لعب فريق برشلونة موسمه الجديد في الكرة الإسبانية، موسم 2023-2024 من المباراة الافتتاحية المعتادة بالنسبة للنادي الكتالوني؛ وهي مباراة كأس خوان غامبر.
في هذه النسخة، التقى برشلونة مع فريق توتنهام الإنجليزي على ملعب مونتجويك؛ وهو الملعب الجديد الذي سيستمر عليه نادي برشلونة لمدة موسمين، لحين تطوير ملعبه الكامب نو الذي سيتحول اسمه في عام 2025 إلى "سبوتيفاي الكامب نو".
كان وصول برشلونة إلى المونتجويك صعباً، بعد مباراة قدم خلالها الفريق الكتالوني نسخة باهتة تماماً أمام فريق إنجليزي يتخلف عنه القائد هاري كين، المُنتقل حديثاً لصفوف نادي بايرن ميونخ الألماني.
توتنهام ظل متقدماً في النتيجة منذ الشوط الأول؛ إلى أن وصلت الدقيقة 80 من عمر اللقاء، وسط غضب الجماهير الحاضرة، لم يُدرك أحد أن تشافي هيرنانديز، مدرب برشلونة، قد دفع بعدة تبديلات، بينها تبديل بخروج قلب الدفاع إيريك جارسيا والمخاطرة بالدفع بجناح اسمه "لامين يامال".
لامين يمال بالمناسبة؛ هو أصغر لاعب في تاريخ نادي برشلونة تمثيلاً له في إطار منافسات الليغا الإسبانية حينما حل بديلاً في فوز برشلونة على فريق ريال بيتيس برباعية نظيفة على ملعب الكامب نو في عام 2023.
لكن إدراجه في بداية موسم صعب، عاش فيه برشلونة حالة من حالات الاستياء بعد فشل عودة ميسي إلى الفريق، والتخبطات المالية الكبيرة التي تعصف به وتمنعه من إبرام صفقات لها اسمها ومساعدته في وضعيته السيئة للغاية؛ كان أمراً يستحق التوقف عنده.
بعد دقيقة من نزوله أمام توتنهام؛ تحول فريق توتنهام إلى مجموعة رجال يُطاردون طفلاً صغيراً، وهو ماهر للغاية في إسقاطهم، بعد دقيقة واحدة كان لامين يامال مُتسبباً في تحقيق برشلونة للقب خوان غامبر أمام جماهيره التي لم يكن لها أن تُغادر حزينة!
لكن ما وراء لامين يامال أكبر بكثير من أن يكون الأمر محض صدفة..
قصة "لامين يامال" غريبة بعض الشيء..
يبدو غريباً؛ أن تكون الجالية العربية في بعض الدول الأوروبية قادرة على التعايش مع بيئات مختلفة، بل حتى الزواج من أشخاص لا يُشبهونهم، لا في اللغة ولا حتى في الثقافة نفسها.
لامين يامال منير نصراوي، أو لامين يامال منير إيبانا؛ الاسم الأول يعود لوالده المغربي، والاسم الثاني يعود لوالدته التي هي من غينيا الاستوائية، وبين هذا الاختلاف الثقافي والعرقي الكبير، ولد لامين يامال في إسبانيا!
والده منير نصراوي؛ يبدو شخصاً حد الطباع، تم تسجيل مقطع له وهو يتشاجر مع أحد الأشخاص في المناطق التي حددتها الشرطة فيما بعد، وتبين أن والده كان يسبُّ من يتشاجر معه بألفاظ تم تسجيلها في ملف القضية..
منير نصراوي هو مشجع لريال مدريد في الأصل، تمت دعوته أكثر من مرة لحضور مباريات ريال مدريد من داخل ملعب البيرنابيو ومن قبل رئيس النادي الإسباني فلورنتينو بيريز.
لكن من الواضح أن شيلا إيبانا؛ الأم من غينيا الاستوائية، قد اتفقت مع والده على إدراج لامين في أكاديمية نادي برشلونة، التي فيما بعد سيقضي فيها الصغير أكثر من نصف عمره!
نعم، هذه ليست مبالغة، لامين يامال وُلد في عام 2007، والتحق بأكاديمية نادي برشلونة في عام 2014؛ أي عندما كان عُمره حوالي ست سنوات، لا أكثر ولا أقل، وهي مدة طويلة للغاية في حقيقتها، لكنها قصيرة في حقيقة ما حدث له داخل الأكاديمية.
مدربو أكاديمية برشلونة، يُحاولون دائماً تصفية المواهب إلى قسمين: قسم يتخذ مساراً طبيعياً للغاية حتى يتم تصعيده إلى الفريق الأول، وهناك يقرر الفريق الأول مصيره، وقسم ثانٍ يتم منحه امتيازات كبيرة تسمح له بالترقي سريعاً.
لامين يامال مثّل نادي برشلونة وهو في الخامسة عشرة من عمره؛ وهي مرحلة عمرية تستدعي أن يكون في الفئة الأصغر سناً على أقل تقدير، لكن ما حدث له أنه حصل على ترقيات كبيرة جعلته يمر على فئات سنية أكبر بكثير من عمره الأصلي.
وكان يلعب حسبما يستدعي الموقف منه؛ فلعب في مركز المهاجم الصريح، وشغل مركز الظهير الأيسر، وفي كل مرة كان يُقدم ما عليه وزيادة، وأشاد مدربوه بأنه لاعب يتمتع بموهبة فنية عالية وواضحة، وفي المقابل لا يتعامل على أساس أنه النجم الأول والأوحد للفريق، ولا يشعر بضرورة أن يفرض شخصيته على من منعه، بحيث يعتمد بشكل كلي على التعاون بينه وبين الفريق.
