سلام طيب.. أما بعد:
صحيح، لا يعلم بعضنا بعضاً، وبطبيعة الحال لم نتحدث يوماً وجهاً لوجه، ولكن ما المانع إذا تبادلنا على الفور أطراف الحديث؟ أعلم أنك تناضلين بذاتك كل يوم، داخلياً وخارجياً؛ مشكلة خلف مشكلة، حاجز وراء حاجز، عثرة بُعيد عثرة، والمطلوب منك أن تتعاملي مع كل ذلك، بينما تنير وجهك ابتسامة عبقة، متماسكة أنت والكحل الفحمي بين عينيك، وعندما تعودين إلى بيتك آخر اليوم، تشدين أرجلك الواهنة مما حمّلتِها على مدار اليوم، ومن ثَم تختبئين في السرير تحت لحافك الأبيض الذي شهد كل نقطة سوداء بهتت على وجنتيك، حينها تفكرين في احتياجك الظمئ إلى من يواسيكِ، أو يجبر خاطركِ، أو ربما يخبرك كيف كنتِ قوية اليوم.
ولكن الواقع قرر منذ زمن أنه ليس ضرورياً أن تجدي دوماً من يربت على كتفيك ليلاً، فكل مربوط في دوامة أخرى من ساقيه ويديه، الكل يناضل مثلك، والغريب أيضاً أن الكل يحتاج إلى من يربت على كتفيه -كيفما تحتاجين-، تبدو المعادلة صعبة، فمَنْ يسند مَنْ إذا كنا أجمعين منكسرين؟
من الطبيعي أن تحتاجي إلى عائلتك، وأحبائك، وأصدقائك، فلا بد من سند يظلل كالغمام رأسك حتى آخر المعبر، ولكن إذا غاب أحدهم يوماً أو بعض يوم، سواء بمحض إرادته أو اضطراراً، اعلمي أنه ترك جزءاً منه لك؛ علمك درساً، وأودع داخلك مكارم، ستلازمك ما دمت حية، ستكبر معك يوماً بعد يوم، والحب سيبقى ولو بعد حين مثل أول مرة، حتى وإن تغير شكله.
وإذا شعرت بأن أحدهم لا يقوى على أن يستقيم بمفرده، اطوي يديك بيده، اسندي اعوجاجه، وكوني أنت مسكنه، إذا ضل عنوانه، وفي أغلب الأحوال، تفضل الدنيا أن تفرض واقعيتها، فتأتي المصائب جمعاء كأسراب الغربان، فلو ابتليتم معاً، ونخر السوس صلبكم، شُدوا باليدين على فتات بعضكم البعض، وميلوا على كتفيكما معاً، متشابكي الآلام والآمال حتى معافاة جديدة، وتأكدي أن كل غائب، ما دمتِ عزيزة في قلبه، آتٍ في حينه لا محالة.
أما عنك أنتِ، عما يدور داخلك وحولك، عن صراعاتك مع ما تبغين، وما تعيشين، سواء كنت تفضلين الركض وراء المستقبل والوظيفة، أو تغلب عليك نزعة الأمومة المنغرسة بفطرتك، فتحلمين بأب وعائلة، ولو كنتِ ممن يأملون بتحقيق الموازنة الصعبة بين الكفتين؛ وظيفة وبيت، ترقية وأعمال منزلية، وزن مثالي وأطفال، ارتقاء بذاتك وتربية من تعولينهم دون إغفال كينونتك، فأنا أحترمك مثلما تكونين، ما دام هذا ما قررتِه بحق، ولم يُفرض عليك، ما دامت هذه معاييرك وتطلعاتك وحدك ولا تخص غيرك، طوال ما كنت أنتِ، ولست نسخة باهتة مما فرضه المجتمع.
أحبك وأقدّر كونك أيما كنت، ستحاولين أن تكتشفي نفسك في كل خطوة تعبرينها، وستفاجئين بما سترينه عند كل محطة، وستبلغين من الحظ أقصاه إذا وصلتِ إلى إحساس الرضا عما تكونينه، فكل هذه الأفكار ليست يسيرة ولا مستحيلة، تحتاج منك إثر كل ضارة صبر جبال، وفي كل كسرة سيل لين وحنو، وعند كل غمة ضحكة طفلة.
لا أكتب لك الآن لأنكِ امرأة، فأنا لا أنحاز للمرأة، بل أنحاز للإنسان، رجلاً كان أو امرأة، وأنت تسطرين أصدق الوقائع في قلب الإنسانية، وكذلك لم تكن نيتي أن أنصحك، فلا المشورة ولا النصح هوايتي، بل نثرت هذه الكلمات فوق ثنايا جبهتك؛ لأني حصلت على ما يكفيني من الحب مما ملكني أن أمسك الورقة القلم، وأكتب لك سطوراً استعرتها من نتاج حبي، أتحدث عن الحب الذي ألهمني صموداً، وأبرز نقاط قوتي، وأشعرني بأنه لا يزال بداخلي المزيد، ولكني أحتاج أن أفتح عيني أكثر كي أرى ما يختبئ وراء مخاوفي، ذلك الحب الذي دفعني لأكسر حواجز اللامعقول بالنسبة لي، كساني شجاعة لم أرَها في نفسي من ذي قبل، وفي نفس الوقت أبقى على طفولتي؛ لذا أحببت أن أشاركك لمحة من قصتي، وأتشارك معك فيما يؤرقك، فربما تحتاجين إلى من يتقاسم معك الحب، أو رسالة من مجهول، أو إقرار بوجودك البهي وسط الكون، أو من يذكرك بأنك تزدادين رونقاً كلما أعطيت، أياً كان ما تحتاجينه من هذا أو ذاك، ستجدينه بين السطور، مهدى فقط لعينيك أنت.
حافظي على ريعان قلبك الأخضر مزهراً، حتى لو اشتعل شعرك شيباً، وظلي لكل مقاوم مخبأً، واقبضي على قلبك كالجمرة، ودعيني أرسل في آخر الخطاب سلاماً لعينيك، ولقلبك وردة، تصبحين على نضال جديد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.