في فهم مظاهرات السويداء ومآلاتها

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/06 الساعة 08:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/06 الساعة 08:26 بتوقيت غرينتش
مظاهرات السويداء - رويترز

للأسبوع الثالث على التوالي يستمر المتظاهرون في مدينة السويداء، في الجنوب السوري، بالخروج للشوارع والتظاهر بوسط المدينة والتجمع في قراها المختلفة. 

هذه ليست المرة الأولى التي تتظاهر فيها مدينة السويداء، فقد سبق لأبناء المدينة أن تظاهروا، في 2020، مطالبين بتحسين الأوضاع الاقتصادية، لكن مظاهرات هذه المرة تتميز في بعديها الكمي والنوعي. فعلى مستوى أعداد ونقاط التظاهر فإن عدد المتظاهرين يفوق عددهم في المرات السابقة، أما على مستوى النوع فإن سقف المظاهرات ارتفع هذه المرة مع رفع شعارات تطالب بإسقاط النظام السوري، وأخرى تطالب بتطبيق الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، كما أن هذه المظاهرات تشهد مشاركة فاعلة من "شيوخ العقل" وزعماء الطائفة الدرزية الدينيين، على رأسهم الشيخ حكمت الهجري

خلفية هذه الاحتجاجات تستند إلى تردي الوضع الاقتصادي في سوريا، التي بات 90% من سكانها يعيشون تحت خط الفقر، خاصةً مع استمرار معدلات التضخم في الارتفاع اللامسبوق وتدني راتب الموظف الحكومي إلى ما دون الـ10 دولارات شهرياً. كما أنها تأتي مع رفع الدعم الحكومي على المشتقات النفطية، والذي لم يعوض عنه، تم رفع الرواتب بنسبة 100%. ولتوضيح هذا البؤس الاقتصادي الذي يواجهه المواطن السوري، فإن الحد الأدنى للأجور (قرابة 190 ألف ليرة سورية) يمثل أقل من 15% من مبلغ (1,440,000 ليرة سورية) وهي تكلفة معيشة لأسرة مكونة من خمسة أفراد، وفق حسابات برنامج الأغذية العالمي. هذا دون الإشارة إلى تدهور مستوى الخدمات في سوريا، إذ أصبحت الكهرباء عملة صعبة لا تأتي إلا ساعة واحدة في اليوم، وتردي الحالة الأمنية مع ارتفاع مستوى الجريمة وتفشي المخدرات: تصنيعاً، واستهلاكاً، وتصديراً، والتي نالت منها السويداء نصيباً وافراً لوجودها على خط تهريب "الكبتاغون" للأردن، ومنه لدول الخليج العربي. 

وبالإضافة لتردي الأوضاع الاقتصادية، فإن المواطنين السوريين في السويداء وعموم مناطق سيطرة النظام يعيشون حالة إحباط مزمنة وفقداناً للأمل. فالكثير منهم كان يراهن على إعادة تحسن الوضع الاقتصادي، مع تراجع مستوى المواجهات العسكرية على عموم الأراضي السورية، وهو ما لم يتم، على الرغم من تراجع مستوى العنف المسلح والمواجهات العسكرية في عموم سوريا بشكل كبير. كما أن خيبة الأمل أصبحت أعمق مع عدم نجاح النظام في البناء على فرص التطبيع العربي والتقارب الإقليمي، إذ لم تقم الدول العربية، وتحديداً الخليجية بضخ أموال أو تقديم مساعدات نقدية مباشرة للنظام السوري، حتى بعد عودة سوريا لجامعة الدول العربية، على عكس ما كان يرجو النظام السوري وداعموه والغالبية الصامتة في مناطقه.

