كان ماريو غوتزة بمثابة رصاصة سُددت في مرمى منتخب الأرجنتين، وفي الوقت نفسه ارتدت فاستقرت في جسد أحد عناصر المنتخب الألماني نفسه!
لطالما كان توني كروس من النوعية التي تمتاز بالهدوء، في سياق آخر "البرود"، وهو ما يظهر بشأنه كثيراً، سواء في كل مباراة يخوضها وحتى على صعيد السلوك نفسه.
مشكلة توني كروس؛ أنه يعرف أنه توني كروس، وهذا ما يدفعه دائماً للتحدث بطريقة تجعل البعض يظن أنه يتحدث بتعالٍ لا مثيل له، وفي هذا الصدد قال زين الدين زيدان، المدرب الأسبق لتوني كروس في ريال مدريد، إن توني كروس يتمتع بالهدوء الذي يجعلك تندهش من أنه يتحدث بالطريقة التي يراها مناسبة، وفي الوقت الذي يعتقد أنه الأمثل، ومع من يُريد التحدث إليه!
إذن، مشكلة توني كروس هي أنه يعتبر نفسه يُدرك كل شيء؛ وهذه ربما مشكلة أوروبا كلها، إذ لا تنبع هذه الخطابات إلا من الرجل الأبيض المرفه، حيث يظن نفسه أفضل، وفي رواية أخرى "أطهر" من بقية البشر، أو لنقُل هُو المفضل دائماً لكل شيء وأي شيء. إذن لا تندهش عندما ترى بعض الأوروبيين، يتعاملون باستحقاقية غريبة!
في زمن مضى؛ منذ 10 سنوات تقريباً، كان بايرن ميونخ الألماني يُخطط لواحد من أكبر التعاقدات الممكنة في تاريخ الدوري الألماني كله، وهو اللاعب الألماني ماريو غوتزة، القادم إليه من صفوف غريمه التقليدي في الوقت نفسه، وقبل أيام من المقابلة التاريخية في نهائي دوري أبطال أوروبا موسم 2012-2013؛ هو نادي بروسيا دورتموند الألماني.
بايرن ميونخ، كان لديه مخطط ضخم لإدراج غوتزة في قائمة الفريق بعد انتهاء موسمه مع النادي الذي أظهره لقارة أوروبا، وذلك بعد وصول الإسباني المخضرم بيب غوارديولا إلى نادي بايرن ميونخ وتحكمه في كل شيء يخص النادي.
حينما وصل غوتزة؛ ولأنه أحدث كل هذه الجلبة في الأوساط الرياضية الألمانية، وكذلك الأوروبية والعالمية كلها، أصبح بايرن ميونخ مُطالباً بأن يكسر قاعدة من قواعده التي لا تُنتهك بهدف أن يمنح غوتزة امتيازات لم تُمنح لغيره.
غوتزة، الذي تحصّل على راتب أكبر من بقية عناصر الفريق؛ والذين كان من بينهم توني كروس، نجم الفريق منذ سنوات، أصبح حالياً شوكة في حلق النجم الأقدم، حتى وإن كان كروس أكبر سناً من غوتزة بسنتين لا أكثر ولا أقل.
في بايرن ميونخ، يعرف عشاق النادي أن الفريق يسير على نحو غريب، وفي كثير من الأحيان مُمل؛ من أجل ذلك قرر نادي بايرن ميونخ ألا يوافق على الطلب الذي تقدم به توني كروس: تجديد عقده مقابل المبلغ الذي يطلبه كروس.
"لن ندفع لك أكثر من 10 ملايين يورو؛ أنت لست لاعباً يليق بالفئة الأولى في الفريق".
هكذا كانت إجابة إدارة بايرن ميونخ على طلب توني كروس بالحصول على راتب أكبر؛ إنها مفاجأة وفي نفس الوقت صدمة أن أحد أصدقاء كروس قد قال فيما بعد إن مشكلة كروس كانت خاصة بشيئين لا ثالث لهما: إنه يحتاج للثقة من مُمثلي بايرن ميونخ، والثانية في اعتقاده بأنه لا يقل عن ماريو غوتزة أبداً، وإذا كان الفريق قد منح غوتزة هذا الراتب الضخم، فبالتأكيد سيمنح كروس المِثل.
خرج توني كروس إلى نادي ريال مدريد، قاصداً تجربة جديدة مع بطل أوروبا وحامل اللقب في نسخته الأخيرة آنذاك موسم 2013-2014؛ وحصد معه توني كروس كل الألقاب التي لا يتسع الوقت لذكرها مرة واحدة.
وظل توني كروس يكتسب احترام الجميع؛ كونه يتمتع بجودة كبيرة، وفي الوقت نفسه أيضاً لديه من الاحترام لكل المنافسين ما يكفي لكي لا تكرهه؛ أي إنك إن لم تكن تُحبه فإنك لا تكرهه.
إلى الوقت الذي تحول فيه توني كروس إلى محامي الدفاع عن كل ما يمس معتقداته، هويته، وحتى مبادئ يكتسبها هو بنفسه؛ بدأها مع مسعود أوزيل، واختتمها بجابري فيغا، المنتقل حديثاً إلى صفوف أهلي جدة السعودي.
بدأ الأمر مع الألماني التركي مسعود أوزيل؛ الذي كان واحداً من أبرز المتهمين في السقوط التاريخي لألمانيا في بطولة كأس العالم 2018 في روسيا، وتم الهجوم على مسعود أوزيل بشكل عنيف، ووُصف بأوصاف استدعت أن يخرج اللاعب ويرد على طريقته: "حين نفوز أكون بطل ألمانيا، وحين نخسر أكون لاجئاً!".
