يحكي جوزيب ماريا مينغيلا؛ الرجل الذي أتى بمارادونا وميسي إلى برشلونة، أن ليونيل ميسي حينما وصل إلى إسبانيا، كان يُحب الأرجنتينيين كثيراً، وكان قدوته بابلو أيمار، وكان يعشق أسلوب لعب مارادونا، لكنه كان يُحب رجلاً أرجنتينياً بسيطاً اسمه خوان رومان ريكيلمي.
في يوم من الأيام، دعاه مينغيلا للعشاء، في نفس الليلة كان محبوبه حاضراً؛ خوان رومان ريكيلمي، لكن ميسي صُدم من وجوده، وشعر بأن أحد أحلامه قد تحقق بالفعل.
في ذيل الطاولة، كان ميسي جالساً، متحاشياً كل من فيها خجلاً من أنه أصغرهم سناً وأقلهم شُهرة، وكان يصبّ تركيزه على ريكيلمي فحسب، إلى أن ذهب إليه ريكيلمي ومازحه، ولم يصدق ميسي أن الأمر بهذه البساطة!
بعد سنوات، وبعد أن أصبح ميسي بطل كأس العالم، قطر 2022 وكوبا أمريكا 2021، يُهديه احتفاله بهدفه في مرمى هولندا، وفي ليلة تالية يستضيف ملعب بوكا جونيورز ليلة تكريمية للأسطورة خوان رومان ريكيملي، ويقف ريكلمي، في وسط الملعب ليتحدث عن أنه لم يعد يعرف مَن الأفضل: ميسي أم مارادونا؟!
لماذا ريكيلمي تحديداً؟!
خوان رومان ريكيلمي، هو أحد أشهر سحرة الأرجنتين تاريخياً، رغم أنه لم يحصد من الألقاب ما قد يجعلك تُفضله على غيره، فإن مستواه بشكل عام وجودة موهبته تفي بالغرض وزيادة.
خوان رومان ريكيلمي كان لاعباً فذاً؛ من أولئك الذين كانت الأرجنتين تعقد عليهم آمالها دائماً، وكان خروج خوان رومان ريكيلمي من الدوري الأرجنتيني صوب الاحتراف هي فكرة مُجدية لهذه الموهبة التي تستحق أن تُعرف في جميع أنحاء العالم.
قضى ريكيلمي أكثر من نصف مسيرته في صفوف بوكا جونيورز، لكن لسبب لا يعرفه ريكيلمي نفسه، كانت أقل خطوات مسيرته بريقاً؛ هي تلك التي كان فيها برفقة أفضل نادٍ في هذه المسيرة كلها: نادي برشلونة!
أتوا به من الأرجنتين ليخلف برازيلياً اسمه ريفالدو، ووصل ريكيلمي إلى مدينة برشلونة الإسبانية والتطلعات عالية عليه، بطلب من المدرب الهولندي آنذاك لويس فان غال.
بعد عدة مباريات لعبها ريكيلمي في موسمه الأول، والوحيد مع برشلونة؛ يُقرر لويس فان غال أنه لا يحتاج هذا الأرجنتيني في فريقه، ويُرسله على سبيل الإعارة لفريق فياريال.
لم يكتفِ الهولندي بإبعاد ريكيلمي عن النادي فحسب، بل كان من عادته أن يخرج ويُلسِن على أي لاعب لا يُعجبه؛ فقال إنه طلب من الإدارة أن تبحث عن مخرج لريكيلمي؛ لأنه لا يُناسب احتياجات برشلونة، ولا يُحقق طموحات هذا الفريق العريق، كونه لاعباً لا يركض ولا يُسجل!
لعب خوان رومان ريكيلمي مع برشلونة 30 مباراة في عامه الأول والوحيد، سجّل خلالها 11 هدفاً…هل تعتقد أن هذه الإحصائية تبدو سيئة بالنسبة للاعب وسط في أول مواسمه في قارة أوروبا؟!
كان الغضب الأرجنتيني يصل مداه؛ بسبب التصريحات التي اعتبروها مُهينة في حق واحد من أساطير المنتخب وأفضل لاعبيه في وقته، لكن خوان رومان ريكيلمي لم يكن يتحدث عن الأمر كثيراً، رغم تأكيده فيما بعد أن هذا التقليل المُبالغ فيه منه جعله يشعر بخيبة أمل كبيرة للغاية.
في الجهة المقابلة، كان البلغاري هريستو ستويشكوف يصف هذه الفترة الصعبة لنادي برشلونة، والتي قال عنها إن كل ما قيل في وسائل الإعلام مجرد أكاذيب.
هريستو ستويشكوف؛ هو واحد من أساطير نادي برشلونة، ومن الجيل الذي يعتبره نادي برشلونة قد أسهم في وصوله إلى منصات التتويج القارية والمحلية في حقبة يوهان كرويف.
