في بداية القرن العشرين، لم يكن تعليم المرأة أولوية قصوى، لدى معظم العائلات العربية. وإن حصلت عليه فكان لا يتجاوز تعليمها أساسيات القراءة والكتابة. لكن كلثوم عودة، التي يدور حولها هذا المقال، كسرت هذه القاعدة، لتكون أول امرأة عربية فلسطينية، تحصل على شهادة الدكتوراه.
من هي كلثوم عودة؟
في بداية القرن العشرين، لم يكن تعليم المرأة أولوية قصوى، لدى معظم العائلات العربية. وإن حصلت عليه فكان لا يتجاوز تعليمها أساسيات القراءة والكتابة. لكن كلثوم عودة، التي يدور حولها هذا المقال، كسرت هذه القاعدة، لتكون أول امرأة عربية فلسطينية، تحصل على شهادة الدكتوراه.
في الناصرة، ولدت كلثوم عام 1892. لتكون خامس بنات هذه العائلة الفلسطينية، لكنها لم تُقابَل بالترحاب، وعانت كثيراً من نبذ والديها لها، واتهام أمها المستمر لها بالقبح. تصف الدكتورة كلثوم عودة ذلك في مذكراتها:
"لقد استقبل ظهوري في هذا العالم بالدموع، والكل يعلم كيف تستقبل ولادة البنت عندنا نحن العرب. وخصوصاً إذا كانت هذه التعسة خامسة أخواتها، في عائلة لم يرزقها الله صبياً، وهذه الكراهية رافقتني منذ صغري، فلم أذكر أن والديّ عطفا علي يوماً، وزاد في كراهيتهما لي، زعمهما أني قبيحة الصورة. فنشأت قليلة الكلام كتومة، أتجنب الناس، ولا هم لي سوى التعليم. ولم أذكر أن أحداً في بيتنا دعاني في صغري سوى "يا ست سكوت" أو يا "سلولة". وانكبابي على التعليم، في بادئ الأمر، نشأ من كثرة ما كنت أسمع من أمي "مين ياخذك يا سلولة، بتبقي كل عمرك عند امرأة أخوك خدامة".
تنمر والدتها الدائم على شكلها، وادعاؤها بأنَّ من يذهبن إلى المدرسة هن القبيحات، أو ذوات العاهات اللاتي لا يأملن الحصول على زوج، كان دافع كلثوم للدراسة. فأتمت تعليمها في المدرسة الروسية في بيت جالا، وبعد التخرج عملت كمعلمة في مدارس الجمعية الروسية في الناصرة. وكتبت المقالات في مجلات يافا والقاهرة وبيروت.
خلال عملها في الجمعية الروسية، تعرفت على الطبيب الروسي إيفان فاسيليف، الذي كان يعمل في مستشفى الجمعية الروسية، فجمعهما الحب. لكن عائلتها رفضت هذه العلاقة، ولم تسمح لهما بالزواج، مما دفعها لطلب المساعدة من قريبها نجيب عودة، الذي قام بتزويجهما في القدس، لترضخ عائلتها في النهاية للأمر الواقع.
في عام 1914، وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، غادرت كلثوم عودة فلسطين، برفقة زوجها إلى روسيا. لكن ما لبث أن توفي زوجها سريعاً، بمرض التيفوئيد بعد مرور 5 سنوات فقط على زواجهما، رزقا خلالها بثلاث بنات. لتبدأ رحلة كفاح أخرى لكلثوم، التي من أجل إعالة بناتها، اضطرت للعمل في حقول أوكرانيا، لمدة 5 سنوات.
عندما عادت إلى موسكو، التحقت بكلية اللغات الشرقية في جامعة سان بطرسبورغ لتدريس اللغة العربية، في الوقت نفسه، تابعت دراستها حتى حصلت على شهادة الدكتوراه، في اللهجات العربية، عام 1928، لتصبح أول امرأة عربية تحصل على هذه الدرجة العلمية.
في نفس السنة التي حازت فيها على درجة الدكتوراه، عام 1928، عادت برفقة بناتها إلى فلسطين لأول مرة منذ مغادرتها، لزيارة عائلتها، والتقت عدداً من الشخصيات الفلسطينية، من بينهم المفتي أمين الحسيني.
بعد عودتها إلى موسكو، عادت إلى التدريس، فدرست في جامعة ليننغراد، ومعهد الاستشراق، ومعهد العلاقات الدولية، وفي المدرسة الدبلوماسية العليا, حيث تخرج على يديها عدد من أهم المستشرقين الروس.
إلى جانب التدريس، قامت كلثوم عودة بترجمة أعمال أدبية وكتب مختلفة بين العربية والروسية، حيث كانت تؤمن بأهمية الأدب والترجمة في التقارب بين الشعوب.
في عام 1948 عندما تم إعلان دولة إسرائيل، الأمر الذي شكل صدمة لكلثوم مثلما صدم كل عربي. اعترف الاتحاد السوفييتي بالكيان الصهيوني، فوجهت رسالة احتجاج إلى ستالين، مما دعاه لإيداعها السجن، ولم تخرج منه إلا بعد وساطة وتدخل عدد من العلماء والمفكرين الروس للدفاع عنها.
ورغم بعدها عن مسرح الأحداث في فلسطين، لم يخفَ على كل من عرفها تأثرها بالقضية الفلسطينية. تقول تلميذتها المستشرقة الروسية ناتاليا لوتسكايا: "لقد غرست كلثوم فينا حب فلسطين، لقد غرست في قلوبنا محبة شعبكم، الذي ناضل وما يزال يناضل، من أجل حريته واستقلاله".
انتهت حياة هذه السيدة الاستثنائية، عام 1965. ودُفنت في مقبرة الأدباء والعظماء في موسكو. بعد أن مُنحت وسام الصداقة بين الشعوب السوفييتية، كما تم منحها، بعد وفاتها، وسام القدس للثقافة والفنون والآداب من منظمة التحرير الفلسطينية.
رغم مضي ما يزيد على نصف قرن على وفاتها، إلا أن البروفيسورة كلثوم عودة تمثل المرأة الفلسطينية العصامية، التي تحدت التنمر، والجهل، والعادات البالية، لتصبح أيقونة وقدوة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.