علمانية أم تمييز ديني؟ ما وراء الجدل الدائر حول منع العباءات في المدارس الفرنسية

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/09 الساعة 07:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/09 الساعة 07:50 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية/ shutterstock

مع بدء العام الدراسي الجديد في فرنسا، تواجه الفتيات المسلمات معضلة: ارتداء أو عدم ارتداء العباءة، وهو رداء فضفاض كامل الطول يغطي أجسادهن وشعورهن. وأعلنت الحكومة الفرنسية حظراً على العباءات في المدارس الحكومية، بحجة أنها تنتهك القوانين العلمانية التي تحظر عرض العلامات الدينية في التعليم العام. وأثار الحظر، الذي دخل حيز التنفيذ اعتباراً من 4 سبتمبر/أيلول، انتقادات من النساء المسلمات وجماعات حقوق الإنسان، التي تعتبره شكلاً من أشكال التمييز واعتداء على حريتهن في التعبير.

العباءة ليست لباساً إلزامياً للنساء المسلمات، لكن البعض يخترن ارتداءها كدليل على التواضع والإخلاص لعقيدتهن، كما يرتديها البعض كوسيلة للتعبير عن هويتهن وثقافتهن، خاصةً في بلد غالباً ما يواجهن فيه العنصرية والإسلاموفوبيا.

العباءة والحجاب نوعان مختلفان من الملابس التي ترتديها النساء المسلمات. العباءة عبارة عن رداء فضفاض كامل الطول يغطي الجسم والشعر، في حين أن الحجاب هو غطاء للرأس يغطي الشعر، ولكن ليس الوجه. وتم حظر الحجاب في المدارس الحكومية الفرنسية منذ عام 2004 كجزء من القوانين العلمانية في البلاد التي تحظر عرض العلامات الدينية في التعليم العام، بينما لم يتم حظر العباءة في المدارس الحكومية الفرنسية حتى وقت قريب. ومع ذلك بعض السلطات المدرسية سبق أن ثبطت أو منعت الطالبات من ارتداء العباءة قبل الحظر الرسمي، حيث اعتبرتها علامة دينية تخالف القواعد العلمانية.

وقال وزير التعليم، غابرييل عتال، إنه قرر حظر العباءة لأنها "لفتة دينية، تهدف إلى اختبار مقاومة الجمهورية تجاه الحرم العلماني الذي يجب أن تشكله المدرسة". وقال إنه لا ينبغي للطلاب أن يكونوا قادرين على التعرف على دين بعضهم البعض من خلال النظر إليهم، وإن العلمانية تعني "حرية تحرير الذات من خلال المدرسة". وقال أيضاً إنه سيعطي قواعد واضحة على المستوى الوطني لرؤساء المدارس قبل بدء العام الدراسي.

ومع ذلك، فإن الفتيات المسلمات اللواتي يرتدين العباءة لا يوافقن على منطقه. وتقول هؤلاء إنهن لا يحاولن تحدي الجمهورية أو فرض دينهن على الآخرين، ولكنهن ببساطة يعبرن عن اختيارهن الشخصي وقناعتهن، كما يقولن إنهن لا يشعرن بالقمع أو الغربة بسبب ارتداء العباءة، بل يشعرن بالتمكين والاحترام. وتجادل هؤلاء بأن حظر العباءة لن يعزز الاندماج أو المساواة ، بل وصمهن واستبعادهن من المجتمع المدرسي.

وقد قرر عدد كبير من هؤلاء الفتيات تحدي الحظر والاستمرار في ارتداء العباءة، حتى لو كان ذلك يعني مواجهة العقوبات أو الطرد. وتقول هؤلاء إنهن مستعدات للنضال من أجل حقوقهن وكرامتهن، وإنهن لن يتنازلن عن معتقداتهن من أجل الامتثال. ويأمل هؤلاء أن يؤدي احتجاجهن إلى رفع الوعي وإثارة حوار حول التنوع والتعددية في المجتمع الفرنسي.

ويعد حظر العباءات جزءاً من حملة أوسع نطاقاً ضد الرموز والممارسات الإسلامية في فرنسا، والتي تكثفت منذ سلسلة الهجمات الإرهابية في السنوات الأخيرة. في عام 2010 حظرت فرنسا ارتداء النقاب في الأماكن العامة، ما أثار الغضب بين المسلمين. وفي عام 2020، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون عن مشروع قانون مثير للجدل لمكافحة "الانفصالية" و"الإسلام المتطرف"، والذي تضمن إجراءات لتنظيم المساجد والجمعيات والمدارس. وقد انتقد الزعماء والناشطون المسلمون مشروع القانون باعتباره انتهاكاً للحرية الدينية والحريات المدنية.

كما أدى الجدل حول الرموز والممارسات الإسلامية إلى انقسام الرأي العام والأحزاب السياسية في فرنسا. وفي حين يؤيد البعض موقف الحكومة كوسيلة للدفاع عن العلمانية والوحدة الوطنية، يعارضه آخرون باعتباره وسيلة لوصم المسلمين وتهميشهم. ومن المرجح أن تظل القضية مثيرة للجدل ومستقطبة في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية العام المقبل، حيث من المتوقع أن يواجه ماكرون تحدياً قوياً من زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان.

فيما يتعلق بخطوات ماكرون، فهي تستند إلى نظرة مشوهة وسلبية للإسلام، والتي تعادل الإرهاب والتطرف والانفصالية. هذا الرأي يتجاهل تنوع الإسلام والمساهمات الإيجابية للمسلمين في المجتمع الفرنسي.

وتتأثر خطواته بالأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية، التي تستخدم الإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب كوسيلة لكسب الأصوات والسلطة. هذه الأحزاب تستغل خوف وغضب الشعب الفرنسي بعد الهجمات الإرهابية، وتجعل المسلمين كبش فداء للوضع برمته.

علاوة على ذلك، فإن خطواته غير متسقة ومنافقة، حيث يدّعون الدفاع عن العلمانية والمساواة، لكنهم في الواقع يفرضون ثقافة وأيديولوجية مهيمنة على الأقليات. كما يخلق هؤلاء معايير مزدوجة، حيث يسمحون ببعض العلامات والممارسات الدينية في الأماكن العامة، مثل زينة عيد الميلاد أو طعام الكوشر، ولكن ليس غيرها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ألطاف موتي
باحث اقتصادي باكستاني
عضو اللجنة الدائمة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، واتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية كراتشي، باكستان. باحث سياسي واقتصادي، ومستشار الهيئات التجارية الحكومية وغير الحكومية، ورئيس شبكة التعليم في باكستان.
تحميل المزيد