تشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن ٢١٥ ألف أنثى قد توفين لأسباب تتعلق بالحمل والولادة عام ٢٠١٥، مقابل كل أم تتوفى هناك أخرى تعيش بإعاقات دائمة ومخاطر على الصحة، كل متوفاة تترك أسرة هشّة، والناجي ممن ولدن لديه احتمال كبير للوفاة قبل اكتمال سنتين من العمر.
في الوطن العربي انخفضت هذه الوفيات من ٢٨٥ وفاة لكل 100 ألف حامل إلى ١٦٢ وفاة خلال 20 عاماً بدءاً من عام ١٩٩٠، وتعزو مصادر الأمم المتحدة ذلك إلى عاملين: أولهما: توافر برامج تنظيم الأسرة ووسائل منع الحمل، وتوافر كوادر مدربة للتعامل مع النساء خلال الحمل والولادة، يدعم ذلك عنصر في غاية الأهمية وهو توفر خدمة طوارئ جاهزة على مدار الساعة للتدخل السريع عند حدوث أي طارئ خلال الحمل والولادة.
مراكز رعاية الحوامل تتيح للحوامل اكتشافاً مبكراً لمظاهر الاعتلال الصحي، مثل فقر الدم أو الالتهابات، وتساعد على اكتشاف مضاعفات الحمل، كما أنها فرصة مهمة لتثقيف الحوامل عن الغذاء والرياضة والنظافة، وكذلك تعطيهن فرصة لعمل خطة للولادة بحيث يعرفن متى يحضرن للمركز المهيأ لتتم الولادة فيه، حيث تتوافر كافة المعلومات عنها، كما يتم تعريفها بأهمية إعطاء نفسها مدة كافية لاستعادة الصحة ورعاية الطفل قبل الحمل القادم.
يُعتقد أن الحامل بحاجة إلى الحضور إلى مراكز الرعاية هذه على الأقل 8 مرات خلال الحمل، وإن أظهرت فترة الكورونا أن وجود تواصل فعال بين مركز الرعاية والحامل عبر الوسائل الإلكترونية سوف يؤدي إلى تقليل هذه الزيارات في المستقبل.
قد لا تمنع الرعاية الصحية المضاعفات الخطيرة الطارئة، ولكن ثبت أن من اعتدن على التفاعل مع مراكز رعاية الحوامل كن اللواتي يلدن في المكان المناسب، من حيث توافر الكادر المدرّب على التعامل الصحيح خلال الولادة، يتضمن هذا بالطبع توافر وسائل المواصلات إلى مكان الولادة وتوافر المعلومات والإمكانيات لرعاية الحوامل، مثل توافر أدوية واقية من نزيف ما بعد الولادة، حسنة التخزين، سهلة الاستخدام، وكذلك إمكانيات الانتقال إلى مكان إجراء العمليات الطارئة خلال وقت معقول لا يطول عن الفترة الآمنة للتدخل. بالطبع يمكن أن تتخيل أن ذلك سهل جداً في بعض الدول كدول الخليج، ولكنه قد يكون صعباً في مناطق الحروب والتمرد المسلح والإغلاقات الأمنية، إحدى روايات الأديبة الفلسطينية سحر خليفة صوّرت ذلك ببراعة في روايتها الميراث.
بشكل عام تبقى الدول العربية بأجمعها أفضل حالاً من الكثير من الدول الأفريقية، ولكننا بحاجة إلى متابعة هذا الوضع في دول كليبيا واليمن والسودان وسوريا.
ليس المقصود بمقدمي الخدمة الماهرين الأطباء فقط، فقد تُقدم الخدمة عن طريق قابلات أو ممرضات، قادرات على متابعة الولادة الطبيعية، وتقديم كل ما تحتاجه الأم من رعاية، مدربات على التقاط الإشارات المبكرة لتغيير مسار الولادة عن التوجه الطبيعي، بحيث يمكن استدعاء الخدمة المطلوبة في الوقت الملائم، كما أن لديهن تدريباً كافياً لمتابعة رعاية الطفل خلال الولادة وعند الولادة وبعدها. ولا يقل عن ذلك أهمية نظافة مكان الولادة واستخدام التعقيم المطلوب، ومعاملة الحامل باحترام يحفظ الخصوصية ويحترم قيم الناس ومشاعرهم، مهما كان فقرهم، أو بؤس حياتهم.
وجود فريق للتدخل الطارئ أحد أهم عوامل حماية المرأة، ويجب أن يختبر بين آونة وأخرى للتاكد من أنه يتلقى الرسالة التي تشير إلى وجود مشكلة في الحال، ويثبت أن لديه جاهزية فائقة للوصول إلى مكان المشكلة، مزوداً بكل ما يحتاجه من إمكانيات للتدخل الآمن، أو الانتقال بالحامل إلى المكان الآمن في الوقت المناسب لحماية الأم والطفل.
تشير تقارير هيئات الأمم المتحدة إلى استمرار حدوث حالات الناسور الذي يربط المثانة البولية بالمهبل عند بعض الحوامل، بسبب تعسر الولادة وعدم التحول نحو الولادة القيصرية في الوقت الصحيح، ويعني هذا مرور البول من المثانة إلى المهبل وتسربه إلى الخارج، وهكذا تنتقل الميكروبات الموجودة بشكل غير ضار في المهبل إلى المثانة فتؤدي إلى التهابات خطيرة. وهنا تتعزز أهمية وجود برنامج يمنع حدوثها، ويتعامل معها بالشكل الصحيح إن حدثت، وخاصة في مناطق جيبوتي والصومال واليمن والسودان، حدوث هذه الحالات مسألة مزعجة، تؤدي إلى تدهور حالة الأم وكذلك حالة الأسرة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، إن بقيت بلا حل.
من المهم أيضاً أن يتم تسجيل كل الحالات التي حدثت لها مضاعفات، ومناقشة كل حالات الوفيات أو الإعاقات الدائمة، على أن تتم هذه المداولات في أجواء علمية لا ترمي إلى اتهام أحد بقدر ما تسعى للحصول على المعلومات الكافية لتحسين الخدمة وتطويرها، كثير من الممارسات الطبية الصحيحة لم يتم الاهتداء إليها إلا بدراسة هذه الحالات. عندما بدأ هذا البرنامج في بريطانيا، كان كل من يكتب تقريره إلى الهيئة المختصة بهذه الاحصائيات يبقى غافلاً عن الإعلان، حفاظاً على المصداقية وتشجيعاً لإيصال المعلومات الصحيحة، دون خوف على تشوية السمعة، ولا من استخدام المعلومات ضده.
ذكريات جداتنا حافلة بالكثير من وفيات الحوامل ساعة الولادة، رقية بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ماتت بحمى النفاس، وهي إحدى مضاعفات الولادة الخطيرة، أما أختها الكبرى زينب فماتت بسبب مرض استمر معها منذ أسقطت حملها خلال هجرتها، بسبب الأذى الذي لحقها من المشركين، وتفسير ذلك أنها أجهضت في وضع لا تتوافر فيه مقومات الحماية من الإصابات البكتيرية، في تلك الأيام لم تكن المضادات الحيوية قد اكتشفت بعد.
بحمد الله القليل منا من مر بمثل هذه الذكريات الأليمة، التي نتمنى أن نقي أمهات الحاضر والمستقبل من مثلها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.