مع قرب الانتخابات المحلية في العراق.. هل نشهد تحولاً في العلاقات التركمانية الكردية؟

تم النشر: 2023/09/09 الساعة 08:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/09 الساعة 08:05 بتوقيت غرينتش
صورة أرشيفية لتركمان يتظاهرون في مدينة كركوك العراقية/ shutterstock

تركمان العراق هم ثالث أكبر قومية في العراق بعد العرب والأكراد، ويقدر تعداد سكان التركمان في العراق قرابة ثلاثة ملايين نسمة، يتوزع التركمان على أربع محافظات بشكل رئيس، وهي: كركوك، نينوى، صلاح الدين، وديالي، إلى جانب أعداد ليست بقليلة من التركمان في أربيل وبغداد. تعتبر الجغرافيا التي يقطن فيها التركمان منطقة فاصلة بين المناطق الواقعة تحت سيطرة وإدارة الحكومة المركزية ومناطق إقليم كردستان، وهذا ما يسمح لهم بالاتصال المباشر مع الأكراد، فضلاً عن أن أغلب المدن التي يتواجد فيها التركمان بنسب سكانية كبيرة تعتبر مدناً مختلطة قومياً، من الكرد والعرب والتركمان. 

طبيعة العلاقات التركمانية-الكردية الحالية

طوال تاريخ العراق الحديث، كان هناك نوع من التوتر في العلاقات بين التركمان والأكراد؛ بسبب الأهداف القومية المختلفة لكل مكون. العلاقات التركمانية والكردية عادة ما تكون قائمة على تنافس سياسي في المناطق المختلطة قومياً، وفي أكثر من مناسبة تطور هذا التنافس إلى صراع مسلح، تحديدا في مدينة طوزخورماتو، وفي محافظة كركوك. ففي يوليو/تموز 2008 قام متظاهرون أكراد بحرق مبنى رئاسة الجبهة التركمانية العراقية في كركوك. وعلى أثر الأحداث التي رافقت استفتاء انفصال إقليم كردستان في 25 سبتمبر/أيلول 2017، ومن ثم استعادة الحكومة المركزية سيطرتها على محافظة كركوك وانتزاعها من سيطرة إقليم كردستان، حدث في أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته اشتباك مسلح بين قوات البيشمركة الكردية والفصائل التركمانية التابعة لقوات الحشد الشعبي.  

 العلاقات التركمانية الكردية
أكراد العراق/shutterstock

بعد 2017 طغت على العلاقات التركمانية الكردية حالة من الهدوء، وفي مناسبات عديدة كانت الخطابات السياسية للتركمان والكرد تتفق حول بعض القضايا، خاصة فيما يتعلق بادعاءات وجود حملات "تعريب" في كركوك، والمطالبة بحقوق أصحاب الأراضي الزراعية في كركوك التي انتزعت منهم ومنحت للعرب في زمن النظام السابق.

مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات في ديسمبر/كانون الثاني 2023، بدأ التنافس السياسي بين الكرد والتركمان يظهر على السطح من جديد؛ حيث فتح النائب التركماني "مهدي تقي إسماعيل" مكتباً له في حي كردي في مدينة طوزخورماتو، في 11 أغسطس/آب الماضي، مما أثار حفيظة القوى الكردية في المدينة، تطور هذا الحدث إلى اندلاع اشتباك مسلح بين أنصار النائب مهدي تقي وحماية النائب عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني "ملا كريم شكور"، وأُصيب في ذلك الاشتباك أحد أنصار مهدي تقي. تم احتواء الأزمة فيما بعد وتسليم المسؤولين عن الحادث إلى الحكومة المحلية. 

من جانب آخر، في الفترة الأخيرة ازدادت وتيرة التواصل بين الأحزاب السياسية الكردية والتركمانية؛ حيث زار القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني ونائب رئيس مجلس النواب العراقي "شاخوان عبدالله" مقرات الأحزاب التركمانية في كركوك، والتقى مع رئيس حزب تركمان ايلي "رياض صاري كهية"، وبعد ذلك التقى برئيس الجبهة التركمانية العراقية "حسن توران". وقبل هذه الزيارة التقى رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني "بافال طالباني" مع "حسن توران" رئيس الجبهة التركمانية العراقية بمقر الجبهة في بغداد. وهنالك حديث في الأوساط التركمانية عن إمكانية حدوث لقاء بين توران وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني "مسعود برزاني" في المستقبل القريب. يمكن لهذا اللقاء المرتقب بين حسن توران ومسعود برزاني، أن يكون بداية مرحلة جديدة من العلاقات التركمانية الكردية في العراق.