قرر مسعود أوزيل أن يتخلى عن هذه البلد تماماً، وأعلن اعتزاله بشكل رسمي من اللعب الدولي بقميص ألمانيا، وانقطعت صلته بكل ما هو ألماني حتى أنه سيعتزل بعيداً عن الدوري الألماني.
في الجهة المقابلة، لم يُوافق توني كروس على أن يمر الأمر مرور الكرام؛ قرر أن يخرج بتصريحات تبدو في ظاهرها دبلوماسية وفي باطنها هي تأكيد لما كان يعنيه مسعود أوزيل بالضبط!
مرت الأيام، ويبدو أن توني كروس كان بحاجة دائماً للبحث عن مخرج يستطيع من خلاله أن يُنفس عن معتقداته، وكان هذا المخرج له عن طريق انتقاد لاعبين لا علاقة لكروس بهما من الأساس: بيير باتريك أوباميانغ، وأنطوان غريزمان.
السبب حسبما يرى كروس؛ أن احتفالاتهما بالأهداف تافهة ولا تُعجبه! وهو أمر يبدو غريباً بالنسبة للاعب، كان يُزامل كريستيانو رونالدو، الذي كان يبتكر بين الحين والآخر احتفالاً لكي يضع لنفسه اسماً في قائمة الاحتفالات المميزة في تاريخ كرة القدم، وما زال رونالدو إلى يومنا هذا يمتلك احتفالاً جديداً بين الحين والآخر.
أو سيرجيو راموس الذي كان يبتكر هو الآخر احتفالات لا حصر لها لكل هدف يُسجله بقميص ريال مدريد، أمر يبدو غريباً؛ كون توني كروس قد تم التقاط مقطع فيديو خاص به في تدريبات ريال مدريد وهو يحتفل على طريقة رونالدو نفسه، باحتفال من المفترض أن يكون ساذجاً؛ من هنا نُدرك أن مشكلة توني كروس مشكلة خاصة بإثارة الجدل لا أكثر.
وفي الصيف الحالي، كان توني كروس هو حديث الساعة، بعد حديثه المُخجل عن صديقه السابق إيدين هازارد الذي خرج من ريال مدريد كما دخل إليه؛ بلا أي إنجاز يُذكر.
ليتحدث توني كروس عن عدم أسفه على ما حدث لإيدين هازارد؛ مؤكداً أن كل ما حدث لهازارد يستحقه؛ لأنه لم يهتم بنفسه كلاعب كرة قدم، وفي الوقت نفسه يلعب في فريق بحجم ريال مدريد.
كل هذه الانتقادات من توني كروس في حق زملاء، أو خصوم، أو حتى مواقف لا علاقة لها بكروس نفسه، كانت بين القيل والقال، أشياء يمكن التناقش فيها وأشياء تتغاضى عنها إذا أردت.
في البرازيل، لم يكن تعليق توني كروس بحق جابري فيغا ليمر مرور الكرام؛ حين رد الصحفي البرازيلي تياغو أسمار على كروس، بأن كل الأشخاص الذين يتحدثون عن أموال الخليج العربي هُم أنفسهم من سرقوا ونهبوا بحجة أنهم أفضل وأطهر!
خلال فاصل إعلاني لمدة دقيقة واحدة: توني كروس تحدث عن كأس العالم قطر 2022 بلهجة عدائية واضحة؛ قائلاً إن دولة مثل قطر لم يكن لها أن تُنظم بطولة بحجم كأس العالم، دولة تمنع أعلام الشذوذ الجنسي، وتتحكم في البشر وتقتلهم في بناء الملاعب وتضعهم في ظروف لا يتحملها أي إنسان على مستوى العالم، وهي دولة لم يكن لها أن تُنظم بطولة كأس العالم لما أظهرته من تطرف فكري وثقافي!
نعود لموضوعنا.. تياغو أسمار؛ هو صحفي برازيلي يهتم بشؤون الكرة العالمية في البرازيل، وهو الرجل الذي تولى مهمة الرد على توني كروس الذي كتب تعليقاً على خبر انتقال جابري فيغا إلى الأهلي السعودي قائلاً: "مُخجل".
تياغو أسمار، قال إن كروس كان عليه أولاً أن يبحث عن أسباب انتقاله إلى ريال مدريد، من يحكم ريال مدريد؟ أليس الرجل الذي يتحكم بالكرة الأوروبية كأنها لعبة شطرنج هو من يضع قوانينها؟ أليس كل رئيس نادٍ في قارة أوروبا هو من أولئك الذين نهبوا المواهب واشتروها بثمن بخس لا يُذكر؟
إذا كانت أموال المملكة العربية السعودية مؤسفة ومحرجة، فلماذا إذن خرج توني كروس من بايرن ميونخ إلى ريال مدريد؟ ولماذا يخرج زملاء كروس من وإلى ريال مدريد؟ لماذا تتم الصفقات الكُبرى في قارة أوروبا تحديداً؟ لماذا يتم اعتبار كرة القدم في أوروبا هي الأفضل ويتم تصنيف الدوريات هناك على أنها الأفضل في العالم؟
لماذا حققت فرنسا كأس العالم بمنتخب أغلبه من قارة أفريقيا؟ لماذا يوجد في منتخب ألمانيا أطفال ليسوا ألماناً؟…
كل هذه التساؤلات، لن يستطيع توني كروس الرد عليها أبداً وإن فعل؛ هذا لأن توني كروس كما قال عن نفسه في السابق: هو من النوعية التي يسهل اتهامها لأن شعره الأصفر وعينيه الزرقاوين وهويته الألمانية تكفي لاتهامه بسهولة شديدة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.