“أغفر كل شيء إلا الخيانة”.. موت بريغوجين والنهاية المشتركة لأعداء بوتين

عدد القراءات
751
عربي بوست
تم النشر: 2023/08/24 الساعة 10:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/24 الساعة 10:03 بتوقيت غرينتش
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وزعيم فاغنر بريغوجين الذي مات في تحطم طائرته الخاصة - عربي بوست

تفيد تقارير بأنَّ يفغيني بريغوجين، قائد مجموعة فاغنر، وهي واحدة من أشهر الشركات العسكرية الخاصة في العالم، كان على متن طائرة خاصة تابعة لفاغنر تحطمت مساء أمس، الأربعاء 23 أغسطس/آب، في طريقها من مدينة سانت بطرسبرغ إلى موسكو. ظهر بريغوجين على جدول الأعمال بحركة تمرد بدأها قبل نحو شهرين، وفي حين كان هنالك انتظار بفضول لمعرفة رد فعل بوتين، فإنَّ هذا الأخير قد عفا عنه وأخرجه من البلاد. واستمر بريغوجين، الذي شُوهِدَ في البداية في بيلاروسيا ثُمَّ في إفريقيا، في خدمة المصالح الروسية من خلال فاغنر.

موت بريغوجين
قائد مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين/ رويترز

وكان كل الأشخاص العشرة على متن الطائرة التي تحطَّمت من فريق القيادة العليا لفاغنر. ويظهر في اللقطات التي نُشِرَت للطائرة المتحطمة ما يبدو انفجاراً. من ناحية، هنالك ادعاءات بأنَّ الطائرة استُهدِفَت بصاروخ، وأنَّ هذا هو سبب حدوث انفجار ثُمَّ تحطم الطائرة. لكن في التحليل التفصيلي للفيديو، يمكن رؤية أنَّ الانفجار الذي شهدته الطائرة كان انفجاراً داخلياً، ومن الواضح أنَّ هذا ليس من قبيل الصدفة؛ فوقوع هجوم أو عملية اغتيال هو الاحتمال الأكثر واقعية، لأنَّه بالإمكان القول إنَّ إسقاط طائرة هو أحد أشهر وسائل الاغتيال، ولو أنَّه ليس بشهرة التسميم.

 مَن إذاً يمكن أن يكون اغتال هذا القائد المرتزق؟ إجابة هذا السؤال واضحة بالنسبة للبعض، وأحد هؤلاء هو الرئيس الأمريكي جو بايدن. فبعد حركة التمرد من جانب بريغوجين، أصدر بايدن تصريحاً قال فيه: "لو كنتُ مكانه لراقبتُ ما آكله"، في إشارة ضمنية إلى أنَّ بوتين لن يغفر له مثل هذه الخيانة. وقال بايدن اليوم عن موت بريغوجين: "لا أعلم الحقيقة بالضبط، لكنَّني لستُ متفاجئاً"، في إشارة ضمنية إلى أنَّ ادعاءه السابق قد تحقق.

تزعم مصادر مختلفة أنَّ فاغنر تلقي باللوم على الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو في موت زعيمها. بالإضافة إلى ذلك، تتضمَّن الصور المزعومة لجنود فاغنر رسائل "ثأر" من جانب الجنود. لكن حتى لو كانت هذه الصور صحيحة، فليس من الواقعي أن يسعى أفراد شركة عسكرية خاصة للثأر؛ فالشركات العسكرية الخاصة هي بالأساس منظمات مرتزقة منظمة. وكان المرتزقة دائماً تقريباً عبارة عن منظمات معتمدة على القائد، وحين يموت قائدهم أو يتغيَّر، فإنَّهم يندمجون بسهولة مع القائد التالي. بالتالي، بصرف النظر عمَّن قتل بريغوجين، فإنَّه لا توجد منظمة تسعى للانتقام لمقتله.

