فيلم باربي والرأسمالية: لهذا نفد اللون الوردي من الأسواق

تم النشر: 2023/08/29 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/29 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش

بصمة "السينما المستقلة" كما المعتاد 

عُرِضَ فيلم "باربي"، من إخراج غريتا جيرويغ، التي اشتهرت بفيلمَيها "Litte Women" و"Layd Bird"، لأول مرة في 21 يوليو/تموز. والفيلم الذي تبلغ مدته 115 دقيقة من تأليف غريتا جيرويغ ونواه باومباخ. 

الفيلم من بطولة مارغوت روبي وريان غوسلينغ، ويتتبَّع سعي باربي وصديقتها كين لمغادرة عالم باربي لاند الخيالي واكتشاف هوياتهما في العالم الحقيقي. 

حقق الفيلم، وهو الإنتاج الأكثر مشاهدة لشركة وارنر بروس، أكثر من مليار و197 مليون دولار في جميع أنحاء العالم. ولعل وصف شركة وارنر بروس للفيلم بعبارة "باربليون"، المستمدة من الجمع بين "باربي" و"بليون"، التي تعني بالإنجليزية "مليار"، لهو أمرٌ مهم جداً لفهم إطار الفيلم. 

طوال مراجعة الفيلم، بدلاً من تقديم قراءة بناءً على قصة الفيلم وشخصياته، سنحاول التوصل إلى استنتاجات حول علاقة الفيلم بالوعي الاستهلاكي الرأسمالي في إطار أوسع. 

بحث ثقافة المستهلك عن هوية بديلة 

عندما أُطلِقَت دمى باربي في 1959 على يد سيدة الأعمال الأمريكية روث هاندلر، ربما لم يكن أحد في ذلك الوقت يتوقع أن هذه الدمى البلاستيكية ستصبح يوماً ما "رمزاً ثقافياً" رئيسياً. ومع ذلك، على مر السنين، لم تصبح باربي مجرد دمية، بل أصبحت ظاهرة ثقافية ورمزاً للاستهلاك. 

على مر السنين، أصبحت باربي "رفيقة اللعب" لملايين الأطفال وأثارت نقاشات حول قضايا مهمة مثل الأدوار الجندرية ومعايير الجمال وتغيرات الصورة بين الأجيال. وفي هذا السياق يُظهر الفيلم بوضوح قدرته على المضي بهذه الأيقونة الثقافية خطوة أخرى إلى الأمام. 

باربي
دمية باربي

كانت السينما، الفن السابع، على علاقةٍ وثيقة بالرأسمالية منذ يوم دخولها الحياة العامة. وتختلف صناعة السينما عن الفنون الأخرى في أنها تشتمل على مكونات تجارية مختلفة مثل شبكات توزيع الأفلام ودور السينما، وتتطلَّب رأس مال كبيراً مقارنةً بأشكال الفن الأخرى. على مدار تطورها، عملت صناعة السينما كجزءٍ من ثقافة المستهلك، وذلك باستخدام استراتيجيات التسويق والإعلان لتلبية -وربما زيادة- طلب المستهلك. بهذه الطرق، اعتُرِفَ بالسينما كنشاطٍ تجاري وشكلٍ فني فريد من نوعه، لكن تعقيد علاقتها بالرأسمالية حرمها من براءتها. 

يعد ارتباط باربي بالسينما ورأس المال أحد الأمور المتطرفة في القضية التي نريد معالجتها. قبل إطلاق باربي في يوليو/تموز 2023، أُطلِقَت حملة تسويقية غير مسبوقة. لن يكون من الخطأ أن نقول إن الأجندة "الوردية" دُشِّنَت ليس فقط في الولايات المتحدة، بل أيضاً في عشرات البلدان حيث سيُعرَض الفيلم. وقد انطلقت من هذه الخلفية، التي تأسست بشكلٍ خاص من خلال الهوية "الأنثوية"، حملةٌ إعلانية غير مسبوقة من أجل زيادة استهلاكها وشعبيتها. 

إن المنصة التي تُنشَأ في وعي المستهلك الكلاسيكي تستضيف المنتج الفني في المقام الأول. وفي حين أن عناصر الخيال القابلة للبيع والتي تولد على المنصة تتحول إلى أدوات تسويقية وتُفرَض على المجتمع دون أن تفقد شعبيتها، فإن العملية في باربي تعمل في الاتجاه المعاكس. إن حقيقة عرض فيلم في دور العرض في عام 2023 عن الدمى، التي كانت سلعةً منذ العام 1959، لا تكفي لتغيير الديناميكيات الأساسية لثقافة المستهلك، ولكنها تسمح بقراءة عكسية. 

