مفارقة الاختيار.. هل تتحول الوفرة إلى نقمة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/05 الساعة 13:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/05 الساعة 13:19 بتوقيت غرينتش
مفارقة الاختيار - shutterstock

لما كانت القنوات التلفزيونية في الماضي محصورة على القناة الأولى والثانية في غالبية البيوت المصرية، لم يكن يعاني الإنسان حين يقرر أي القناتين يشاهد، وحين كانت المطاعم تقدم وجبات محددة لم يكن الإنسان في حيرة حين يقرر أن يأكل، لكن زاد القلق والتوتر وتضاعفت الحيرة مع كثرة القنوات الفضائية، وكثرة قوائم المطاعم والمقاهي، إذ ربما أسهمت تلك المظاهر الحداثية في تقريب الإنسان من اللامنطق، ما أضعف سلامه الداخلي بشكل كبير، لاسيما مع انتشار سريع للمعرفة وما يقابلها أيضاً من الجهل والسَّفه والسطحية.

عادة الإنسان حين يُحشر بين خيارات شتى تتساوى فيها الأسباب وتتناقض فيها المعاني ألَّا يختار، ففي حالة المشاهدة على التلفاز انظر إلى صاحبنا الذي يقلب بالريموت طويلاً، وفي النهاية لن يشاهد شيئاً، وفي حالة المطاعم ربما تتورم قدم النادل وهو واقف ينتظر قراراً من مرتادي المطعم، بينما يقف الشاب أمام قائمة المقاهي يحاول فك طلاسم أسماء المشروبات المختلفة، ولهذا سعت بعض المطاعم إلى ابتكار فكرة (طبق اليوم)، للتغلب على حالة التشتت التي أنتجها التنوع العشوائي. 

من الكتب المهمة جداً في هذا الصدد، رغم أنه ممل لكثرة تعرضه لنماذج من داخل الحياة الغربية، كتاب مفارقة الاختيار أو (The Paradox of Choice)، للكاتب وعالم النفس الأمريكي باري شوارتز، حيث يفند الكاتب فيه كيف أن وفرة الخيارات يمكن أن تكون مضرة للإنسان على المستوى النفسي. فعندما تكون لدينا العديد من الخيارات المتاحة في مختلف مجالات الحياة يمكن أن نشعر بالضغط والقلق وصعوبة اتخاذ القرارات، إذا لم تكن لدينا بنية معرفية توجهنا نحو اختيارات مناسبة ومنظمة وفقاً لأولويتنا يمكن أن نجد أنفسنا محاصرين في حلقة من عدم الرضا والتردد. وهذا ما يسلط الضوء على أهمية تحديد الأولويات، وتطوير معرفة عميقة بأهدافنا وقيمنا الشخصية. 

ومن الفلاسفة الذين أجروا تجارب وأثبتوا صعوبة اتخاذ القرار حين تستوي الأسباب الفيلسوف الفرنسي الشهير جان بوريدان، حيث التصقت باسمه واحدة من أشهر التجارب الفكرية، تحت مسمى "معضلة الاختيار"، التي من خلالها أتى الرجل بحمار وحبسه ومنع عنه الأكل والشرب لمدة طويلة، وقبل أن يطلق سراحه وضع عن يمينه أكلاً وعن شماله ماء، ثم توجه لمراقبي التجربة وسألهم: برأيكم إلى أين يتجه الحمار؟

بعضهم قال: إن الحمار سيتوجه إلى الماء أولاً، وبعضهم قال: العكس، غير أن الحمار ظلَّ واقفاً حائراً دون أن يتحرك خطوة واحدة، ذلك أن كلا الخيارين متساوٍ له في الأهمية حتى مات جوعاً. تفلسف حتى مات!

تلك الحيرة التي أصابت الحمار فأردته قتيلاً رغم توفر أسباب بقائه تشبه بشكل مدهش التحديات التي تصيب الإنسان في عصرنا الحالي، ففي الواقع يشعر الإنسان كثيراً بالعجز والارتباك عندما يتيح له الخيارات الكثيرة بدون وجود رؤية واضحة وأهداف محددة.

في غياب الرؤية الشخصية والأهداف الدقيقة يمكن للإنسان أن يغرق في بحر من القلق والتوتر، في محاولة للتغلب على هذه الحالة النفسية الصعبة يلجأ البعض إلى حيل نفسية، تضعهم في موقف تسليم عقولهم لأطراف أخرى، أملاً في أن تحسن له الاختيار بدلاً من أن يلقى مصير حمار بوريدان.

هذه المعضلة الحياتية تُسلط الضوء على أهمية تحديد الأهداف وتطوير رؤية شخصية قوية، فعندما يكون لدينا هدف واضح يمكننا توجيه اختياراتنا واتخاذ القرارات بناء على معايير محددة. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سيد حمدي
كاتب وصحفي مصري
تحميل المزيد