“مسيرات العودة”.. ما هي تأثيراتها على القضية الفلسطينية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/11 الساعة 09:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/11 الساعة 09:08 بتوقيت غرينتش
شبان محتجون قرب الحدود بين قطاع غزة واسرائيل يوم الجمعة . تصوير: محمد سالم - رويترز

يتساءل الكثيرون عن فائدة مسيرات العودة على حدود قطاع غزة، وقدرتها على تحقيق ما عجز عنه السلاح، وإلى أين ستقودنا.

بداية لا بد من التأكيد على أن تحرير فلسطين هو عمل تراكمي، فلا يوجد خيار حاسم نستطيع اتباعه ينهي الاحتلال ويستعيد لنا حقوقنا المسلوبة، فمسيرات العودة والمقاومة الشعبية ليست بديلاً عن المقاومة المسلحة، والمقاومة المسلحة وحدها لا تكفي لمواجهة الاحتلال.

وهنا نذكر بتجربة مبعدي مرج الزهور، عام 1992م، عندما رفضوا قرار إبعادهم، وأقاموا مخيم العودة على الحدود اللبنانية الفلسطينية، ونظموا مسيرات عودة، وأطلق جنود الاحتلال النار عليهم. وفي النهاية أجبروا الاحتلال على السماح لهم بالعودة لفلسطين، وكسروا عملياً سياسة الإبعاد التي كان الاحتلال يمارسها بشكل شبه اعتيادي قبل تجربة مرج الزهور.

مسيرات العودة
فلسطينيون يخرجون في مسيرات قرب السياج الفاصل في قطاع غزة/ رويترز

يمكن القول بأن مسيرات العودة الكبرى هي مشروع شبيه مبدئياً باعتصام مبعدي مرج الزهور، لكن على نطاق أوسع، وكان يجب القيام بها قبل 70 عاماً بعيد النكبة، فربما وقتها كانت الأمور ستكون أسهل بكثير، لكن أن تبدأ متأخراً خير من ألا تبدأ. وعند الكلام عن الفوائد التي تحققها مسيرات العودة فيمكن تلخيصها بالآتي:

أولاً: تصحيح البوصلة الداخلية فلسطينياً، وتجنب متاهات الانقسام الفلسطيني لصب التركيز الأساسي مع الاحتلال الصهيوني، حيث إن حق العودة لم يعد أحد يفكر به بشكل حقيقي منذ سنوات طويلة جداً. لذا قبل الطلب من العالم مساعدتنا من أجل عودة اللاجئين لا بد من أن نقنع أنفسنا بأهمية هذه الخطوة.

ثانياً: وضع العقل المقاوم الفلسطيني في حالة نشطة وفعالة، فأكثر الناس يسألون ما الذي يمكن عمله من أجل العودة، عندما تطرح مشروعاً واعتصامات وفعاليات وتبدأ بتحريك الجماهير، سيبدأ الناس بالتفكير وابتكار الوسائل المقاومة بكافة أشكالها السلمية وغير السلمية، بذلك لن تصير فكرة العودة لفلسطين أمراً خيالياً وغير ممكن.

ثالثاً: بدأنا نلمس التعاطف العالمي مع قضية اللاجئين، وأعدنا طرح أمور غابت منذ سنوات عن الرأي العام العالمي، وأعدنا تذكير العالم بالمظلومية التي يتعرض لها ملايين اللاجئين الذين طردوا من أرضهم. لأنه بفضل أوسلو والمفاوضات تم تقزيم القضية الفلسطينية إلى دولة وعلم وإطلاق سراح الأسرى، لكن لا تزال قضية اللاجئين التي غيبتها أوسلو والمفاوضات في وضع مأساوي. طبعاً هنالك داعمون متعصبون للكيان الصهيوني، لكن هنالك قطاعات واسعة في العالم سمعنا لها مواقف جيدة، ونحن ما زلنا نتكلم عن مرحلة البداية في مسيرات العودة.

رابعاً: قد يقول قائل إن التعاطف الدولي لا فائدة ولا أهمية له، وإننا لم نستفد منه طوال السنوات السابقة، وهنا يجب التأكيد على أمرين: مهما تعاطف معك العالم فلن يكونوا "ملكيين أكثر من الملك"، أي إنهم قد يساعدونك لكن لن يحاربوا الاحتلال نيابة عنك. والأمر الآخر هو أننا لم نستفد سابقاً من التعاطف الدولي لأن القيادة الفلسطينية لم تحسن الاستفادة، وبدلاً من تعزيز موقف أصدقاء الشعب الفلسطيني في الغرب، كانت تقدم التنازلات للاحتلال.

في المحصلة هنالك فرق كبير بين أن يقف كل العالم ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته، وبين تحييد جزء كبير من هذا العالم، وهذا غير ممكن دون أن تعرّف هذا العالم بمظلوميتك. وهنا نقطة مهمة، فالعالم يتعاطف كلامياً مع المظلومين، لكن تعاطفه سيكون أقوى عندما يبادر هذا المظلوم لانتزاع حقه بيده.

خامساً: ما لدى المقاومة المسلحة في غزة لا يكفي لحسم أي حرب مع الاحتلال، هو يكفي لاستنزاف الاحتلال وردعه عن التفكير بإعادة احتلال غزة، أما أن تخوض حرباً جديدة من أجل رفع الحصار عن غزة أو إعادة اللاجئين، فما زالت الفجوة كبيرة، وغزة لا تحتمل حروباً جديدة. لهذا تأتي المقاومة الشعبية لتسد ثغرة مهمة، وهي استمرار استنزاف الاحتلال، وهي ضرورة مهمة، لأنه من دون استنزافه فسيفكر الاحتلال بخطوته التالية: تشديد الحصار أو التوسع الاستيطاني أو تهويد الأقصى.

في ظل عودة المقاومة المسلحة إلى الضفة الغربية والداخل المحتل عام 1948م، أصبحت مسيرات العودة أداة مناسبة من أجل فتح جبهات جديدة لمقاومة الاحتلال.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسين عز الدين
كاتب ومحلل سياسي
تحميل المزيد