المشتبه به الأكبر في إسقاط الطائرة، مثلما يمكن أن تُخمِّنوا جميعاً، هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فحقيقة أنَّ قائد فاغنر، الذي كان مقرباً جداً منه، شنَّ تمرداً، قد وضعت بريغوجين بالفعل في مرمى النيران. ولو كان بوتين أخضع بريغوجين للمحاكمة بعد التمرد، لكانت تلك عملية طويلة، وما كانت لتُمثِّل عقاباً حقيقياً في نظر بوتين. لكن إذا ما قبلنا بفكرة أنَّ بريغوجين اغتيل بأوامر بوتين، فإنَّ هذا سيُمثِّل عقاباً شديداً أكثر انسجاماً مع الفكرة التي رددها بوتين كثيراً بأنَّه "لا غفران للخيانة". وهنالك أيضاً مزاعم بأنَّ بوتين أمر باغتيال آخرين في ظروف شبيهة.

ففي السابق، أدَّت الوفيات المريبة لبعض الشخصيات البارزة التي انتقدت (أو زُعِمَ أنَّها انتقدت) الحرب الروسية الأوكرانية علانيةً إلى مزاعم مماثلة بوقوع عمليات اغتيال. فمن المعروف أنَّ رجل الأعمال الروسي بافل أنتوف سقط من نافذة في أحد الفنادق إلى حتفه بعد مزاعم بأنَّه ألقى كلمةً مناهضةً للحرب. وبالمثل، يُزعَم أنَّ رافيل ماغنوف، مدير شركة لوك أويل، سقط من نافذة في إحدى المستشفيات إلى حتفه بعد الإدلاء بتصريحات مناهضة للحرب. وعانى رجل الأعمال دان رابابورت من مصير مماثل بعد خطابه المناهض للحرب والداعم لأوكرانيا، وعُثِرَ عليه ميتاً في الخارج. ومن المعروف أنَّ آخرين ماتوا لأسباب مختلفة بعد الانتقاد العلني لسياسات إدارة بوتين. وبطبيعة الحال، لا توجد أدلة كافية للقول بأنَّ إدارة بوتين كانت وراء كل هذه الوفيات. لكنَّ حقيقة أنَّ وفيات متشابهة وقعت بطرق متشابهة بعد إصدار تصريحات متشابهة تثير كل علامات الاستفهام في الذهن حول إدارة بوتين. والآن، ربما يرسل موت بريغوجين رسالة أخرى للجميع في روسيا: بصرف النظر عمَّن تكون، استفز الدب وستواجه مخلبه!

بعد موت بريغوجين، أصبح موقف فاغنر هو أكبر علامة استفهام، لأنَّ منظمات المرتزقة، كما ذكرتُ سلفاً، تكون بطبيعتها بعيدة كل البعد عن السعي وراء أفكار مثل "الثأر". وفي الغالب سيُنسى موت بريغوجين قريباً. لكن السؤال هو مَن الذي سيتولَّى مسؤولية فاغنر. ففاغنر منظمة ذات أهمية بالغة بالنسبة لروسيا. والأحداث الأخيرة في إفريقيا، حيث هتف الناس بشعارات مؤيدة لروسيا، هي نتيجة لنجاح دعاية فاغنر هناك. ويُعَد المرشح الرئيسي لقيادة فاغنر في الوقت الراهن هو أندريه تروشيف. والعقيد تروشيف هو جندي سابق حارب في أفغانستان والشيشان وسوريا. وبالتالي، فإنَّه يتمتع بخبرة ميدانية حقيقية. وهو يتمتع في الوقت نفسه بعلاقة جيدة مع بوتين، وهو رجل عملي وصارم جداً بطبيعته. وهذا مهم لأنَّ منظمات المرتزقة لها طابع مختلف تماماً عن الجيوش الرسمية للدول. ويمكن السيطرة على المرتزقة من خلال القادة الصارمين أصحاب الإرادة المتينة والقيادة القوية. وهذا أمر بالغ الأهمية كي يبقى تسلسل القيادة في هذه الهياكل سليماً. وبالنظر لكل هذا، قد يُظهِر العقيد تروشيف نفسه في الميدان باعتباره قائد فاغنر في الأيام المقبلة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد إشجان
كاتب وباحث تركي
نائب رئيس مركز العلاقات الدبلوماسية والدراسات السياسية التركي
تحميل المزيد