في مكتب بالشركة التي أعمل بها يدخل علينا مرة أو مرتين كل أسبوع بائع للعطور أجنبي، وكعادته لا يزيد على قول: "السلام عليكم .. تبغي عطور؟".
فلا يلتفت إليه أحد على الإطلاق، على مدار سنوات طويلة جداً والأمر متواصل لم ينقطع، لا الرجل يريد أن يعدّل من طريقة عرضه، ولا الزملاء -وأنا منهم- فكرنا في أن نشتري منه، حتى دخل علينا بالأمس كأنه إنسان جديد كلياً، فقد شرع في المزاح والهزار فيما يبدو ابتكاراً لأسلوب جديد مغاير تماماً لما كان عليه من قبل، إذ راح يعدد الأنواع التي يحملها، ومميزات كل عطر، وسعره، معلناً استعداده لعمل تخفيضات كبيرة إذا قرر أحدنا الشراء.
اللافت أن الزملاء لم يكتفوا بشراء منتج واحد بل أكثر من ذلك! حينها تذكرت وأنا أتأمل هذا المشهد الملهم إصرار بعض الناس على اختلاف مشاربهم ومهامهم على المضي قدماً في طريق واحد لا تجديد فيه، وتبعات هذا الجمود على الأفراد والمجتمعات.
لا شك في أنّ تنوع الأسلوب أدعى لوصول الفكرة، ذلك أنها -أي الفكرة- قد تختفي بأسلوب وتظهر بأسلوب آخر، علاوة على أن تنوع الأسلوب أفضل وأنجع في تثبيت المعلومة، ذلك أن بعض الناس سمعي، وبعضهم بصري، وبعضهم قد يشده مال ويجذب غيره، فضلاً عن أن تنوع أساليب العرض يستوعب الفروقات الفردية بين الناس.
في السياق نفسه، يصر بعض الآباء على معاملة أولادهم بالنمط نفسه الذي تربوا عليه، في غير تجديد يستوعب متغيرات الواقع، ثم ينتظرون النتائج نفسها التي تطوف بخيالهم وتدور بخلدهم، ويصر المدرس على تعليم تلاميذه بأسلوب واحد، ونمط معين، لا يعرف الابتكار والتجديد لمنهجه طريقاً، فلا يستخدم لغة جسده، ولا يستعمل أدوات حسية، ورسوماً توضيحية، ومواد سمعية، ثم يتهم الطلبة بأنهم هم الأغبياء، ويصر الخطيب على الصراخ طيلة الخطبة، متصوراً أنه أجاد وأفاد ولم يصل إلى علمه أن الخطابة بحاجة إلى استخدام لغة الجسد، والإشارات، والإيماءات، وتغيير نبرة الصوت، وما إلى ذلك من مهارات التواصل.
ويصر بعض الرجال على المضي قدماً في الطريقة ذاتها التي يتعاملون بها مع أهلهم وبيوتهم، ولا يلتفتون إلى حالة الفتور التي كست البيت، ولا الجليد الذي يزين زواياه، ولا إلى لغة الصمت التي عششت في أركانه، فلا يفكر أحدهم في كسر حالة الملل بتغيير نمط حياته لتجديد مياه الحياة الزوجية الراكدة، ولو بعزومة بسيطة أو برحلة قصيرة بأقل الإمكانات.
وبعض النساء أيضاً على النمط نفسه، فنجد امرأة تصر على التعامل مع زوجها بالطريقة ذاتها التي تستفزه وتراهن على تغييره هو، ولا تفكر في أن التغيير قد يكون مطلوباً منها ابتداءً، بينما نجد المجتمع يصر على استخدام عبادات مكان عبادات كاستعمال الصبر مكان الإقدام، واللين مكان الشجاعة، ويتصور أن الفرج قادم استناداً إلى ما يقوم به من طاعات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.