جمهورية فضة المعداوي الجديدة.. كيف يريد السيسي تخليد اسمه في تاريخ مصر؟!

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/29 الساعة 09:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/29 الساعة 10:00 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي/ shutterstock

 لم يكن يتخيل أسامة أنور عكاشة وهو يكتب حلقات مسلسله الشهير "الراية البيضا"، ويحذر فيه من مخاطر هدم وتدمير آثار مصر التاريخية على أيدي بعض الجهلاء ممن امتلكوا الأموال الطائلة إبان الانفتاح الاقتصادي في سبعينيات القرن الماضي، أن يأتي اليوم الذي تضطلع فيه الدولة بدور فضة المعداوي، بطلة روايته، التي أرادت هدم فيلا الدكتور أبو الغار التاريخية، بحجة إقامة برج سكني. 

 رأى نظام عبد الفتاح السيسي في دور فضة المعداوي الطريق الأمثل للجمهورية الجديدة، وعلى عادة الفراعنة في طمس آثار مَن قبلَهم من الملوك والحكام، شرع هذا النظام ليس فقط في طمس آثار مَن سبقوه؛ بل رأى أن الطريق الأمثل هو طمس هوية مصر التاريخية كلها، فلا يتذكر الناس إلا طرق وكباري عبد الفتاح السيسي، فليس للماضي أي أهمية أمام ما يريد النظام ترسيخه في وعي المصريين، وماذا عساهم أن يتذكروا من هذا التاريخ سوى سيرة الصالحين والقادة والزعماء والأبطال الذين قاوموا الظلم والاستبداد، إذاً فلتُهدم هذه الآثار والمقابر التاريخية، وليبقَ الشعب في غياهب الظلم والاستبداد. 

السيسي تاريخ مصر
شخصية فضة المعداوي في مسلسل الراية البيضاء


على مدار الأيام الماضية شاهدتُ كغيري عشرات الصور الصادمة لأعمال الهدم لمقابر الإمام الشافعي التاريخية، والتي تجري على قدم وساق، لإنشاء محور مروري جديد، بحسب ما أعلنته الحكومة المصرية، وهو ما يفسره حديث السيسي السابق "هعمل شبكة طرق تمسك مصر"، والتي في سبيل تحقيقها لا يجد أي مانع في هدم ما يعتقد أنه قد يقف عائقاً أمام إنشاء مثل هذه المشاريع. 

فالرجل لدية رؤية خاصة، أنه يريد تخليد اسمه في تاريخ البلاد، بإنشاء محاور وكباري مرورية، وهو ما يفسر وَلَعه الشديد بالبناء والتشييد، من دون الرجوع إلى دراسات الجدوى، كما صرّح هو في وقت سابق، بأنه لو التزم بدراسات الجدوى لما أنجز 25% من الأعمال التي أنجزتها حكومته، حتى لو تمت بشكل خاطئ، فما يشغل الرجل هو كمّ الإنجازات وليس جودتها، حتي يقال إنه هو من أنشأ الطرق ورفع الكباري؛ لذلك يبذل كل ما يستطيع لمحو الرموز البصرية للعصور التي سبقته، ليُكرّس شرعية الصور والرمزيات الجديدة لعهده وإنجازاته، في محاوله منه لرفع ذكراه فوق ذكريات أخرى في ثقافة مصرية متعددة التواريخ والأزمنة. 

 واليوم جاء الدور على محو تاريخ وذكرى جبّانة الإمام الشافعي التاريخية، التي يزيد عمرها على ألف عام، وتضم شواهدَ وقباباً أثرية، لإنشاء محور مروري جديد يُحسب إنشاؤه للجنرال المغرم بالإسمنت والأسفلت، فالرجل لا يرى طريقاً آخر إلى جمهوريته الجديدة غير الطريق الذي يمر على رفات قامات مصرية، وأنقاض مبانٍ تاريخية مشيَّدة قبل مئات السنين. 

بيد أن أعمال الهدم صاحَبَتها حالة كبيرة من الجدل والرفض؛ وذلك لمكانة المقابر التاريخية، فهي تعتبر من التحف الفنية التاريخية، وليست مجرد مدافن، حتى إن المقريزي ذكر في كتابه عن مصر "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"، أن عمرو بن العاص بعد فتح مصر أرسل لعمر بن الخطاب يخبره بأن تلك المنطقة فيها أشجار من الجنة، فأمره خليفة المسلمين بأن تكون تلك البقعة من أرض مصر مدافن المسلمين، الذين كانت أول عاصمة لهم هي الفسطاط على مقربة من "القرافة".
مشهد آخر يعبر لك عزيزي القارئ عن مستوى العبث الذي وصل إليه الحال في جمهورية فضة المعداوي الجديدة، صور يتداولها بعض الأصدقاء لعمليات الهدم المستمرة لمقابر الإمام الشافعي، وتحديداً قبر الشاعر أحمد شوقي، مرفقة ببيت شعر لشوقي "وطني لو شغلتُ بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي"، وهل هكذا يكون رد الوطن عليه؟ 

 وأخيراً.. ليس المادة هي ما نريد الحفاظ عليه، ولكنها روح التاريخ، عبق الماضي وأثره الخالد، رائحة الآباء والأجداد، وسيرتهم العطرة، كفاح الأبطال والقادة والعلماء، ملجأ المساكين والغلابة والفقراء في بلادي، الأثر الذي يُشعرنا بما كنّا وما يمكن أن نكونه في المستقبل، الأثر الذي يؤكد لنا أننا باستطاعتنا أن نكون أمة سيدة وسط الأمم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي بكري
صحفي ومنتج برامج تلفزيونية
صحفي ومنتج برامج تلفزيونية
تحميل المزيد