ينقطع الجدال عندما "يشهد شاهد من أهلها". نقصد هنا الحادثة الأخيرة التي أثارت ضجة إعلامية واسعة إثر نشر بعض الوسائل الإعلامية الإسرائيلية خبر لقاء جمع وزيرة الخارجية الليبية "نجلاء المنقوش" بوزير الخارجية الإسرائيلي "إيلي كوهين". والشاهد هنا هو زعيم المعارضة الإسرائيلية "يائير لابيد"، الذي وصف تسريب اللقاء بأنه تصرف غير مسؤول. ويتابع لابيد سائلاً دول العالم التي تابعت هذا التسريب: هل هذه دولة يمكننا أن نقيم معها علاقات خارجية؟ وهل هذه دولة يمكنك الوثوق بها؟
في الحقيقة لقد جاء تسريب حدوث مثل هذا اللقاء متعمداً من قبل الإسرائيليين؛ لأنهم أرادوا أن يحركوا المياه الراكدة على صعيد التطبيع العربي الإسرائيلي. وتأتي هذه التحركات خصوصاً بعد رفض السعودية التطبيع مع إسرائيل، وامتناع معظم الدول العربية عن توقيع اتفاقيات سلام مع الكيان المحتل.
ولا تنحصر آثار صعود اليمين المتطرف إلى السلطة عند امتناع دول جديدة عن التطبيع مع إسرائيل، بل يبدو أن الدول العربية التي طبّعت مع إسرائيل في أغسطس/آب 2020 تقوم بتجميد عملية التطبيع هذه. وليست مصادفة أن يشهد شهر أغسطس/آب (أي الذكرى الثالثة لتوقيع اتفاق أبراهام) تحركات صريحة من قبل الدول العربية المطبعة ضد إسرائيل.
ففي الثامن من أغسطس/آب التقى وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان برئيس الوزراء الأسبق وزعيم المعارضة الحالي "يائير لابيد" في روما لمدة 3 ساعات. وما تم تسريبه من هذا اللقاء هو مناقشة ما سُمّي بالتعاون الاستراتيجي والعلاقات الثنائية مع دول الخليج، وتطوير المشاريع ومواصلة التعاون لتحقيق المصالح المشتركة. المثير للاهتمام في هذه الحادثة هو ردة فعل وزير الخارجية الحالي "كوهين" الذي انتقد اللقاء ووصف لابيد بأنه رجل يحب الأضواء.
وفي ظل امتناع الحكومة الإماراتية عن استقبال أية شخصية رسمية من حكومة نتنياهو، فقد توالت الأحداث التي رفعت من حدة الموقف؛ حيث نقلت قناة "مكان" التابعة لهيئة البث العبري، بتاريخ 11 أغسطس/آب، أن الإمارات منعت قرابة 170 راكباً قادمين على متن رحلة من مطار "بن غوريون" في "تل أبيب" من دخول أراضيها، دون معرفة الأسباب. وأشارت القناة إلى أن السلطات في دولة الإمارات منعت ركاب رحلة جوية قادمة من "تل أبيب" على متن طائرة تابعة لشركة "ويز إير"، من دخول الأراضي الإماراتية.
وبعد أيام قليلة فقط، دعت الإمارات في مجلس الأمن، إلى وقف الممارسات القمعية تجاه الفلسطينيين، مطالبة المجتمع الدولي بوضع ثقله في التعامل مع المسألة الفلسطينية كملف ذي أولوية. وفي بيان أبوظبي في مجلس الأمن بشأن الحالة في الشرق الأوسط، أكدت أميرة الحفيتي، نائبة المندوبة الدائمة للإمارات والقائمة بالأعمال بالإنابة، أن الأوضاع المتدهورة التي تشهدها الأرض الفلسطينية المحتلة، ومنها أحداث الأيام الأخيرة، ما هي إلا نتيجة حتمية لغياب أفق الحل السياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. على الرغم من التذبذب في الموقف، إلا أن جميع ما سبق يشير بشكل قاطع إلى أن الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات، تُعيد تقييم ملف التطبيع مع إسرائيل، خصوصاً بعد صعود حكومة نتنياهو المتطرفة إلى سدة الحكم مرة أخرى.
وبالعودة إلى ليبيا أقيلت وزيرة الخارجية، نجلاء المنقوش، بعد أن أثار لقاؤها بنظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين، الأسبوع الماضي في إيطاليا، احتجاجات غاضبة في مدن ليبية، وتمت إحالتها للتحقيق فور تداول الخبر. بالإضافة لذلك، طالبت شخصيات ليبية، النائب العام بفتح تحقيق قضائي بخصوص هذا الشأن. وأضاف أن الدبيبة، خلال لقائه السفير الفلسطيني لدى ليبيا محمد رحال، أكد دعم ليبيا للقضية الفلسطينية، وأن ما قامت به المنقوش "لا يمثل موقف الحكومة والشعب".
ولا بد لنا من أن نشير مرة أخرى إلى وقوف الشعوب العربية مع القضية الفلسطينية العادلة، خصوصاً أنها آخر حركات التحرر في العالم، والتي تكافح من أجل استعادة حقوقها المشروعة في الحرية والأرض والعيش بسلام. لقد أثبت الشعب الليبي مرة أخرى عبر مظاهراته الرافضة لهذا اللقاء كيف أن الشعوب هي صاحبة القرار الأول والأخير في إقامة العلاقات مع الأعداء، وكيف أن هذا الشعب لم تغيره ظروف الحرب أو الأزمات الاقتصادية، ولم تمنعه من الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ضد أخطر وأكثر الحكومات تطرفاً حول العالم.
ختاماً.. الخطوات الإماراتية التي جاءت معارضة لحكومة نتنياهو، والتي باتت تأخذ منحىً جديداً في التعامل مع هذه الحكومة من جهة، وتعليق وزيرة الخارجية الليبية عن العمل، وفتح تحقيق حول لقائها مع وزير الخارجية الإسرائيلية في إيطاليا من جهة أخرى، تشير إلى أمرين مهمين للغاية: أولهما أن هناك عملية مراجعة وتقييم لمدى جدوى تأسيس وتعزيز مثل هذه العلاقات. وثانيهما يشير إلى أن الشعوب العربية هي صاحبة القرار، وأن الضمير العربي لا يزال ينبض بالقضية الفلسطينية ويدعم مطالبها المشروعة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.