انتشرت مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو كثيرة، توثّق ما يسميه الطلاب "حفلات تخرج"، لكن ما يصاحب هذه الحفلات من رقص وهرج ومرج بين شباب وشابات، وربما من ذويهم في المنتصف، يجعل بعض المتابعين يسمون هذه الحفلات بأسماء متعددة، أغلبها بها قذف وشتائم، ولأني أستاذ جامعي يطالبني البعض بالتعبير عن موقفي، فهذا موقفي من هذه الحفلات في نقاط حتى تتضح الصورة.
فمن حق كل فرد أن يسلك ما يراه صحيحاً، في ظل قيم مجتمعه ومعتقده.
وبما أنني قصدت المجتمع المصري فإن قِيم مجتمعنا (وهذه عبارة تشمل القيم الدينية والأعراف الاجتماعية وخلافه) لا تقبل بأن تتحول حفلات التخرج لحفلات زفاف صاخبة، يختلط فيها الشباب من الجنسين، وكلمة "شباب" هنا كافية لتوضيح ما يفهمه الجميع، وما قد يحدث في حالات الاختلاط على أنغام الموسيقى والكلمات الرومانسية التي لا تمت بصلة لحفلات التخرج.
من حق الطلاب أن ينظموا حفلات كما يحلو لهم، لكن بما أنهم يصرحون بأنهم ينظمون الحفل ابتهاجاً بالتخرج من (أو "في" إن كنت متشدداً) جامعة معينة، فلا بد أن يحترموا اسم هذه الجامعة، وألا يزجّوا باسمها في مهرجان غنائي صاخب (وأحياناً "هابط")، دون موافقة هذه الجامعة على ذلك.
يجب على الجامعات أن تنظّم حفل تخرج سنوياً لكل خريجيها، وأن يكون هذا الحفل معلوم التوقيت والضوابط، من حيث الإجراءات والملابس والمسموح والممنوع، ويجب أن تعلم الجامعات أن عدم تنظيم هذه الحفلات الرسمية يعطي الطلاب الحق ويغريهم بتنظيم حفل مستقل يتحول (أو تحول بالفعل) إلى ما نشاهده وننتقده الآن، وبالتالي سيتطور إلى ما هو أسوأ. ولا يُعقل أن تنظم الحضانات حفلات تخرج "لعيال كي جي تو" وتُهمل الجامعات تنظيم حفل تخرج يليق بها.
كما يحب الطلاب أن يفرحوا بتخرجهم يحب أساتذتهم حضور هذه الحفلات كذلك، مشاركةً لهم ولأهاليهم في الفرحة، على الأقل من منطلق المشاركة في الحصاد بعد الزرع، لكن من حق الأستاذ الذي يقبل دعوة طلابه لحضور حفلهم أن يكون على علم مسبق بما سيتم، حتى يتخذ قراره السليم بالحضور من عدمه إن لم يعجبه البرنامج، وهذا دفْعاً للحرج. أما ترك الأساتذة في حيرة من أمرهم بعد أن يقفوا على منصة، دون علم بما سيشاهدونه من وصلات رقص قبل تسليم وتسلم شهادات التخرج، فهذا أمر محرج للأساتذة ومرهق بدنياً.
لكن أليس من حق الطلاب أن يفرحوا ويرقصوا ابتهاجاً بتخرجهم؟ هذه- في رأيي المتواضع- حرية شخصية، لكن يجب ألا يتم ذلك تحت اسم الجامعة التي يتخرجون منها (أو فيها)، ولا داخل حرمها. أما رأي الدين في هذه الأفعال فيُترك الحكم فيه للعارفين بالدين.
ليس صحيحاً ما يُقال عن الطلاب الذين يحضرون هذه الحفلات الراقصة من "قلة الأدب" أو ما شابهه من أقوال. والسبب في ذلك- في رأيي المتواضع- ربما يكون مرده للحضور الجماعي، إذ أشعر أن كل إنسان له شخصيتان: شخصية عندما يكون بمفرده، وشخصية تختلف قليلاً أو كثيراً عندما يكون فرداً في مجموعة. فعندما يشاهد الطالب زملاءه في غمرة فرحة يجد في نفسه تشجيعاً على إظهار الفرح بطريقة مشابهة لما يراه أمامه، حتى وإن لم يكن هو شخصياً يفكر في أنه سيفعله في يوم من الأيام، وهذه الملاحظة وجدتها بنفسي في بعض طلابي الذين أدرس لهم ورأيتهم في حفلات تخرجهم.
تنظيم حفلات التخرج تقليد غربي حديث، على الأقل بشكله الحالي، وإذا كنا هنا نستورده من الغرب فلماذا لا نستورده كما هو؟! أتمنى أن يشاهد طلابنا حفلات التخرج في الجامعات الأوروبية والأمريكية، وسيعلمون عندئذ أنها حفلات منظمة للغاية دون رقص أو هرج ومرج، ومع ذلك يفرح الطلاب وأهلهم أشد الفرح بها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.