السويداء
بشار الأسد – رويترز

أما فتيل الأزمة الذي حفّز الأحداث الأخيرة فقد كان مقابلة بشار الأسد على قناة "سكاي نيوز"، والتي نُشرت في العاشر من أغسطس. فقد كان للمقابلة نفس الأثر الذي أحدثه خطاب الأسد أمام مجلس الشعب السوري، في أبريل 2011 في إثارة المتحفظين وزيادة حنق الشارع. ففي الوقت الذي كان المرجو من مقابلة الأسد الأخيرة قبيل الاجتماع العربي الوزاري في القاهرة لمجموعة المتابعة الخاصة في سوريا أن ترسل رسائل بناءة للدول العربية على الصعيد الخارجي، ورسائل طمأنة بتحسين الوضع الاقتصادي على الصعيد الداخلي، اختار الأسد خطاباً متعالياً، قلَّل فيه من أهمية محاربة الكبتاغون وتجارة المخدرات، وقلَّل من احتمالية تحسُّن الأوضاع مع تركيا والغرب. وفي حين كان ينتظر الجميع، سواء في العواصم العربية وبعض الدولية، أم في المدن السورية، من الأسد تقديم حلول لمسألة المخدرات، قام الأسد بفلسفة الأزمة، وتبرير وجود المخدرات، وإلقاء اللوم والمسؤولية على الآخرين، حين قال "تجارة المخدرات كعبور وكاستيطان هي موجودة لم تتوقف، هذه حقيقة، ولكن عندما تكون هناك حرب وضعف للدولة فلا بد أن تزدهر هذه التجارة، هذا شيء طبيعي، ولكن من يتحمل المسؤولية في هذه الحالة هي الدول التي أسهمت في خلق الفوضى في سوريا، وليست الدولة السورية".

بالنظر إلى محدودية انتشار وفئوية الاحتجاجات الأخيرة من حيث تمركزها في السويداء دون غيرها، وضآلة احتمالات انتشارها إلى مدن سوريا الأخرى، فلا يبدو أنها تمثل خطراً وجودياً على النظام السوري. فالمدن السورية ذات الغالبية السنية لم يعد فيها حوامل مجتمعية للمظاهرات مع عمليات التهجير وجزّ العشب الثوري طيلة العقد الماضي، فيما يبدو الوضع في الساحل السوري معقداً مع تشديد الأجهزة الأمنية قبضتها، واعتقالها لكل الأصوات المحتملة، وعدم تحول الإحباط لدى أبناء الطائفة العلوية إلى رغبة في التغيير على المستوى الشعبي. 

السويداء
أثار علم الدروز خلال احتجاجاتهم في السويداء تساؤلات عن دلالته – رويترز

لكن أهمية الاحتجاجات الأخيرة في سوريا لا تكمن في بعدها الكمي، وإنما في بعدها النوعي، فالاحتجاجات على تواضع حجمها ومحدودية تأثيرها على سيطرة النظام في المرحلة الحالية، إلا أنها تستهدف مباشرة صورة النظام، الذي قدم نفسه على أنه حامي الأقليات في سوريا، إذ لا يخفي أن السويداء تمثل "عاصمة الدروز" في سوريا. 

أما النظام السوري فلا يبدو أنه يتجه لقمع التظاهرات في السويداء بالحديد والنار والبراميل المتفجرة كما فعل مع مظاهرات الثورة السورية، فللسويداء حساسيتها الدرزية وعزلتها الجغرافية اللتان تمثلان منعة لها من احتمالات عملية عسكرية من قبل النظام، والذي قام بسحب قواته من المدينة، وامتنع عن اعتقال أي من أبنائها، لكن هذا لا يمنع بالتأكيد النظام السوري من التوجه لوسائل بديلة من قبيل إطلاق عفريت "داعش" من قمقمه لمهاجمة السويداء وأهلها، خاصةً مع تهديدات مبطنة من قبيل إعلاميين مقربين منه بذلك. 

وفي ظل هذه المعادلة يبدو أن خيار اقتصار المظاهرات على السويداء، ومن ثم تشكل المطالب في بعدها الذاتي، هو السيناريو الأكثر احتمالية، ولعل الأحاديث عن تشكيل هيئة سياسية في المحافظة ترتكز على تعزيز مبدأ اللامركزية، يدعم هذا السيناريو، والذي يصب في المسار المستمر لتفكك الدولة السورية، وتشظي هويتها الوطنية، أو ما كان منها. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بلال سلايمة
باحث في المعهد العالي للدراسات الدولية - جنيف
تحميل المزيد