التطبيع مع إسرائيل يمكن وصفه بأنه عملية "قبول بالاحتلال"، حيث يتم نسج علاقات مختلفة مع دولة الاحتلال، ما قد يمهد لتحويل مسار التحالف والتبعية المطلقة.
إن تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل أكبر مما يظهر على وسائل الإعلام وما يظهره من مصافحة هنا وقُبلة هناك، ولكي نفهم ما يمكن أن يوصل له التطبيع وتداعياته، يجب أن ننظر لدوافع لهث دولة الاحتلال الإسرئيلي لإجراء التطبيع.
تشعر إسرائيل بهشاشة وضعها وأنها جسم غريب في المنطقة، وهو ما يدفعها دائماً للسعي في جميع الطرق بكافة الوسائل لضمان وجودها للأبد، وهذا ما يمكن أن يوفره لها التطبيع، فمن خلال نسج علاقات اقتصادية وسياسية تحاول أن تجعل العرب والفلسطينيين معتمدين عليها حصراً ولا يستطيعون التخلي عنها.
لذا فالتطبيع مع إسرائيل هو أكبر من التطبيع بالمفهوم السياسي العام، فهو عملية كاملة تهدف إلى ضمان بقاء دولة الاحتلال، وتكبيل العرب والفلسطينيين باتفاقيات وعلاقات تديم الاحتلال وتضمن سيطرته على المنطقة.
لهذا لا نجد الاحتلال يكتفي بالمصافحات والابتسامات والتطبيع مع رؤوس الأنظمة العربية فحسب، بل يريد علاقات اقتصادية وأمنية وسياسية، يستطيع التغلغل من خلالها في شؤون الدول العربية الداخلية ومجتمعاتها.
لذلك يجب محاربة التطبيع بكل أشكاله، ليس فقط لأن مشاعرنا كشعوب عربية تجرح من رؤية الأيدي تمتد وتصافح المحتل، فهذه أصغر الآثام وأهونها، بل لأننا إن تهاونا بأمره كتبنا عمراً أطول لهذا الاحتلال وسمحنا له بالتمدد شرقاً وغرباً، فالحرب ليست فقط أعمالاً عسكرية بل مناورات سياسية واقتصادية.
إن إفشال محاولة الاحتلال التمدد في الدول العربية لا يقل أهمية عن الحروب التي خاضتها المقاومة المسلحة، لذلك يجب محاربة كافة أشكال العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي وليس فقط تلك التي تطفو على السطح، مثل المصافحات والابتسامات أمام الكاميرات، وبالأخص العلاقات الاقتصادية، وهنا تأتي حملات المقاطعة الاقتصادية ومحاربة كل من ينسج علاقات كهذه.
بالإضافة لذلك، يجب إبراز النماذج الشجاعة الرافضة للتطبيع من دول وجماعات وأفراد، وتهميش تلك الأصوات النشاز التي لا يعرفها أحد لولا خروجها وترويجها للتطبيع، إذ يخدم ذلك الاحتلال لأنه يرفع معنويات المطبعين ويحبط معنويات أنصار القضية الفلسطينية.
يجب أن نخلق جواً رافضاً للتطبيع من خلال إبراز المواقف الإيجابية والإشادة بها، حتى نوصل رسالة للجميع أن المتمسكين بالقضية هم الأقوى والأكثر سيطرة. هذا بجانب رفض التبرير لأية علاقات مع الاحتلال الاسرئيلي، وبالأخص ما يأتي منها تحت لافتة "الاضطرار" و"لقمة العيش"، وحتى لو كان هناك اضطرار فعلي فلا يجب أن يصبح الاستثناء قاعدة وأن نسوق له.
رغم القمع الذي تتعرض له الشعوب العربية، لا يجب أن نستهين بأصواتها، فالرأي العام العربي مازال يملك ما يمكن الضغط به على المطبعين، سواء من دول أم أفراد، فإشعارهم بأنهم منبوذون اجتماعياً وإعلامياً وسياسياً سيردعهم، وسيجعل الكثيرين يتراجعون ويسكتون عن التطبيع، لا يجب الاستماع لأصوات المثبطين والمحبطين لأنه أحياناً تكون الشعوب على مرمى حجر من النصر، إلا أن عدم إيمانها بقدراتها ربما يجعلها تتراجع وتستسلم.
إن التطبيع يهدف لترسيخ وجود الاحتلال، لذلك يجب أن نعمل من أجل العكس، وأن نحارب الاحتلال في كل مكان بكافة الوسائل، فكلما ضعف الاحتلال أصبح موقف المطبعين أكثر ضعفاً، وكلما ضعفنا تشجع ضعاف النفوس على القفز من السفينة والارتماء في حضن الاحتلال. يجب إعادة التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي، وأنها قضية عقيدة تمس كل ساعٍ للحق، وذلك لإفشال مسعى المطبعين لتقزيم القضية وجعلها مقتصرة على الفلسطينيين فقط.
في الختام نؤكد على ضرورة النظر للتطبيع على أنه عملية متكاملة تهدف لاختراق أمتنا والسيطرة عليها من أجل إدامة وجود الاحتلال، ومحاربة التطبيع يجب أن تصب في النهاية باتجاه إضعاف الاحتلال وتقويض أركانه، وأن نحسن محاربته.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.