رغم أن الفيلم يعتمد على بحث باربي وكين عن هوية حول أسئلتهما الوجودية، فليس من المستغرب أن يتمكن مفهوم الاستهلاك من العثور بسهولة على هويته الخاصة من خلال الفيلم. تنتهي هوية باربي، التي تبحث عنها طوال الفيلم، بشراء الجمهور لها في شباك التذاكر وشراء دميتها. في هذا الإطار، يتبادر إلى الذهن سؤال حول ما إذا كان محور التركيز هو باربي أم المشاهد؟ في حين تمثل باربي الرأسمالية، لن يكون من الخطأ القول إنها وجدت زبائنها، وزبائنها وجدوا أيضاً دمى باربي التي يمكن شراؤها من خلال الفيلم.

 عند هذه النقطة، من الممكن بالطبع إقامة علاقة بين تكرار الاستهلاك وتكرار قصة الفيلم، التي تبدأ بسرعة ثم تصبح متكررةً في الدقائق التالية. 

كيف يكون الأنثوي هو الوردي؟ 

من بين الأخبار المتعلقة بالفيلم أن الشائعات حول "أولئك الذين لم يرتدوا الألوان الوردية في موقع التصوير عوقبوا" والتي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي قبل فترة طويلة ليست سوى أحد العناصر التي تشكل الأرضية المذكورة أعلاه. ويمكن أيضاً أخذ الأخبار التي تفيد بأن "هناك نقصاً في الألوان الوردية في العالم بسبب الاستخدام المفرط للألوان الوردية في موقع تصوير الفيلم" كمثال. ولا تمنع الخلفية المذكورة من توليد ذلك الاتجاه الذي شاع على وسائل التواصل الاجتماعي في الدول التي عُرِضَ فيها الفيلم، حيث فضَّلت النساء اللاتي ذهبن لمشاهدة الفيلم ارتداء الملابس الوردية. فلماذا تفضل مكونات النظام، التي تشتكي من رؤية المرأة كسلعة تحت هتافات "المساواة بين الجنسين"، اللون الوردي بالتحديد ليُخصَّص للنساء؟ 

باربي
فيلم باربي

اللون الوردي هو لون يُنسب تقليدياً إلى "الفتيات" أو "الأنوثة". لهذا السبب، يستهدف القائمون على التسويق الأطفال والنساء بشكل خاص باللون الوردي. إيتم تسويق هذا اللون لهذا الجمهور، خاصة في  مستحضرات التجميل والملابس.

يُستخدَم اللون الوردي بشكل متكرر لزيادة جاذبية هذه المنتجات وربطها بالأدوار الجندرية. ولن يكون من الخطأ أن نقول إن أولئك الذين يشكون من قبول اللون الوردي باعتباره "لوناً نسائياً" يعزز المعايير الجندرية، وأولئك الذين يذهبون إلى الفيلم وهم يرتدون ملابس وردية يتغذون على نفس المصادر الشعبية الشائعة.

 في السنوات الأخيرة، عارضت بعض حركات الاحتجاج لرفع الوعي تعزيز الأدوار الجندرية في ثقافة المستهلك من خلال اللون الوردي ودعت إلى وقف "الاستهلاك الوردي". ورغم أن هذه الحركات تهدف إلى التشكيك في الصور النمطية المتعلقة بالجنسين والمرتبطة باللون نفسه وتغييرها، يجب قبول حقيقة أنها لا تستطيع منع الاستهلاك.

فيلم أم دعاية تجارية مدتها ساعتان؟

رغم أن كتَّاب السيناريو يحاولون تجاوز كون الفيلم إعلاناً تجارياً مدته ساعتان للدمية، يمكن تصنيف الفيلم بشكل عام على أنه "فيلم يدور حول مُنتَج". وأفضل طريقة لفهم حدود تمثيل باربي كفيلم من هذا النوع هو مقارنته بأفلام منتجات أخرى. 

