغم من أن التأكيد على الحوار بوصفه مقدمة لحل ملف الرئاسة اللبنانية هي دعوة قديمة متجددة، إلا أننا لا نستطيع القول بأن المبادرة الفرنسية فشلت بشكل كامل، وذلك لأننا نرى فيها تحولاً من الوسيط الفرنسي إلى الوسيط القطري. كما يجب من ناحية أخرى أن ننظر إلى المبادرة القطرية بتفاؤل أكبر لقدرة الدوحة على التوسط فيما بين أعضاء اللجنة الخماسية من جهة وقدرتها على إقناع الفرقاء اللبنانيين بالتوافق على أسماء من الممكن أن تطرحها في المستقبل من جهة أخرى، وهذا ما يبعث على الأمل بأن أزمة الفراغ الرئاسي قد تشهد حلحلة جديدة في المدى المنظور.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.