في مقاله الذي نُشر عام 1994 بعنوان "الفوضى القادمة"، طرح الخبير في الدراسات الجيوسياسية، روبرت ديفيد كابلان، مفهوم الدول الفاشلة أو الهشة. وأشار إلى أن هذه الدول تتميز بعدة عوامل، منها انهيار الحكومات المركزية، وصعود المجالات القبلية والإقليمية، وانتشار الأمراض دون رادع، والانتشار المتزايد للحروب.
هذا المفهوم أثار اهتمام العديد من المراكز البحثية والجهات الحكومية الغربية، التي قامت بتحليله ووضع مؤشرات ومعايير استقصائية لقياس قابلية الدول للانهيار وتدهور الأنظمة الداخلية. تم استخدام هذه المؤشرات لوضع معايير ومؤشرات استقصائية تساعد في تقدير مدى تصدع الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول، والتي يمكن التعامل معها وفقاً للسياسات الغربية.
كمثال على ذلك، قام صندوق السلام "The Fund for Peace"، بالتعاون مع مجلة فورين بوليسي FOREIGN POLICY الأمريكية، بإصدار تقرير في عام 2005، يتضمن مؤشراً للدول الفاشلة (الهشة). واعتمد هذا التقرير على 12 مؤشراً لقياس درجة التهديدات الأمنية والسياسية والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والخارجية التي تواجه تلك الدول. تُظهر هذه المؤشرات بشكل عامٍ قدرة الدول على حفظ الأمن والاستقرار السياسي، ومدى رضا الشعب عن خدمات النظام الحاكم ورعاية مصالحهم، إضافة إلى تحليل مدى قدرة الدول على التفاعل مع المجتمع الدولي والامتثال لالتزاماته، وبالتالي تحدد الدول الفاشلة وفقاً لفشلها في أداء واجباتها الأساسية.
الدولة الفاشلة هي تلك التي تفتقد أحد أركان استقرارها، وتفقد معايير توازنها. فسلطة القوة التي تتمتع بها أي دولة تلعب دوراً حيوياً في تشكيل النظام وفرض القانون لتحقيق الاستقرار. ومن الضروري أيضاً أن تمتلك الدولة مقدرات اقتصادية كافية لتحقيق مسؤولياتها تجاه شعبها. فهذا العنصر الأساسي يساهم بشكل كبير في قبول سلطة الدولة والأيديولوجيا التي تشكل قناعات الرأي العام وتدعم خيارات الحكم، وهو عامل بالغ الأهمية في تبرير واستمرارية السلطة. جميع هذه العوامل تُعتبر أركاناً بالغة الأهمية لاستدامة واستقرار الدول، وفي حالة غياب أحدها أو جميعها، قد نجد أنفسنا أمام دولة فاشلة وفقاً للمعنى المذكور سابقاً.
من جهة أخرى، يمكن ملاحظة أن الحرب الروسية في أوكرانيا، التي بدأت في 24 فبراير/شباط 2022، أثرت بشكل كبير على الأمن الغذائي وأسواق الطاقة والسلع الأولية. وقد وضعت مزيداً من الضغوط والتحديات على الدول التي كانت تعتبر هشة وفاشلة وفقاً للمؤشرات العالمية، مثل اليمن والصومال ودول منطقة الساحل الأفريقي. ومن هنا يمكن استنتاج أن امتداد مدة الصراع يتسبب في توسيع دائرة الدول الفاشلة.
من الضروري أن نتساءل: من سيستفيد من زيادة عدد الدول الفاشلة؟ فالولايات المتحدة الأمريكية رغم مشاركتها في تصاعد التوترات بأوكرانيا، إلا أن زيادة عدد الدول الفاشلة لا يصب في مصلحتها.
ويمكن الاستدلال بذلك، بالإشارة إلى تفاعل واشنطن مع انقلاب النيجر، حيث أعطت أولوية للحلول الدبلوماسية على التدخل العسكري. وهذا يشير إلى أن التداعيات الناتجة عن انهيار الدول لا تصب في مصلحة واشنطن ونفوذها، وهذا ما يمكن أن نستشفه في مذكرات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس، التي ربطت بين الدول الفاشلة والأمن الأمريكي، إذ تقول: "بعد 11 سبتمبر/أيلول، تبين لنا أن الدول الضعيفة والفاشلة تشكل تهديداً أمنياً خطيراً على الولايات المتحدة. فهي لا تستطيع السيطرة على حدودها، وقد تصبح الملاذ الآمن للإرهابيين. لذلك فإن إعادة بنائها تشكل مهمة ضخمة وهامة في آن"، وهو تصريح ربما يعبر عن رؤى واستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية منذ أكثر من عقد. بالمقابل، تُظهر روسيا استعداداً للتعامل بطرق مختلفة مع تلك الدول الفاشلة، وذلك من خلال تنفيذ سياسات تخدم مصالحها الاستراتيجية. بالتالي، يمكن لروسيا أن تستفيد من تدهور الأوضاع في هذه الدول وتسعى إلى بناء نظام دولي جديد يتوافق مع مصالحها.
ومع ذلك، يجب أن ندرك أن العلاقات الدولية معقدة ومعتمدة على العديد من العوامل. إذا زاد عدد الدول الفاشلة، فإن ذلك قد يزيد من التوترات والتحديات على الساحة الدولية، مما يجعل الجميع يدفع الثمن في النهاية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.