ويمكن تقييم فيلميّ "Transformers"، الذي صدرت منه خمسة أجزاء بين عاميّ 2007 و2017، وفيلم "Lego" الذي صدرت منه أربعة أجزاء بين عاميّ 2014 و2019، على نفس مستوى "باربي". جميع الشركات المذكورة وجدت تجاوباً مع ألعابها في الحياة العامة قبل أفلامها، ونُقِلَت إلى الشاشة الكبيرة لتوسِّع حدود هذا التجاوب. وضمن هذا القاسم المشترك، يختلف فيلم باربي عن غيره من حيث أنه "فيلم حول مُنتَج". في حين أن الأفلام الأخرى، رغم قبولها كأفلام منتجات، تعرض ميزات تعطي الأولوية للخيال ضمن المتطلبات الأساسية للسينما، فإن فيلم باربي ضُغِطَ في إعلان تجاري مدته ساعتان. إن الوعي الإعلاني المذكور أعلاه طاغٍ للغاية لدرجة أنه يُنظر إلى الفيلم على أنه قصة تُستخدَم لربط المنتجات في إعلان تجاري كبير. 

نقطة أخرى هي أن الفيلم يفضل تقديم الإعلانات بشكل مباشر وليس بشكل غير مباشر. إن بناء واستئجار منزل باربي حقيقي، ومنازل باربي لوحدات التحكم في الألعاب، وقائمة همبرغر وردية اللون، والشموع، وملابس باربي ومكياجها، كل ذلك ليس سوى بعض من المنتجات المعلن عنها في الفيلم. حقيقة أن الفيلم يتضمن إعلاناً تجارياً للسيارات ليس مفاجئاً في ظل الخلفية التي نحاول وصفها. أخيراً، في بعض المشاهد تُذكَر أسماء المنتجات حتى يتمكن المشاهد (يمكننا أيضاً الإشارة إليهم كعملاء أو مشترين) من رؤية المنتجات المعلن عنها بشكل أوضح. 

القيمة الفنية والمستقبل

لن يكون من الخطأ القول إن القيمة الفنية للفيلم الذي تدور أحداثه في باربي لاند لا تكاد تذكر بسبب المخاوف السياسية والاقتصادية المذكورة. في مثل هذا الكون، فقط وجود قصة أصلية هو الذي يمكن أن يدفع الفيلم إلى الأمام. لكن الفيلم يفتقر إلى القصة الأصلية. ورغم أن البحث عن الهوية والأسئلة الوجودية هي قضايا قديمة، يأتي الفيلم كأنه بديلٌ عن فيلم "Truman Show". تحاول باربي وكينلر، مثل ترومان، إيجاد طريقة للخروج من الكون المُحاصَرين فيه وإلى الكون الحقيقي. 

أحد العناصر الرئيسية التي تقلل من القيمة الفنية للعمل هو إعطاء الأولوية للمخاوف السياسية على القيمة الفنية. نرى أن المنظور الفني المثير للتفكير والاستكشاف لا يجد مكاناً في الفيلم. ولأن الرسائل السياسية تصل مباشرة دون أي وساطة. سيكون من المفيد أن نتذكر أن الشركة، التي تعرضت لانتقادات لأنها أسست تصور الناس للجمال على أساس النحافة والتي انخفضت أرقام مبيعاتها بعد ردود الفعل هذه، أصدرت دمى باربي "السمينة" بالإضافة إلى دمى باربي النحيلة؛ لأن الشركة تصرفت بنفس الخط المستقيم في مفهوميّ "العادي" و"الجميل القبيح". 

استنتاج 

كما حاولنا التعبير خلال المقال، فإن فيلم "باربي" بعيد كل البعد عن كونه فيلماً. لكن هناك قضايا مهمة في علاقته بالسينما. وهو مهم بشكل خاص لاستمرارية صناعة السينما، التي عانت من جروح غائرة خلال الجائحة؛ لأنه في الفترة التي حلَّت فيها الرقمنة محل الأفلام المسرحية، من المهم جداً أن يتمكن الجمهور من العودة إلى القاعة. ورغم أن أفلام شباك التذاكر لها نصيب في تغيير عادات الجمهور، فإن لها مكانة كبيرة في تحديد استمرارية شباك التذاكر وقيمة صناعة السينما. في مواجهة الاتجاه المتزايد للمنصات الرقمية وخدمات البث، من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن السينما المسرحية يجب أن تستمر مع أفلام مثل باربي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد أوندار كاراكاش
كاتب وباحث في السينما والأدب
كاتب وباحث في السينما والأدب
تحميل المزيد