ماذا لو لم تكشف الخارجية الإسرائيلية النقاب عن لقاء روما الذي جمع كوهين بوزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش؟ هل كانت الأمور ستسير على ما يرام، وهل كانت نجلاء ستصول وتجول في مهام رسمية من دون أن تكون حكومة الدبيبة على علم بتحركات وأجندات أو حتى لقاءات وزيرتها للخارجية؟
من المضحكات المبكيات أن تنام المخابرات الليبية في سبات عميق في الوقت الذي تناقش فيه المنقوش مستقبل علاقات ليبيا وإسرائيل، وأن تصل معلومة بمثل هذه الأهمية والخطورة لرئيس الحكومة عبر وسائل الإعلام ويتفاجأ بها كما تفاجأ من يتصفح السوشيال ميديا أو يشاهد الأخبار أمام شاشة التلفاز! هذه الواقعة وضعتنا أمام فرضيتين: إما أن الحكومة الليبية قد وصلت من العجز والهوان في تسيير أمور البلاد إلى درجة أنها تتحرك لفتح تحقيق في واقعة كبيرة تخص البلاد بعد أن يأتيها البيان من تل أبيب، أو أن الدبيبة على علم بالواقعة بصفته الرجل الأول في الحكومة، ولكنه اختار أن يكون "شاهد ماشافش حاجة" ما دامت الأمور تسير على ما يُرام إلى أن يحدث العكس
غادرت نجلاء المنقوش منصبها بعد أن استقبلت سفير الاتحاد الأوروبي في ليبيا يوم الأحد الماضي في آخر مهمة لها على رأس الخارجية قبل 3 ساعات من نشر البيان الإسرائيلي، وربما سُمح لها بمغادرة ليبيا قبل أن يصدر قرار محاكمتها بتهمة الخيانة العظمى بعد أن وضعتها إسرائيل في موقف أقرب إلى موقف "الكشف عن جاسوسة"، الوزيرة التي تنحت بقرار من رئيس حكومتها قد اختارت أن تحتفظ بمنصبها عبر حسابها الرسمي والموثق في منصة أكس "تويتر سابقاً": ومع أنني أكتب هذا بشيء من الدعابة، إلا أنني أتساءل في نفسي عن سبب تأخر الوزيرة السابقة في تعديل معلومات حسابها الشخصي أو حتى استعماله في حق الرد والنأي بنفسها عن تهمة الخيانة العظمى، إما بتكذيب اللقاء أو بشرح الموقف في تغريدة مقتضبة… فهل الحكومة الليبية في طرابلس لم تستفق من الصدمة بعد، ولم تنتبه بعد أن المنقوش لا تزال وزيرة خارجية ليبيا عبر منصة x!
في 14 فبراير 2022 كان الدبيبة قد استقبل رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية في طرابلس، وأعلن عن 5 اتفاقيات، بما فيها الإعلان عن استقطاب 10 آلاف عامل فلسطيني، بعد ذلك طار وزير العمل الليبي إلى رام الله لمتابعة تنفيذ الاتفاقيات، وهي الزيارة الأولى من نوعها لوزير ليبي إلى فلسطين، ومن المعروف أن الدخول إلى رام الله يستدعي التنسيق مع السلطات الإسرائيلية التي تسيطر على جميع المنافذ إلى الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك معبر الكرامة مع الأردن، بمعنى أن الوزير الليبي تحصل على موافقة إسرائيلية لدخول الأراضي الفلسطينية، ثم إن مسألة استقدام 10 آلاف عامل فلسطيني وإمضاء الشراكات في حد ذاتها تطرح العديد من التساؤلات!
هل كانت محاولة لكسب موقف السلطة الفلسطينية إزاء عملية التطبيع بالتقرب منها ومنحها بعضاً من الصفقات، أم أنها محاولة لتبييض صورة حكومة الدبيبة التي تعرضت للعديد من الاتهامات حول نوايا التطبيع ونفتها قبل أن يكشف إيلي كوهين على الملأ لقاء المنقوش في روما؟
انزعاج واشنطن الشديد من التسرع الإسرائيلي في كشف مساعي التطبيع يؤكد أن إيلي كوهين قد أفسد الطبخة قبل أن تنضج، ووضع الشركاء الليبيين في حرج بعد أن تم الكشف عن لقاء روما الذي ربما كان من الأحسن بالنسبة لواشنطن أن يبقى سراً لضمان ثقة المسؤولين في طرابلس، وعدم إحراجهم شعبياً، في الوقت الذي لا يزال فيه ملف الانتخابات مفتوحاً، وخشية أن تتحول القضية الفلسطينية إلى ملف من الممكن أن تستعمله أطراف طامعة في السلطة للمزايدة في الدعاية الانتخابية، فوجهة النظر الأمريكية ترى أنه لا فائدة من فتح ملف التطبيع قبل تثبيت أقدام الشركاء في السلطة.
نجت نجلاء تونس، التي كانت على رأس الحكومة، من الإقالة ومن تهمة الخيانة العظمى بعد أن ورّطتها ووضعتها ابتسامتها وحديثها الجانبي الذي دار مع إسحاق هرتسوغ رئيس إسرائيل على هامش قمة المناخ التي عُقدت العام الماضي بمصر في حرج كبير مع الشارع التونسي، إلى أن أتت أزمة الخبز وتمكنت من إسقاطها، أما نجلاء ليبيا التي دام لقاؤها بكوهين ساعتين كاملتين "حسب الرواية الاسرائيلية"، فمن المؤكد أنها غادرت السلطة، وربما ليبيا من غير عودة، ولكن من يدري، فربما تعود عن قريب عبر صحيفة أو تغريدة لتفجّر سراً من أسرار الدولة وتكشف ملابسات اللقاء وتفاصيله ومن ورّطها فيه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.