لكن ما واجهه ستويشكوف مع فان غال، كان شبيهاً لحد كبير لما عاناه ريكيلمي مع نفس الشخص، كان ستويشكوف يتمتع بقوة كبيرة للغاية من حيث التحدث على الملأ دون خجل.
"لم يفشل رومان ريكيلمي مع برشلونة لأنه لا يركض؛ بل لأنه كان مع مدرب غبي مثل فان غال!".
التصريح المُثير من ستويشكوف ربما يشرح أكثر مما يُخفي
هي قصة تاريخية أسطورية، ما زالت مُتداولة إلى يومنا هذا، بدأت بشكل فجّ مع لويس فان غال في بداية الألفية الحالية وإقليم كتالونيا بشكل عام.
ظل برشلونة لسنوات يُحاول أن يبحث عن مدربين يُطبقون "الكرويفيستا" أو ما يُعرف بكرة يوهان كرويف، في الجهة المقابلة من قارة أوروبا كان لويس فان غال، هو الوحيد الذي يُطبق نفس الفلسفة الخاصة في نادي أياكس؛ فجلبه برشلونة لينسخ كرته في أياكس في برشلونة، وحقق لقبين لليجا الإسبانية وكأس ملك إسبانيا، لكن الأمر اختلف كلياً بين فان غال أياكس وفان غال برشلونة؛ إذ لم ترضَ الصحافة الكتالونية عنه، وقالت إنه لا يتبع نهج يوهان كرويف، ولا هو يُقدم حتى أسلوب برشلونة.
إلى ذلك اليوم، الذي قرر فيه لويس فان غال أن يُدلي بتصريح؛ لم يستطع أي مواطن كتالوني حتى الآن أن يرد عليه: "عن أي ألقاب تتحدثون؟ ماذا حقق برشلونة في الـ100 سنة الماضية؟ لقد حققت في ولايتي مع أياكس أكثر مما حقق برشلونة في دوري الأبطال طوال تاريخه"…
لم تتوقف الصحافة الكتالونية عن إزعاجه ومعاداته، ومن خلال ضغطهم المستمر؛ أعلن لويس فان غال رحيله فعلياً، وأدرك أنه لن يستطيع مُواجهة كل هؤلاء بمفرده.
لكن، قبل أن يُغادر منصات برشلونة الرسمية، قرر فان غال أن ينتقم منهم على طريقته، وليلة توديعه لهم قال تصريحه الأشهر، والذي استخدمه رونالد كومان بعد 21 سنة بنفس النسق: "أصدقائي الصحفيين.. تهانينا؛ سأرحل".
حينما تعرّض رونالد كومان منذ سنتين تقريباً، لنفس الضغط، ظهر فان غال من سُباته وقال: "في برشلونة يجيدون بشدة لوم الأجانب على كل شيء".
لكي نُنصف فان غال بعض الشيء
فان غال، حينما وصل إلى برشلونة، صنع حقبة هولندية خالصة في نادٍ كتالوني، وحقق معه لقب الليجا بعد 3 سنوات من غيابه عن خزائن النادي، بلاعبين أمثال: زندن، رود هيسب، كلويفرت، ريزينجر، بوجاردي، كوكو، الأخوين دي بور، مارك أوفرمارس.
كل هذه الأسماء استطاعت أن تُحقق نجاحاً مقبولاً أو كبيراً على حد سواء؛ وهذا ما خلق الصدام الكبير بينه وبين الصحافة والجماهير، حينما شعروا بأن الفريق أصبح مستعمرة هولندية.
في لحظة خروجه؛ قال فان غال إن نادي برشلونة يبدو من العوالم الموازية، نادٍ يتحدث طوال الوقت عن كونه الأفضل بلا أي دليل!
لاعبون يتحدثون عن أنهم الأفضل، لكنهم لا يستطيعون الركض لمسافات طويلة، مدينة تُريد أن تُطبق أفكارها السياسية من بُعد رياضي، رئيس مثل جوزيب نونييز أبعده بسبب فلسفته وجذوره الهولندية.
لأن الرئيس يخشى الاصطدام بالأوهام الكتالونية المُتفشية في أصول هؤلاء القوم، ولأن برشلونة يعتقد أنه طوال الوقت في حالة استهداف، مِن مَن؟ ولماذا؟…لا أحد يعرف.
يكره ميسي لأنه من برشلونة
في التاسع من ديسمبر/كانون الأول في نهاية عام 2022؛ كان ملعب لوسيل شاهداً على أقوى صراع حديث في عالم كرة القدم، وهو ليس الصراع الذي نعرفه بين لاعب ولاعب، وإنما بين مدرب ولاعب!
يكره ميسي لأنه من برشلونة؛ هذه هي حقيقة لويس فان غال، يكره كل شيء من برشلونة، ويكره حتى مواهب وأساطير النادي.
