الغابون، الدولة ذات الطبيعة الخلابة والثروات المتعددة، تقع في قلب القارة السمراء، عانت في الماضي من تعاقب احتلال الدول الاستعمارية لتنتقل إلى مسرح الأحداث خلفاً لجارتها دولة نيجيريا، وذلك عقب استيقاظ دولة الغابون على انقلاب عسكري صباح الأربعاء، 29 من سبتمبر.
فهل يكون انقلاب الغابون هو نهاية سلسلة الانقلابات المتوالية في أفريقيا في العقود الأخيرة، أم أنه نذير بوقوع مزيد من الانقلابات في الدول المجاورة؟ هل خرجت الغابون من عنق الزجاجة، أم دخلت في أزمة أكبر؟
تقع الغابون وسط غربي أفريقيا، ولها ساحل طويل مطلّ على خليج غينيا، وتمتد على مساحة 270 ألف كيلو متر مربع، وتشكل الغابات 88% من أراضيها، كما أن دولة الغابون من دول أفريقيا الغنية، فهي تعد خامس أكبر دولة منتجة للنفط في أفريقيا منذ اكتشاف النفط بها عام 1931م؛ لذا يلقبها البعض بعملاق النفط، كما تنتج القهوة والسكر والكاكاو، بالإضافة لتصدير الأخشاب كما أنها من الدول الغنية باليورانيوم والمنغنيز.
الغابون تحت براثن الاستعمار.. وما بعد الاستقلال:
في عام 1470 احتل البرتغاليون الغابون، ثم احتلها الفرنسيون عام 1839، وظلت محتلة حتى عام 1960، بعد ذلك نالت استقلالها وأصبحت ذات سيادة، وكان أول رئيس انتُخب للبلاد هو" ليون امبا" بإشراف فرنسا حريصاً على مصالحها كما دعمت حملته الانتخابية، وفي عام 1964 تصدّت للانقلاب العسكري الذي كان يهدف للإطاحة به من خلال إرسال فرق الكوماندوز، مما يعني أن استقلال الغابون كان صورياً وأذرع فرنسا كانت لا تزال ممتدة بداخلها.
تولى" عمر بونغو" رئاسة البلاد عام 1967 ليكون ثاني رئيس للجمهورية واستمر في الحكم حتى وفاته عام 2009، وانتقل الحكم بعد ذلك لابنه "علي بونغو" بانتخابات رئاسية، وعُيّن رئيساً للبلاد منذ ٣ سبتمبر 2009 وحتى صبيحة يوم الانقلاب.
تاريخ الانقلابات في الغابون
الانقلاب الذي حدث مؤخراً في الغابون (2023/8/29) لم يكن الأول، ولكن هل سيكون الأخير؟
تعرّضت الغابون في السابع من يناير 2019 لمحاولة انقلاب من قبل مجموعة من ضباط الجيش الغابوني؛ حيث نجحوا في السيطرة على مبنى الإذاعة الوطنية ومنع إذاعة كلمة الرئيس علي بونغو بمناسبة العام الجديد، ولكن بعد بضع ساعات ألقي القبض على المتورطين، وأعلنت الحكومة فشل محاولة الانقلاب.
لتتكرر محاولة الانقلاب مرة أخرى؛ حيث أعلن ضباط في جيش الغابون إلغاء نتائج الانتخابات وإغلاق حدود البلاد وحظر التجوال وقطع الاتصال بالإنترنت في بيان متلفز صباح الأربعاء، 3 أغسطس، وذلك عقب إعلان لجنة الانتخابات فوز الرئيس "علي بونغو" بولاية ثالثة.
في 29 أغسطس وُضع الرئيس المخلوع بونغو وعائلته تحت الإقامة الجبرية، بينما اعتقل ابنه وأعضاء من حكومته، ووُجهت لهم تهمة الخيانة العظمى.
ردود الفعل تجاه انقلاب الغابون
خرج مئات الأشخاص إلى شوارع ليبرفيل، عاصمة الغابون، للاحتفال صبيحة اليوم التالي للانقلاب، فيما جاءت ردود الفعل الدولية معلنة عن إدانتها لانقلاب العسكري أو معربة عن القلق جراء التطورات، في حين شددت بعض الدول على ضرورة احترام نتائج الانتخابات.
قراءة للمشهد في الغابون
عانت الغابون في الماضي من الحكم الاستعماري واحتلال أراضيها ونهب خيراتها، لتنتقل بعد ذلك لمظلة الحكم الاستبدادي الذي لا يسمح بتداول السلطة تبعاً لانتخابات حرة نزيهة، وإنما تجدد الولايات واستمرار لحكم الفرد الواحد حتى الموت، ومن ثم توريث كرسي الحكم للأبناء، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل استمر نهب خيرات الغابون، بالإضافة إلى السماح بالتدخل الأجنبي، فأصبح الحاكم هو بيدق تحركه القوى الخارجية تبعاً لمصالحها، ومن أكبر الأدلة على ذلك ثروات الغابون والمقومات التي تمتلكها، والتي تمكنها من أن تكون دولة متقدمة ينعم أهلها بالرخاء، ولكن رغم كل ما تملكه، فإن شعبها ما زال يعاني من الفقر المدقع، ثم تأتي المرحلة الراهنة وقد تكون الأخطر في تاريخ الغابون وهي الانقلاب العسكري، وقد دوّن التاريخ في العصور المختلفة وفي دول عديدة ما تجلبه الانقلابات العسكرية من ويلات.
إن ترك الجيش وظيفته الأساسية، وهي حماية البلاد، وترك موقعه على الحدود والتدخل في شؤون الحكم والسياسة هو إنذار بالدخول لنفق مظلم لا يمكن الخروج منه، فبعد أن استولى الجيش على حكم البلاد لفترة انتقالية لم تحدد مدتها، هل هناك أمل لتسليم الجيش السلطة للشعب والرجوع لثكناته؟ أم هل ستحسم الأمر في الغابون قوى خارجية؟ مصير مجهول في انتظار الغابون تحفه الكثير من المخاطر، ولا سبيل للخروج من كل ذلك إلا بصحوة حقيقية من الشعب الغابوني، وتمسك قوي بحقوقه وحريته وبالحكم الديمقراطي المدني ورؤية واضحة تضع الأمور والأشخاص والمؤسسات في نصابها الصحيح.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.