يتحضر المبعوث الفرنسي الخاص بلبنان، جان إيف لودريان، إلى زيارة بيروت في القريب العاجل، وقد حدد موعد الزيارة في 4 سبتمبر/أيلول المقبل. وقد تم تحديد موعد الزيارة ليأتي بعد انتهاء موعد المهلة الفرنسية للنواب اللبنانيين (31 أغسطس/آب) لتحديد مواصفات الرئيس المقبل للبنان. حيث تلقى 38 نائباً رسالة فرنسية تطالبهم بالإجابة بشكل خطي على سؤالين فقط حول مواصفات رئيس الجمهورية، والأولويات التي يجب على الرئيس المقبل أن يأخذها بعين الاعتبار.
في الحقيقة ما طرحه المبعوث الفرنسي يثير سؤالاً مهماً للغاية؛ وهو: هل الخلاف في لبنان حول مواصفات الرئيس القادم أم اسمه؟
لا يختلف اثنان لا في لبنان ولا في خارجه على أن الخلاف اللبناني-اللبناني حول انتخاب رئيس الجمهورية لا يدخل في دائرة المواصفات، بل يدخل في دائرة الأسماء والتسويات والتنازلات التي تقدمها الأطراف لبعضها للحصول على "رئيس التسوية".
وفيما يبدو فإن المعارضة اللبنانية غير مرتاحة من المبادرة الفرنسية، فقد رفضت عملية الحوار التي دعت إليها المبادرة الفرنسية شكلاً ومضموناً. وهو ما دعا إليه ملحم الرياشي في حزب القوات اللبنانية، والذي أشار خلال مداخلة عن القضايا الحزبية والسياسية في منطقة "بسكنتا" إلى أن الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان يعمل على تقريب وجهات النظر بين الأطراف حول معايير ومواصفات رئاسية مشتركة، وقد يطرح بعد ذلك أسماءً تتم على أساسها دعوة مجلس النواب لانتخاب رئيس من بينها، وإلا سوف تنتهي مهمته من دون أية نتيجة أو خرق في الأزمة الرئاسية، وتداعيات هذا الانسداد لن تكون سهلة. وهو ما أكده بشكل واضح ورسمي رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية عبر القول بأن موقف المعارضة واضح، وهو مواجهة مشروع الممانعة، ورفض وصول مرشح ممانع إلى الرئاسة.
يبدو أن هذه التصريحات تأتي تكريساً لموقف المعارضة الرافض لأية عملية حوار داخلي أو خارجي للتنازل عن الأسماء المطروحة، وهذا يعني بالضرورة أنه، بغض النظر عما يحمله المبعوث الفرنسي، فإنّه سيغادر لبنان خالي الوفاض.
وعلى الجانب الآخر، فإن حلفاء الأمس منخرطون في عملية حوار صعبة للغاية، يحاول فيها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الحصول على امتيازات كبيرة للغاية من حليفه السابق حزب الله.
تتحدث الصحف اللبنانية عن أن عملية حوار التيار الوطني الحر وحزب الله لن تخرج بنتائج قريبة أو عاجلة، وأن باسيل يلعب على عامل الوقت بهدف منع قائد الجيش اللبناني جوزيف عون من الوصول إلى قصر (بعبدا) الرئاسي، وذلك بتمرير المرحلة الحالية دون تفاهمات إلى حين مغادرة قائد الجيش لمنصبه في شهر ديسمبر/كانون الأول. وبينما يصرّ حزب الله على التوافق على وزير الداخلية والبلديات اللبناني السابق، سليمان طوني فرنجية، وطرحه كمرشح ثابت.
ويبدو أن مطالب باسيل باتت شمولية أكثر من أي وقت مضى، فهو يطالب باللامركزية الموسعة والصندوق الائتماني، والذي يعني أن تدخل عائدات المؤسسات الحكومية الكبيرة في صندوق ائتماني واحد يشرف عليه طرف مسيحي. ويبدو أنّ طرح المطالب السابقة قد أوحى للأطراف والفرقاء بأن هناك احتمالية لتخلي باسيل عن طرح اسم جهاد أزعور وإمكانية التوافق على اسم سليمان طوني فرنجية، أو حتى الذهاب إلى خيار ثالث.
إذاً، ومع الرفض القاطع لعملية الحوار من قبل المعارضة، ودخول باسيل في عملية حوار مع حزب الله، يطرح اليوم تساؤل مهم للغاية، وهو: هل كان تقاطع باسيل مع المعارضة قبل أشهر مجرد مناورة سياسية؟
يبدو أن الإجابة على هذا السؤال قد تكون مقدمة لفهم تعقيدات المشهد السياسي في لبنان، ومحاولة توقع الحل هناك. يجب القول في هذا الصدد بأن العلاقة ما بين باسيل وحزب الله لم تصل إلى مرحلة القطيعة الكاملة. والمناورات التي لعبها الطرفان ما كانت إلا تهيئة الظروف لمرحلة ما بعد رئاسة ميشال عون؛ حيث رغب باسيل في لعب هذه المناورات السياسية للحصول على امتيازات جديدة مقابل تجديد ما سُمي قبلاً "بالعهد"، والتي تشير في لبنان إلى فترة حكم رئيس الجمهورية.
ختاماً، تم استباق زيارة لودريان إلى لبنان برفض شديد للحوار من قبل المعارضة، كما أن القوى الإقليمية والدولية المنضوية تحت "المجموعة الخماسية" ترفض إلى هذه اللحظة ممارسة ضغوط سياسية على الأحزاب والفرقاء اللبنانيين، ولذلك لا يبدو أن زيارة لودريان سوف تدفع نحو حلحلة موضوع قصر بعبدا، خصوصاً أن عملية حوار التيار الوطني الحر وحزب الله ستكون طويلة الأمد كذلك، وبين هذا وذاك تستمر معاناة الشعب اللبناني وفقدانه للأمل بأن تعالج مشاكله الاقتصادية والخدمية عما قريب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.