لم ينتابني هذا الشعور من قبل، دموعي كانت جامدة في مكانها الطبيعي لم تكن لتنهمر حتى وقت قصير، كنت أتمناها فقط ولا أرجوها، لم يكن لها مكان في أحلامي حتى تغير كل شيء.
من زمن ليس ببعيد، من حوالي عامين تقريباً أو ربما ثلاثة حتى وصلت للذروة، ذروة الاشتياق واللهفة لزيارة بيت الله الحرام.
حتى إنني قررت بكتابة هذه الكلمات ليقيني أني لم أستطع وصف شعوري عند رؤية الكعبة المشرفة، أتخيل ذهابي هناك كل ليلة، أدرك كم هو عظيم هذا الشعور، أنا وبيت الله الذي بناه خليل الرحمن وجهاً لوجه.
أقبِّل الحجر الأسود، أرتوي من ماء زمزم، أشاهد بأم عيني مداخل ومخارج بيت الله الحرام، يداي تلامس الكعبة أتحسسها بكل هذه البساطة، أطوف السبعة أشواط كما فعلت أمنا السيدة هاجر.
أذهب للمسجد النبوي وأصلي داخله، أشاهد قبر الرسول بالعين المجردة وأبلغه سلامي وصلاتي عليه.
كم هو حلم أرجو من الله أن يتحقق عاجلاً غير آجل، ولديَّ يقين باقتراب تحقيقه؛ لأن مشاعري هذه لم تكن هكذا من قبل.
لم يكن لديَّ الرغبة الجامحة في زيارة بيت الله الحرام لهذه الدرجة، كنت أشاهد قناتي مكة والمدينة بلا أي مشاعر، التلفظ بقول اللهم بلغنا زيارة بيتك الحرام مجرد كلمات، لكن ما حدث لي خلال الأعوام القليلة الماضية وازداد هذه الأيام هو تمسكي بتحقيق حلم طال انتظاره بعد فهم وتدبر كلام الله، بعد يقين بأن الدنيا حقاً لا تساوي عند الله جناح بعوضة، بعد هداية من الله وتوفيق منه عز وجل بإدراك حقيقة الدنيا الزائلة الفانية، وهنا تمنيت حقاً الموت في أحضان الكعبة المشرفة،.. يا لها من نهاية!
نعم هي للموعودين، فلمَ لا أكن واحدة منهم، لمَ لا وقلبي يشتاق إليها، لمَ لا وأنا أتمناها وأرجوها من الله في كل صلاة، لمَ لا وأنا لم أعد أتحمل كل هذا التأخير بعد أن اقتربت من تجميع المبلغ الخاص بالعمرة؟! فأنا أرجوها من الله أن تكون من أموالي الخاصة من تحويشة شهور وأيام من عملي لا من أموال أبي وأمي.
أرجوها في كل نفس أتنفسه، وأدعو بها في كل صلاة، وأتمنى أن يقبلها الله منِّي ويوفقني لها ويجعلني من الموعودين.
فهو التسليم لأداء مناسك لو أعملت عقلك قليلاً ستدرك أنك تطوف حول حجارة لا تغني ولا تسمن من جوع، وتتساءل لماذا أنفق كل هذه الأموال حول زيارة الكعبة وهي بيت الله في حين أن المساجد جميعها بيوت الله؟!
ثم تدرك أن مجرد التسليم لكلام الله وطاعتك لأوامره هو عين الإيمان به، أن تجمع الأموال فوق الأموال تبذل قصارى جهدك لإتمام إجراءات العمرة لتستعد لرحلة الجهاد مع النفس، جهاد بدني وذهني لإتمام المناسك على أكمل وجه، فيا رب اجعلني من عبادك الموعودين بزيارة بيتك الحرام، اللهم تقبل منِّي صالح الأعمال وارزقني الفردوس الأعلى ولذة النظر لوجهك الكريم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.