لكن من الواضح أن ميسي لم ينسَ؛ لأن فان غال لم يكن ليتحدث للمرة الأولى عن ميسي، بل تحدث عنه بطريقة تحمل من نبرات الاستهزاء ما يتضح من الحديث.
قال فان غال، بعد الإقصاء التاريخي لبرشلونة عام 2019 أمام نادي ليفربول الإنجليزي؛ إن ليونيل ميسي هو أفضل لاعب يتصرف في كرة القدم بشكل فردي، لكنه من شدة انبهاره بنفسه حوّل فريقه إلى منظومة جماعية تخدمه وأضر بهم مثلما أضر بنفسه!
قال فان غال إن ميسي يتحمل كل ما يحدث لبرشلونة وقتها، وإنه ليس لاعباً جماعياً كما يدّعي البعض؛ وإنما يلعب بشكل فردي غرضه الأول والأخير أن يبحث منه عن المجد الشخصي.
كانت حيلة فان غال طوال مسيرته كمدرب؛ أنه يُحاول الضغط بشدة من خلال التصريحات الصحفية على النجوم، وهذا تحديداً ما حدث قبل مباراة ربع نهائي مسابقة كأس العالم قطر 2022.
قال فان غال إنه يعتقد أن منتخب بلاده أفضل من الأرجنتين، ويُريد من رجاله أن يفعلوا كما فعلوا بالأرجنتين في كأس العالم 2014 في البرازيل في نصف النهائي.
حينما كانت هولندا أفضل في كل شيء تقريباً، لكن الأرجنتين كانت محظوظة بالتأهل إلى الدور القادم حينها، واختتم تصريحاته المُثيرة بتحدٍ جديد بخصوص ليونيل ميسي، يصف فيه أن رجاله سيُحاولون أن يُظهروه كما ظهر في مباراة نصف النهائي عام 2014؛ لم يلمس الكرة ولم يقترب منها.
من أجل ريكيلمي ومن أجل ميسي!..
كانت ليلة الجمعة في التاسع من ديسمبر/كانون الأول؛ حينما تواجه منتخب الأرجنتين مع منتخب هولندا في ربع نهائي كأس العالم في قطر.
مرر ميسي الكرة بطريقة سحرية إلى ناويل مولينا، الذي لم يظهر على عدسات الكاميرا، وإنما ظهر في الخريطة الضوئية التي يمتلكها ميسي في رأسه.
مرر ميسي الكرة، وسجل الهدف الثاني، وذهب أمام لويس فان غال ليحتفل، واضعاً يديه خلف أذنيه وكأنه يُخبر فان غال: نسمع ونرد على طريقتنا…
الأحداث التاريخية في المباراة جعلتها واحدة من أفضل مباريات كأس العالم على مر تاريخه؛ 15 بطاقة صفراء، وركلة جزاء مُحتسَبة، و12 دقيقة في الوقت بدل الضائع، وشوطان إضافيان؛ كل هذه العوامل كانت لها أن تمنح الأرجنتين ليلتها التاريخية حقاً.
في ختام الليلة كان إيمليانو مارتينيز هو البطل، وكان ميسي ينتظر هذا الثأر الذي استرده أخيراً في لوسيل بالتحديد، ووقف في المؤتمر الذي يعقب اللقاء ليتهكم على هولندا والمدير الفني الأكثر فظاظة بحق الأرجنتين.
"قال إن فريقه يلعب كرة قدم جيدة؛ رأينا طوال القامة وكرات طولية طوال اللقاء"، بينما كان في الممر يقف أطول لاعبي هولندا وصاحب هدف التعادل، فوت فيغورست ليطلب من ميسي تبادل القمصان.
ربما لسوء الحظ، أنه لم يسمع ما يقوله ميسي بشكل واضح، ولم يفهمه، ومن الطريف أن من كان يقصده ميسي بطوال القامة؛ هو فيغورست الذي يقف على مسافة ليست بالبعيدة عنه وينتظر شيئاً لا يروق لميسي إطلاقاً في هذه اللحظة.
حينها قال ميسي كلماته الأشهر والتي تحولت فيما بعد إلى شيء طريف تم تناقله في العالم كله: "إلى ماذا تنظر؟ اذهب من هنا أيها الأحمق".
واحتفل ميسي لريكيلمي، وفي وجه فان غال، وفازت الأرجنتين بالطريقة ذاتها التي أزعجت فان غال في عام 2014 في عام 2022؛ عن طريق ركلات الترجيح، واستطاع ميسي أن يُغلق هذا الملف الأزلي للأبد، ولم يعُد للويس فان غال إلا الأحاديث التي مهما قال عنها، لن تكون مُنصفة أمام ما رآه الناس بأعينهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.