تعتبر كرة القدم لغة عالمية تتحدثها الجماهير حول العالم بمختلف جنسياتهم وثقافاتهم، وتثير مشاعر الحماسة والولاء تجاه الفرق والمنتخبات، وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها، يظل الشغف بمشاهدة المباريات ومتابعة الأخبار هو السائد بين الناس من مختلف الأعمار والخلفيات، ولكن هل سألنا أنفسنا من قبل: هل المكفوفون بصرياً يستطيعون متابعة كرة القدم؟ وكيف يمكن للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية الاستمتاع بمتابعة كرة القدم على الرغم من إعاقتهم البصرية؟ وكيف؟
قبل أيام وأنا أشاهد أحد البرامج الرياضية "مان تو مان" وضمن فقرة ضيف البرنامج، تم تقديم متابعين من دمشق من محبي كرة القدم وممن هم على اطلاع جيد على كرة القدم رغم أنهم مكفوفون بصرياً. حقيقة، لطالما أثار فضولي مع رؤية صور عديدة انتشرت وبشكل كبير لمكفوفين يتابعون كرة القدم من داخل المدرجات، أو حماستهم في منازلهم أثناء المباريات، وكان بعضهم يكون بجوارهم أحد الأصدقاء ليشرح لهم تفاصيل المباراة، وكنت أسأل نفسي: وهل يستطيع هؤلاء الأشخاص حقيقةً الاستمتاع بكرة القدم مثلنا؟ وكيف ذلك؟ وهل هنالك عدد كبير منهم أصلاً يتابع كرة القدم؟
وهنا بدأت بالبحث عن أعداد المكفوفين في العالم والتي تتجاوز حالياً نحو 39 مليون شخص، وعدد ضعاف البصر، أي الذين لديهم درجة الرؤية محدودة في إحدى العينين، 285 مليون شخص، و90% من المكفوفين وضعاف البصر يعيش معظمهم في البلدان النامية ذات الدخل المنخفض؛ الهند في المقدمة تليها أفريقيا ثم العالم العربي في المركز الثالث والصين، فيما يتجاوز عدد المكفوفين في الوطن العربي نحو 9 ملايين.
وفي هذه المقالة، سنكتشف كيف يتابع المكفوفون بصرياً كرة القدم في العالم العربي، وسنلقي نظرة على الأدوات والتكنولوجيا التي تمكنهم من متابعة المباريات وفهم أحداثها، إضافة إلى الجهود التي تقوم بها الجمعيات الخيرية والمنظمات لدعم هذه الفئة من المشجعين وتمكينهم من المشاركة بفعالية في مجتمع الرياضة.
وبالعودة إلى إحدى الحالات ممن يعانون من الإعاقة البصرية وخلال مشاركتهم في برنامج مان تو مان، ومع بدء الضيوف حديثهم من دمشق، وهما علي أسعد، طالب علوم سياسية وممثل سوريا بالألعاب الأولمبية والحاصل على العديد من الميداليات، وعلى الرغم من إعاقته البصرية فهو عاشق لكرة القدم ومتابع لها بشغف كبير منذ سنوات كثيرة، حاله كحال زميله عبد الوهاب خريج كلية الحقوق.
وعند سؤالهم: كيف يستطيعون متابعة كرة القدم وهم لديهم إعاقة بصرية، كان جوابهم: أن هنالك العديد من الطرق التي يلجؤون إليها لمتابعة المباريات، والركيزة الأساسية حالياً بالتأكيد هي معلق المباراة أي الصوت، ولكن في بادئ الأمر كان لا بد من توفر العديد من الأمور ليصبحوا قادرين على متابعة المباريات، أهمها مساعدة شخص يشاهد المباراة ليصف لهم مجرياتها وأحداثها، فيما الآن أصبح بإمكانهم وحدهم متابعة المباريات والوصول إلى نحو 70 % من الإلمام بشكل دقيق بمتابعة المباراة، وللوصول إلى هذه المرحلة كان لابد أيضاً من توافر أدوات عديدة أخرى لتسهل متابعتهم للمباريات بشكل عام.
أدوات وأساسيات للمكفوفين لمتابعة كرة القدم
من خلال متابعة العديد من المقابلات كحالات علي وعبد الوهاب، وبالاستعانة بالوثائقي الذي تم إنتاجه سنة 2021، من قبل قناة الجزيرة تحت اسم وثائقي اللاعب رقم 12، والذي يروي حياة ثلاثة أشخاص عاشقين ومتابعين لكرة القدم، ويأخذنا الفيلم في رحلة لمعايشة طرق تفاعلهم ومشاهدتهم لكرة القدم إن كان في الملعب أو داخل المنزل أو حتى في أحد الكافيهات، وصولاً إلى المشاكل التي يتعرضون لها وأمنياتهم تجاه المجتمع للحصول على أفضل طريقة لمتابعة كرة القدم.
ومما سبق يمكننا تلخيص أهم الأدوات والركائز التي يعتمد عليها المكفوفون لمشاهدة كرة القدم وهي:
1- الاستفادة من مساعدة أشخاص حاضرين لوصف دقيق للمباراة، وشرح أهم لحظات المباريات من أهداف وفرص وأخطاء، مما يساعد الكفيف على معرفة مجريات اللقاء ورسم صورة في عقله لتكون قريبة من الواقع.
