على هامش قمة العشرين الأخيرة التي استضافتها الهند، أعلن ولي العهد السعودي عن مشروع "الممر الاقتصادي" لربط الهند والشرق الأوسط بأوروبا، في خطوة، إذا ما تمت، سيكون لها أثر على أنماط التجارة في المنطقة وأثر استراتيجي على العلاقات في الشرق الأوسط ومشروع "الحزام والطريق" الصيني.
كان عدد من وسائل الإعلام العربية والأمريكية تداول أنباء عن عقد مستشاري الأمن القومي من الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والإمارات والهند اجتماعاً في بداية شهر مايو/أيار الماضي؛ وذلك لمناقشة مشروع بنية تحتية تربط دول الخليج وبعض الدول العربية بشبكة سكك حديدية وشبكة من الموانئ مع الهند.
فيما ذكر موقع "أكسيوس" الأمريكي أن فكرة إنشاء السكة الحديدية كانت قد تبلورت خلال اجتماعات ما يُعرف باسم "مجموعة آي 2 يو 2 (I2U2)، والتي تأسست كمجموعة عمل في العام 2021 في واشنطن بهدف مناقشة مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، وتضم كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية والهند والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. وعلى الرغم من أن إسرائيل لا تمثل أحد أضلاع المفاوضات الحالية، فإنها قد تكون جزءاً من المشاريع المستقبلية في حال تم التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهو ما لا يبدو محتملاً في المدى القريب.
المشروع يأتي بدعم ورؤية أمريكية في سياق التنافس الدولي بين واشنطن وبكين، ويمثل أهم خطوة في إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" لمواجهة النفوذ المتزايد للصين في المنطقة ومشروعها "الطريق والحزام". وقد لقي المشروع ترحيباً كبيراً من قبل الرئيس الأمريكي والاتحاد الأوروبي.
إذ تأتي هذه الفكرة متسقة مع سياسة أمريكية تجاه الشرق الأوسط، تقوم على ركيزتين متكاملتين؛ الركيزة الأولى تتمثل بمحدودية الانخراط الأمريكي في المشهد السياسي في المنطقة والتفرغ للتركيز على احتواء الصين، وحالياً على الحرب الأوكرانية-الروسية. أما الركيزة الثانية فهي تقوم على دعم التعاون البيني بين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وهو ما أشار إليه "جاك سوليڤان"، مستشار الأمن القومي الأمريكي، في تصريحاته التي قال فيها: "هدفنا هو شرق أوسط أكثر تكاملاً وترابطاً يمكّن حلفاءنا وشركاءنا، ويدفع السلام والازدهار الإقليميين، ويقلل من متطلبات الموارد على الولايات المتحدة في هذه المنطقة على المدى الطويل دون التضحية بمصالحنا الأساسية أو مشاركتنا في المنطقة".
هاتان الركيزتان اللتان تقوم عليهما السياسة الأمريكية تتقاطعان في الشرق الأوسط لمواجهة "الحزام والطريق" والتي تمثل مبادرة صينية تمثل إحياء لطريق الحرير التاريخي، وتهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية من وسط آسيا وحتى أوروبا، ليكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، بما يشمل بناء مرافئ وطرق وسكك حديدية ومناطق صناعية ومشاريع للطاقة.
كما أن العمل على دعم التعاون البيني والدفع باتجاه اندماج أكبر في المنطقة يترافق أيضاً مع هدف أمريكي في المنطقة يتمثل في تطبيع علاقات إسرائيل وتعزيز أمنها؛ إذ ترى الولايات المتحدة وإسرائيل أن هذا المشروع قد يساهم في دفع التطبيع المحتمل بين الرياض وتل أبيب؛ لذا جاء ترحيب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بالصفقة، والذي ادعى بأن إسرائيل "ستكون مفرقاً رئيسياً في هذا الممر الاقتصادي".
تطبيق المشروع، في حال تم، سوف يفتح الباب لإعادة تشكيل أنماط التبادل التجاري في المنطقة وعبرها. كما أنه يمثل خطوة مهمة للهند على طريق تثبيت دورها الإقليمي والدولي، ويضعها في سياق منافس للصين ومشروعها في إحياء طريق الحرير. المشروع سيلقي بظلاله أيضاً على مكامن التنمية الاقتصادية في المنطقة، ويدفع بالأجندة الاقتصادية أمام الأجندة السياسية؛ ما يمثل انعكاساً لرؤية الاندماج الاقتصادي الأمريكي والسلام الاقتصادي الإسرائيلي.
المشروع سيكون منافساً لـ "ميناء غوادر" الباكستاني الذي تستثمر فيه الصين في إطار مشروعها "الحزام والطريق"، فيما لا يزال أثره غير واضح على "ميناء تشابهار" في إيران، والذي تعمل الهند على تطويره منذ توقيع اتفاقية بين الهند وأفغانستان وإيران في 2016. أما بالنسبة لتركيا، والتي اتخذت خطوات على طريق تعزيز مشروع "الحزام والطريق" والذي يمر عبر تركيا نحو أوروبا، فإن هذا المشروع لربط دول الخليج بالهند ومنها إلى أوروبا قد يمثل تحدياً محتملاً؛ إذ إن اكتمال هذا المشروع قد يعزز من الاندماج الاقتصادي بين دول المنطقة وجنوب آسيا، مشكلاً خطاً موازياً لمشروع الحزام والطريق الذي تمثل تركيا جزءاً منه. كما أن ما يجعل الأمور أكثر تعقيداً بالنسبة لتركيا هو احتمالية أن تكون اليونان -غريمة تركيا التاريخية- أولى محطات هذا المشروع في جانبه الأوروبي.
ما زال من المبكر الحكم على مدى إمكانية تطبيق هذا المشروع الطموح؛ إذ تختلط الدوافع الاقتصادية لدى صناع القرار بأهداف السياسة العامة ودبلوماسية العلاقات. فضلاً عن أن المنطقة العربية تتمتع بتاريخ غير مشجع فيما يتعلق بالاندماج الاقتصادي بدءاً من مبادرات الجامعة العربية، مروراً بأفكار السوق الخليجية المشتركة التي لم تر النور بعد. كما أن جزء المشروع المتعلق بربط الهند بالخليج العربي يبدو أكثر قابلية للتطبيق في مقابل الشق المتعلق بوصل المشروع بأوروبا والذي يتطلب مروراً من إسرائيل وما يلزم ذلك من تطبيع سعودي-إسرائيلي ما زال معلقاً برهن قرار القيادة السعودية لحد الآن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.