هل سنشهد تحولاً قريباً في العلاقات التركمانية الكردية؟

علاقة التركمان مع الكرد تختلف طبقاً للاختلاف السياسي الموجود داخل البيت الكردي والبيت التركماني؛ حيث ينقسم التركمان سياسياً الى: التركمان القوميين الذين تربطهم علاقات قوية مع تركيا (أغلبهم من التركمان السنة)؛ والتركمان الشيعة المتحالفين مع الأحزاب الشيعية القريبة من إيران التي تتحكم بالمشهد السياسي في بغداد؛ بالإضافة إلى التركمان المتحالفين مع الأحزاب الكردية التي تسيطر على المشهد السياسي في إقليم كردستان. أما الكرد فهم منقسمون بشكل رئيس بين الحزبين الكرديين الرئيسين الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني، ولذلك نجد أن علاقة تركمان بالكرد تختلف حسب هذه الانقسامات. التركمان القوميون يميلون إلى تطوير علاقتهم مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، في حين التركمان الشيعة يميلون إلى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.

هنالك مجموعة من المحفزات التي تدفع باتجاه تطور العلاقات التركمانية الكردية في كركوك، واحدة من هذه المحفزات هي العلاقات الجيدة التي تربط الحزب الديمقراطي الكردستاني بتركيا. يمكن لتركيا أن تلعب دوراً مهماً في تطوير هذه العلاقات، تحديداً علاقة أربيل مع الجبهة التركمانية العراقية، أهم وأكبر الأحزاب التركمانية في الساحة السياسية العراقية. بالإضافة إلى ذلك أن الانقسام الذي يشهده البيت الكردي في إقليم كردستان العراق، دفع الحزب الديمقراطي الكردستاني باتجاه تطوير علاقته مع الأحزاب التركمانية، بسبب عدم قدرة أي من الأحزاب السياسية سواء كانت تركمانية، أو كردية، أو عربية، في الحصول على أغلبية في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة في كركوك.

 كذلك فإن استبعاد إمكانية التوصل إلى اتفاق بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني لتأسيس تحالف سياسي قبل الانتخابات المحلية المقبلة، سوف يدفعهم إلى البحث عن تحالفات خارج البيت الكردي. هنا تبرز الجبهة التركمانية كأنسب الخيارات للحزب الديمقراطي الكردستاني للتفاهم معها. 

من المعروف أن هنالك نسبة كبيرة من التركمان في أربيل، وتربط تركمان أربيل علاقات قوية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث إن الجبهة التركمانية العراقية تمتلك حقيبة وزارية في حكومة إقليم كردستان، تم منحها لها من الحزب الديمقراطي الكردستاني، كمجاملة سياسية لتركيا. 

أما التركمان الشيعة الذين يتحركون ضمن القوى السياسية الشيعية القريبة من إيران، فهم أقرب لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بسبب العلاقة القوية التي بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وأحزاب الإطار التنسيقي الشيعي؛ ولذلك من الممكن جداً أن نشهد تحالفاً، أو اتفاقاً سياسياً، بين التركمان الشيعة وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، قبل الانتخابات المحلية المقبلة، أو بعدها. يملك التركمان حالياً 7 أعضاء في مجلس النواب العراقي، 3 من هؤلاء الأعضاء ينتمون لأحزاب الإطار التنسيقي الشيعي، 2 منهم من منظمة بدر، وبالتالي يمكن لمنظمة البدر "فرع الشمال" التي تقع ضمن مناطق الانتشار التركماني، أن تتحالف مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تربطه علاقات قوية مع تحالف الإطار التنسيقي الشيعي.

في مقابل هذه المحفزات هناك مجموعة من العوائق أمام تطور العلاقات التركمانية الكردية، حيث إن الجبهة التركمانية تعاني من خلافات داخلية يمكن أن تعيق حركتها باتجاه الكرد، فقد حدث مؤخراً خلاف بين رئيس الجبهة التركمانية العراقية حسن توران والرئيس السابق للجبهة والنائب التركماني في البرلمان العراقي أرشد الصالحي. أرشد الصالحي يمتلك نفوذاً قوياً داخل المجتمع التركماني في كركوك، أي تحرك من قبل حسن توران باتجاه التقارب مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، يمكن أن يفسر من قبل اتباع الصالحي على أنه تحالف ضد مصالح التركمان القومية في كركوك، خاصة إذا ما علمنا أن حسن توران معروف في الأوساط التركمانية بأنه يمثل الجناح المحافظ للجبهة التركمانية، هذا الجناح يهتم بالاعتبارات الإسلامية إلى جانب تمسكه بالثوابت القومية التركمانية، وبالتالي أي خطوة من حسن توران باتجاه الديمقراطي الكردستاني، يمكن تصويرها من خصومه على أنها تقارب مذهبي (سني)، أكثر من أنها اتفاق مصالح سياسية. 

