في قمتها الـ15 بجنوب إفريقيا (مند إنشائها في 2009) وبحضور قادة دول أعضائها، إلا روسيا التي مثلها وزير خارجيتها، وبعد قرارها بتأسيس ما يُعرف بـ"بنك التنمية الجديد" والمشهور باسم "بنك بريكس" في 2014، كان لبريكس ما يعتبر ثاني أهم إنجاز، وهو انتصارها لتوسعة عضويتها ودعوتها لـ6 دول للانضمام ابتداء من منتصف السنة القادمة (2024)، وواجه صدور هذا القرار صعوبات؛ نظراً للاختلاف في مبدأ وكيفيات التوسعة بين الأعضاء الخمسة، وللاهتمام الواسع بالعضوية في التكتل، بحيث عبرت أكثر من 40 دولة عن رغبتها في الانضمام بينما قدمت 22 منها طلباً رسمياً لذلك.
ويمكن تفسير هذا الانجذاب لأهمية حجم "البريكس" وما تمثله في الاقتصاد العالمي، فحتى نهاية 2022 قدر مجموع إنتاجها الخام بـ44 تريليون دولار، وتسيطر على 17% من التجارة العالمية، كما تشغل 27% من مساحة اليابسة في العالم (حوالي 40 مليون كم2).
فإذا كان قرار إنشاء البنك هدفه الأكبر التخلص التدريجي من هيمنة الدولار والوصول إلى عملة موحدة، فقرار ،ولو لم تسبقه رؤية موحدة ومتجانسة، فالهدف منه توسيع نفوذ التكتل للتأثير أكثر في السياسة العالمية، وهذا ما يفسر ما ظهر من خلاف حولها، وجاء القرار بضم 6 دول دون غيرها من الـ22 دولة مرشحة غريباً وغير مفهوم على أي أسس بُني، هل على معايير اقتصادية صرفة؟ أم سياسية أوجيوسياسية صرفة؟ أم هي خليط بينها؟
معايير الاختيار
غلب على التحاليل المبررة لاختيار الـ6 دول دون غيرها اعتماد خليط من المعايير الجيوسياسية والسياسية، وحتى يمكننا توضيح الصورة نحاول مقارنة الجزائر كدولة سابعة لم تنل العضوية في هذه القمة بالدول الـمختارة، فنجد أن ترتب كما يلي:
1- معيار الناتج الداخلي الخام:
١- السعودية (1108 مليارات دولار)، ٢- الأرجنتين (633 مليار دولار)، ٣- الإمارات (508 مليارات دولار)، ٤- مصر (447 مليار دولار)، ٥- إيران (389 مليار دولار)، ٦- الجزائر (192 مليار دولار)، وأخيراً إثيوبيا بـ127 مليار دولار.
2- بمعيار معدل التضخم نجد: ١- الإمارات (2.07 %)، ٢- السعودية (2.3%)، ٣- الجزائر (9.10 %)، ٤- إثيوبيا(28.8%)، ٥-مصر(36.5 %) ، ، ٦-إيران(39.4 %)، وأخيرا الأرجنتين بـ(113 %).
3-بمعيار معدل البطالة نجد :١-الإمارات(2.75%)، ٢-السعودية (5.1%)،٣- الأرجنتين(6.9%)، ٤- مصر(7%)،٥- إيران (9.7%)، ٦- الجزائر (12.7%)، وفي الرتبة الأخيرة إثيوبيا (29.3%).
4- بمعيار المساحة نجد: ١- الأرجنتين (2.78مليون كم2)، ٢- الجزائر(2.38 مليون كم2)، ٣- السعودية(2.15مليون كم2)- ٤- إيران(1.648 مليون كم2)،
٥- إثيوبيا (1.112 مليون كم2)، ٦- مصر (1.002 مليون كم2)، وفي الرتبة الأخيرة الإمارات (83.6 ألف كم2).
5- بمعيار عدد السكان نجد: ١- إثيوبيا (123 مليون نسمة)، ٢- مصر (104 مليون نسمة)، ٣- إيران (84.1 مليون نسمة)، ٤- الأرجنتين (46.24 مليون نسمة).
٥- الجزائر (44.90 مليون نسمة)، ٦- السعودية (32.18 مليون نسمة)، وفي الرتبة الأخيرة الإمارات (9.44 مليون نسمة).
