انتشرت منذ عدة سنوات موجة مؤتمرات تجمع بين أفريقيا وعدة دول أخرى، بدءاً من مؤتمرات أمريكا-أفريقيا، ثم الصين-أفريقيا، ومن ثم الهند-أفريقيا، وأخيراً روسيا-أفريقيا. ويمكن فهم هذا الاهتمام بأفريقيا كونها قارة شابة مليئة بمختلف الموارد، فإذا نظرنا إلى نصيب القارة الأفريقية من عدد سكان العالم، سنجد أنه يزداد باستمرار، وربما بوتيرة تبدو مخيفة للبعض.
تجذب أفريقيا العديد من العشاق إليها أو إن صح التعبير الطامعين، إذ يتم استغلال الثروات المعدنية والمنتجات الزراعية في القارة بكثافة منذ مئات السنين. بدءاً من استخراج الذهب وصولاً إلى تعدين الكوبالت واليورانيوم، بالإضافة إلى إنتاج النحاس. كما تمتلك القارة إمكانيات زراعية غنية، بما في ذلك إنتاج البن، والموز، والكاكاو، والقطن.
يشهد العالم تطوراً كبيراً، مما يؤثر على العلاقة بين القارة الأفريقية واللاعبين الدوليين وعلاقتهم التجارية بها، إذ نرى نمطاً مختلفاً من العلاقات التجارية يختلف عن العصور الاستعمارية السابقة. حيث أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا حالياً، حيث بلغ حجم التجارة الأفرو صينية إلى حوالي 282 مليار دولار سنوياً في عام 2022. فتربعت الصين وأصبحت الشريك التجاري الأول منذ أن تجاوزت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2009. حيث وصل سقف التجارة بين الولايات المتحدة وأفريقيا لحوالي 60 مليار دولار سنوياً فقط، وتشير المؤشرات إلى تراجع مستقبلي في هذا القطاع.
بينما يشهد حجم التجارة بين إفريقيا والدول الاستعمارية القديمة مثل بريطانيا وفرنسا انخفاضاً كبيراً؛ حيث قدمت الصين تمويلات طويلة الأجل ونفذت مشاريع بكفاءة عالية. وقامت بإغراق السوق بسلع متنوعة وبتكلفة أقل بعكس السلع الأوروبية، فنما التبادل التجاري الصيني مع القارة ليبلغ 7 أو 8 أضعافه مع أوروبا.
شركاء أم مستعمرون جدد؟
ما يدعو للقلق من زيادة النفوذ الصيني في أفريقيا هو اختلاف سلوكها عن الاتحاد السوفيتي السابق (روسيا حاليأ)، وخصوصاً في تعاملاتها المصرفية مع العالم كله وخاصةً أفريقيا. فرغم استثمارات الصين الكبيرة داخل القارة في البنى التحتية المتصلة مباشرة بحاجات الأفارقة الأساسية، بجانب الاستثمارات والمساعدات المالية، فالصين كمقرض أو مستثمر شديد الحرص وعنيف في ردود الأفعال، ويجب الإشارة إلى أن الحكومة الصينية صارت أكبر دائن حكومي في العالم للدول النامية، لذلك، تتنامى مخاوف من إجبار بكين لبعض الدول المدينة، في مرحلة ما، على التخلي عن بعض أصولها للشركات الدائنة.
مثل ما فعلت في ميناء "هامبانتوتا" جنوبي سريلانكا، أو عندما مكنت المصارف أو الشركات الصينية من إعادة الاستحواذ على مشاريع كموانئ زامبيا أو سكك حديد كينيا، و كذلك مصير مماثل للأصول الباكستانية.
أما إذا ألقينا نظرة على مجموعة "البريكس" سنجد الصين تنفرد بالحصة الأكبر من النفوذ التجاري والمالي، إذ تمثل بكين (حتى بعد توسيع المجموعة) 60٪ من الناتج المحلي للمجموعة.
يظهر للجميع سعي الصين بشكل واضح للهيمنة الاقتصادية على السوق العالمية للمنتجات المصنعة، حيث تستطيع الصين بشراكتها وشركاتها العملاقة اليوم الحصول على النفط والغاز بالكميات الكبيرة التي تحتاجها لنموها الاقتصادي دون مغامرات، مثل نفط جنوب السودان و أنغولا أو الغابون أو حتى نيجيريا وبالتأكيد بأسعار وتكلفة أقل.
إن الصين تريد تأمين مساحة لمنتجاتها وتأمين وارداتها، فيبدو أن القادة الصينيين قد أدركوا أن علاقتهم الاقتصادية بالغرب والولايات المتحدة قد بلغت سقفاً لن تتعداه، ففي خطاب ألقاه مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، في أبريل/نيسان الماضي عن السياسة الاقتصادية، أوضح أن الولايات المتحدة تسعى إلى "تحجيم المخاطر، وليس القطع التام"، مما أدى لتأثر بين الاثنين، فبنظرة أعمق يمكن ملاحظة الانخفاض الكبير في الصادرات الأمريكية من أشباه الموصلات ومعدات تصنيع أشباه الموصلات للصين، حتى قبل أن تدخل قيود التصدير الأمريكية الجديدة على أشباه الموصلات حيز التنفيذ.
أما بالنظر لجوار الصين الجغرافي فنراه يمثل منافساً شديداً، وربما يتخذ مواقف عدائية حتى من قبل دول مثل الهند والفلبين وفيتنام وإندونيسيا. بينما العلاقات السياسية والاقتصادية مع الجارتين كوريا الجنوبية واليابان، وأستراليا تشهد كلها تباطؤاً وعدم تجاوز للسقف.
لذلك، نرى الصين تحفز اقتصاد أفريقيا وزيادة قدرة القارة على تمويل وارداتها منها، دون أن تستهلك الصين احتياطياتها النقدية الهائلة من الدولار في تمويل موجة شراء أفريقية لمنتجاتها، حيث ستكون أكثر حرصاً على ألا تكرر أخطاءها في الدول السالفة الذكر (سريلانكا وزامبيا وكينيا وباكستان).
فهل ستنجح الصين في مواصلة مشوار هيمنتها الاقتصادية عن طريق أفريقيا، أم سيحدث للصين كما حدث لليابان التي كانت مصدر تهديد شديد للهيمنة الاقتصادية الأمريكية في الثمانينيات، فدفعتها الولايات المتحدة بسبل شتى إلى التجمد في مكانها لعقد كامل، سمي بالعشرية الضائعة. فلم تستطع اليابان تجاوز العشرية الضائعة وراكمت ديناً عاماً هو الأكبر وسط الدول الصناعية الكبرى بعدما كانت قيد قوسين أو أدنى من اللحاق بالولايات المتحدة وتهديد عرشها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.