المادة 140 من الدستور العراقي، التي تتعلق بآلية حل مشكلة المناطق المتعايش فيها بين الكرد والعرب والتركمان، وحسم عائدية إدارتها بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان، يمكن وصفها بأنها أكبر عائق أمام تحسين العلاقات الكردية-التركمانية، حيث إن هذه المادة تنص على إجراءات متكونة من ثلاث خطوات متعاقبة، أولاً التطبيع في تلك المناطق، ثم الإحصاء السكاني فيها، ثم الاستفتاء لتقرير مصير إدارتها. لكن الاختلاف في توجهات الأطراف السياسية التركمانية والكردية حول كيفية تطبيق المادة المذكورة يقلل من حظوظ تحقيق تقارب بين الطرفين.

كل من الكرد والتركمان يشكو من عملية "التعريب" التي تحصل في كركوك منذ تولي راكان الجبوري (من القومية العربية) منصب محافظ كركوك، بعد إخراج قوات البيشمركة من المحافظة في 2017. إلى جانب ذلك، التركمان والكرد يطالبون الحكومة المركزية باسترجاع الأراضي الزراعية التي استقطعت منهم في فترة النظام السابق وتعويض المتضررين من عمليات التعريب خلال تلك الفترة. 

ولكن من جانب آخر، فإن راكان الجبوري، محافظ كركوك، لديه علاقات قوية مع القيادات التركمانية، فضلاً عن علاقاته الجيدة مع تركيا أيضاً. في هذا السياق، فإن العلاقات الجيدة لبعض الأحزاب التركمانية والكردية والعربية مع تركيا، يمكن أن تكون عاملاً في إنشاء تحالف عابر للقومية في كركوك، في مواجهة تحالف (محتمل التشكيل) للأحزاب التركمانية والكردية والعربية التي تربطها علاقات قوية مع إيران.

الخلاصة

العلاقات التركمانية الكردية معقدة جداً؛ حيث إن التركمان دائماً ما كانوا يتبنون سياسة مناهضة للأحزاب الكردية في المناطق التركمانية، بسبب السياسات التوسعية التي كان ينتهجها الكرد من أجل ضم المناطق المتنازع عليها إلى إقليم كردستان العراق. حيث لا يزال الكرد يطالبون بتفعيل المادة 140 من الدستور العراقي، وفقاً لرؤيتهم وليس لرؤية الأطراف الأخرى المعنية بهذه القضية، وهذا هو أهم عائق أمام أي تقارب كردي-تركماني عامة، وأمام أي تقارب بين الجبهة التركمانية والحزب الديمقراطي الكردستاني خاصة. حيث لا يزال هناك غياب للثقة بين الطرفين، بسبب اختلاف الأهداف والثوابت القومية لكل منهما، في الوقت الذي يحاول فيه الكرد العودة إلى المناطق المتنازع عليها ويسميها بالمناطق الكردستانية، ويسعى إلى اللحاق هذه المناطق بإقليم كردستان العراق من خلال المادة 140 من الدستور، في مقابل ذلك يحاول التركمان إبقاء الوضع القائم الحالي على ما هو عليه؛ حيث يمتلك التركمان بشقيهم، القومي والشيعي، تشكيلات عسكرية ضمن هيئة الحشد الشعبي، ما يدفعهم إلى المحافظة على إبقاء مناطق المتنازعة عليها تابعة إلى الحكومة المركزية.

يمكن القول إن الزيارات المتبادلة المقبلة بين القيادات التركمانية والكردية قد تساهم في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وتفتح باباً للتعاون ومعالجة المشكلات التي تخص المناطق المتنازع عليها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أي تقارب تركماني كردي سوف يسهل عملية اختيار محافظ كركوك بشكل توافقي بعد انتخابات مجالس محافظات المقبلة. وختاماً يمكن القول أيضا إن هنالك رغبة شعبية لدى كل من المجتمع التركماني والكردي لرؤية هكذا تقارب سياسي بين الطرفين.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سلجوق باجالان
باحث متخصص في الدراسات التركمانية
باحث متخصص في الدراسات التركمانية في مركز أورسام
عادل زين العابدين
باحث في الدراسات التركمانية
باحث في الدراسات التركمانية في مركز أورسام.
تحميل المزيد