فإذا وضعنا تنقيطاً لكل رتبة لمختلف هذه المعايير (على اعتبار أنها متساوية) بحيث نمنح النقطة 60 للحاصل على الرتبة الأولى، و50 للحاصل على الرتبة 2.. وهكذا حتى نصل إلى النقطة 0 للحاصل على الرتبة الأخيرة نحصل على ترتيب الدول الاستحقاقي كما يلي:
1-السعودية بـ210 نقاط، 2- الأرجنتين بـ180 نقطة، 3- الإمارات بـ160 نقطة، 4- مصر بـ140 نقطة، 5- الجزائر بـ130نقطة، 6-إيران بـ120 نقطة، 7-إثيوبيا بـ90 نقطة.
ومنه نصل إلى النتيجة، أنه بمنطق حسابي كانت حظوظ الجزائر أوفر لنيل العضوية أمام كل من إيران وإثيوبيا، وليست بعيدة عن مصر.
العامل السياسي
في تقديري هو العامل الحاسم في قرار الاختيار، فمجموعة بريكس همها الأول توسيع النفوذ لنيل مكاسب اقتصادية أكبر، وبحسب تصريحات بعض قاداتها يمكن أن نستخلص بعض ضوابط الاختيار:
١- اختاروا الدول التي تملك إمكانيات مالية كبيرة؛ لتوسيع قدرة المجموعة على التمويل، ويظهر هذا في اختيار السعودية والإمارات..
٢- اختاروا الدول ذات الكثافة السكانية، على اعتبار أنها أسواق واعدة، ويظهر هذا في اختيار إثيوبيا ومصر وإيران.
٣- انتصروا لاختيار إيران ومصر بدافع جيوسياسي أيضاً، فكلاهما يطل على شريان من شرايين التجارة العالمية (مضيق هرمز، وقناة السويس) على الترتيب.
٤- من قبل انعقاد القمة الإصرار البرازيلي كان واضحاً على ضم الأرجنتي، الجارة والحليف الأمريكي بغضّ النظر عن المعايير الاقتصادية التي ليست في صالحها.
٥- ونفس الشيء يُقال بحدة أكبر عن إثيوبيا، فبالإضافة إلى العوامل الاقتصادية السلبية التي لا تشجع على ضمها، فهي دولة غير ساحلية وغير مستقرة، فالصراعات الإثنية والتحديات الأمنية المهددة لوحدتها لم تتوقف ولا تنتهي.
العوامل التي عملت ضد الجزائر
بالإضافة إلى معايير الاختيار غير الواضحة، يمكن أن نستنتج عدة عوامل مختلفة منطقية إلى حد ما، عملت ضد اختيار الجزائر، مثل:
١- نظامها المصرفي المتأخر جداً، والذي يحتاج إصلاحات كبيرة لمواكبة التطورات العالمية، فيكفي للتدليل على ذلك أن شبكة التعاملات المالية لبريد الجزائر متقدمة جداً عن مثيلاتها في البنوك التي ما زالت لم تخرج من ثقافة المؤسسة الإدارية إلى منطق المؤسسة المالية.
٢- ضعف مبادلاتها التجارية مع الدول الأعضاء في "بريكس"، فلو استثنينا الصين وروسيا، فالباقي التعامل التجاري معهم ضعيف إلى منعدم.
٣- الغياب الكبير للجزائر عن الساحة الدولية لأكثر من عشرية، ليس من السهل تعويضه في سنة أو سنتين من النشاط.
٤- داء الجزائر المزمن، وهو اعتمادها على اقتصاد الريع، وهو اقتصاد قلق مهدد في أي لحظة، والمطلوب اقتصاد متنوع يحتمل الصدمات.
النتيجة: بشيء من الاهتمام والجهد يمكن للجزائر القارة بطاقاتها البشرية ومساحتها الواسعة وأقاليمها المناخية، ومنها الزراعية المتباينة وثرواتها المختلفة أن تبني في أقل وقت نظام اقتصادي فعال تحقق من خلاله أمنها الغذائي والطاقوي، وتلعب دورها كدولة محورية في فضائها الجغرافي والحضاري.
ملاحظة: كل الدول الـ6 المختارة رحّبت بدعوة "بريكس"، إلا السعودية التي علقت بقولها سندرس الدعوة!، وهذا يدل ربما على أن السعودية لم تكن جادة بطلبها الانضمام، إنما هي ورقة ضغط للحصول على تنازلات عند راعيها وكافلها الوحيد الولايات المتحدة، بمنطق التهديد بإعادة الزواج..!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.