2- الاطلاع المسبق على تكتيكات كرة القدم الجديدة ومعرفة خطط اللعب في المباريات، ومعرفة أساسيات اللعبة بشكل عام.
3- الاجتهاد الشخصي: وهنا نقصد معرفة اللاعبين داخل كل نادٍ على حدة، ومراكزهم وعن خطط الفريق في المباراة والتكتيكات الحديثة لكرة القدم؛ لرسم صورة واضحة وتسهيل المتابعة في أثناء المباراة.
4- وجود التعليق الوصفي السمعي لذوي الإعاقة، وهي الخدمة التي استخدمت مؤخراً في مونديال قطر 2022، وهو الأمر الذي شكل إضافة مهمة لذوي الإعاقة، مما يسهل عليهم متابعة المباريات والحصول على صورة أفضل لمعرفة تفاصيل اللقاء.
5- المعلق الرئيسي للمباراة، وهنا كان الاختلاف في تفضيل معلق دون آخر، وذلك بسبب السرد التفصيلي الذي يقوم به المعلقون أثناء المباراة، مما يسهم في مساعدة ذوي الإعاقة في تبسيط المتابعة لهم قدر الإمكان، وهو الحال عند أكثر من شخص ضرير، أشاد على سبيل المثال بالمعلق الجزائري حفيظ دراجي، وذلك بسبب الوصف الدقيق لأهم المجريات الحاصلة في المباراة، والأمر الذي جعل قناة بي إن سبورت توجه له الشكر في منشور نشر قبل ثلاث سنوات وبالتحديد في يورو 2020.
أو التحليل بين شوطي المباراة، أو بعد نهايتها وذلك ضمن الأستديو التحليلي المرافق للمباراة، حيث يتم شرح طريقة لعب الفريقين، من إيجابيات وسلبيات كل فريق على حدة، والحلول المقترحة، إضافة إلى الإضاءة على أهم أحداث المباريات.
6- متابعة البرامج الرياضية المنوعة، لشرح أهم الأحداث الكروية، ومجريات أهم المباريات، وإعطاء حصاد لسرد أهم الأحداث والأخبار، إضافة إلى المعلومات الخاصة بتلك الأندية والتحديثات المرافقة لها.
7- الاستفادة من أهم الابتكارات التقنية والتكنولوجية، التي تساعد ذوي الإعاقة في متابعة المباريات بشكل أسهل، مثل "خوذة الرؤية" التي مكنت العديد من أصحاب الإعاقة الجزئية من متابعة المباراة، كما حدث وعلى سبيل المثال مع أحد المشجعين لنادي ليفربول، وهو إيان وود صاحب الـ44 والذي وبمساعدة هذه الخوذة تمكن من متابعة المباريات بشكل دقيق جداً، وقد أطلق على الخوذة اسم RooVision على اسم المصمم روبرت "Roo Powell، وهو مهندس كهربائي يساعد الجمعية الخيرية في تطوير العديد من الأعمال والاختراعات، كما تم تمويل هذه المعدات من قبل Remap، وهي مؤسسة خيرية تقوم بتصميم المنتجات لمساعدة المعوقين على العيش بشكل أكثر استقلالية.
وعلى الرغم من أن كرة القدم تعتمد بشكل أساسي على المشاهدة لضمان التفاعل مع مجريات المباراة، والوصول إلى صورة واضحة لفهم أحداثها، وعلى الرغم من ذلك لم يكن هذا العائق مشكلة كبيرة للمكفوفين بصرياً تمنعهم من متابعة المباريات وفهم تفاصيلها، بل تعدى الأمر إلى محاولة بعضهم مثل علي أسعد وعبد الوهاب، إطلاق قناة للإضاءة قريباً والقيام بتحليل لمباريات كرة القدم كما أعلن عنها من خلال البرنامج، كما أنه وخلال سنوات عديدة شاهدنا العديد من المشجعين الذين كانوا حاضرين في المدرجات لمتابعة المباراة وكانوا يعتمدون على أصدقاء لهم يصفون لهم أحداث المباريات وعلى السماعات الخاصة لهم.
تحديات وتطلعات
لا بد من وجود العديد من الصعوبات لشريحة كبيرة من المجتمع ومن ذوي الإعاقة البصرية الكلية أو الجزئية، والتحديات التي تواجه المكفوفين بصرياً أثناء متابعتهم لكرة القدم العديدة ومن أهمها: نقص المعلومات المتاحة بلغة برايل، والتحديات التي ترتبط بالتفاعل مع الأصدقاء والزملاء المشجعين، وعدم توفير برامج رياضية خاصة لهم، وعدم وجود تعليق صوتي خاص لهم أثناء المباريات، وضعف توفير المعدات التقنية الحديثة التي تساعد على توفير بيئة مشاهدة مقبولة لهم، وتوفير معدات مساعدة لهم.
وعلى الرغم من كل تلك المعوقات والصعوبات، لم تمنع هذه الأمور المكفوفين بصرياً من الاستمتاع بكرة القدم ومتابعتها بشغف، وذلك من خلال الأدوات والتكنولوجيا المتاحة وبفضل الدعم المستمر من المجتمع والمنظمات، وهي بالتأكيد رسالة لأهمية الكرة وهذه اللعبة من جهة، وإلى أن تجربتهم تعكس قوة الإرادة والشغف الذي يمكن أن يتغلب على أي تحدٍّ وعائق مهما كان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.