وهو ما تأكد لنا بالفعل في اللمحات الأولى عنه؛ هو لاعب موهوب ولديه قدرة كبيرة على المراوغة، لكنه ليس أنانياً، لا يشعر باستحقاقية التسجيل والصناعة والمراوغة في آنٍ واحد، وتبدو من مؤشرات شخصيته الأولية أنه بالفعل يُحب اللعب الجماعي ولا يتمتع بالرغبة في إظهار نفسه كرجل أكبر من عمره!
مُعضلة ميسي!
كانت مشكلة ميسي الدائمة في الأرجنتين؛ أنه وُلد في دولة يصعب التنافس فيها، دولة أسطورتها دييغو أرماندو مارادونا، وهي فكرة تُبدد فكرة المقارنة منذ البداية، وهي مشكلة احتاج ميسي نفسه لسنوات للتغلب عليها.
لكن وإن كان ميسي يُواجه شبحاً في ثوب الأرجنتين، فإن الحياة هكذا؛ لك وعليك، وما تركه ميسي في برشلونة جعله هو الشبح الأعظم الذي يصعب هزيمته بسهولة من خلال الابتكارات ولا حتى الاستنساخات!
المواهب الكتالونية بمجرد أن تظهر للشاشات؛ تتم مقارنتها بأساطير الفريق، وهو أمر طبيعي إذا ما نظرنا إليه بأفق أوسع في العالم كله وكرة القدم ككل، لكن في كتالونيا يبدو أن المدينة تنتظر المُخلص، الذي يأتي لينتشل المدينة من كل هذه الفوضى..
وفي الحقيقة؛ هذه هي المشكلة الكُبرى بالنسبة لبرشلونة كنادٍ، وكتالونيا كإقليم؛ ينتظرون أن يُولد ميسي جديد وبوسكيتس جديد وإنييستا جديد وتشافي جديد… إلخ.
لكنهم لا يُعاملون الموهوب لأنه هو؛ هذه هي الضريبة التي يدفعها كل طفل لديه قدر كبير من الموهبة في برشلونة، وبالضرورة ينعكس هذا الظل على الصور الحقيقية للاعبين الأصغر سناً، فلا هُم يظهرون بصورتهم الحقيقية، ولا هُم في المقابل يُجيدون تقمص دور البطل الذي يعتقده الجمهور عنهم.
لكن دعني أخبرك أن لامين يامال، قد شاء الله له أن يحظى بلحظات شبيهة بالتي حققها ليونيل ميسي في نفس المرحلة العُمرية، وربما كان ميسي في مرحلة أكبر بكثير من لامين.
كأس خوان غامبر بالنسبة لنادي برشلونة؛ هو المسرح الأفضل لاكتشاف المواهب، وكان السبب الرئيسي في تقديم لامين يمال، على أنه ليونيل ميسي القادم، حينما لعب بقميص الفريق المباراة الرسمية أمام توتنهام.
ذكرهم لامين بمستوى ليونيل ميسي في كأس خوان غامبر في عام 2005 أمام فريق يوفنتوس الإيطالي، وبالفعل كان أداء لامين يامال أمام توتنهام الإنجليزي؛ هو أفضل أداء لناشئ في البطولة منذ ذلك الوقت.
لامين احتاج لدقيقة واحدة فقط؛ لكي يتعادل لبرشلونة بعد نزوله، لعب حوالي 13 دقيقة كان خلالها من أهم أسباب فوز برشلونة بعد تأخره.
في عام 2005، يحكي المدافع الفرنسي ليليان تورام، والذي كان في صفوف نادي يوفنتوس لكنه اعتذر عن عدم الذهاب مع بعثة الفريق للكامب نو، قال إنه، بعد عودة زملائه من المباراة كانوا منبهرين بلاعب اسمه "ليونيل ميسي" ورقمه 30 في برشلونة.
فابيو كابيللو، مدرب يوفنتوس أثناء المباراة، قال إنه بعد مرور حوالي 20 دقيقة من بدايتها تحدث مع فرانك ريكارد وطلب منه الحصول على توقيع الأرجنتيني الشاب، ولو على سبيل الإعارة!
في الوقت نفسه، ربما تُبالغ الصحافة الكتالونية في مدح المواهب؛ لكن حديثهم عن التشابه الكبير بين بداية مسيرة لامين يامال وميسي ليس مبالغة إطلاقاً!
أول بطولة استطاع من خلالها لامين يامال أن يُثبت نفسه؛ هي البطولة الودية خوان غامبر بعد نزوله كبديل أمام توتنهام، وإشادة العالم كله به بعدها، وهي نفس البطولة اللي كانت بمثابة نقلة في مسيرة ميسي، بعد ثناء فابيو كابيللو عليه في عام 2005 بين برشلونة ويوفنتوس.
بأسيست لميسي وكذلك لامين يامال؛ يامال في مباراة الجولة الرابعة من بطولة الليغا الإسبانية عام 2023 أمام فياريال هو أول موهبة من مواهب النادي تنال تصفيق جماهير الخصم في ملعبها أثناء استبداله بسبب مستواه خلال المباراة، بعد موهبة النادي ليونيل ميسي في عام 2005 أثناء استبداله أمام قادش وتصفيق جماهير قادش له أثناء خروجه بسبب مستواه خلال المباراة!
يشاء الله أن بعض اللحظات يتم استنساخها من جديد، لكن بأشخاص مختلفين..
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.