في طفولتنا، كنا نلعب ألعاب الفيديو التي تجذبنا وتجعلنا نُواجه وحشاً حقيقياً بداخله اسمه "مستوى الصعوبة" وربما كانت لعبة كرة القدم على رأس هذه الفئة من الألعاب، بل هي الفئة الأحب إلى قلوبنا.
ومثلما اعتدنا على العداء بين البشر؛ كان علينا أيضاً أن نتأقلم على العداء بين ما يصنعه البشر، ربما لهذه الأسباب تعايشنا مع عداء تاريخي بين لعبتين من ألعاب الفيديو، كان القائمون على كل واحدة منهما يُحاولون أن ينتصروا لها على حساب الأخرى.
بيس وفيفا، أو PES وFIFA، لا يهم كيف أو كم تُفضل إحداهما على الأخرى، أو كنت مفتوناً بهما معاً، فهما نسخ مطورة من بعضهما البعض، ففي النهاية كل شيء في هذا العالم يقوم في الأصل على التقليد!
نعم، التقليد هو المبدأ المتعارف عليه بالنسبة لمن لا يتمتعون بالموهبة، وهذا ما أقره العالم الرأسمالي بشكل رسمي؛ في بدايتك لا بد من أن تنسخ وتُقلد لنماذج ناجحة في السابق!
ولم يكن الأمر غريباً، إذا علمنا أن التقليد أصبح حالياً هو الأفضل واندثر الأصل إلى الأبد، وهذا بالتحديد ما حدث مع لعبة فيفا ولعبة بيس، كان الانتصار في بدايته بشكل كامل لصالح لعبة بيس.
اللعبة التي تصدرت المشاهد لسنوات، وليس فقط لأنها تتمتع بمزايا ضخمة، ولكن لكونها كانت لعبة تحمل تعقيدات كبيرة على كونها مُجرد لعبة.
المطورون للعبة بيس المعروفة باسم "Pro evolution soccer" حاولوا كثيراً أن يضعوا اللعبة على قائمة الترشيحات الأولية لمن يُحب لعبة كرة القدم في الواقع، ومن لا يُحبها من الأساس.
نجحوا؛ هذا كان الخبر الأفضل بالنسبة لهم، لكن ككل شيء في الحياة النجاح أيضاً لن يدوم طويلاً، عندما سيُحاول مطورو الشركة المنافسة "Electronic Arts" لهم أن يُقلدوا كل شيء فيها حتى ينفردوا بالساحة بلا منافس.
في إحدى نسخ لعبة بيس، والتي هي نسخة "Pes 3" كان العالم على موعد مع حدث تاريخي في الميعاد الرسمي لإصدار لعبة من ألعاب الفيديو، كون البطل الرسمي لواجهة اللاعب لم يكن لاعباً، ولا حتى كان يُمثل أي فريق على مستوى العالم، بل كان البطل حكماً!
كان الحكم الإيطالي بييرلويجي كولينا هو البطل الرسمي للنسخة المذكورة في الأعلى، وهو الرجل الذي كان حكماً للمباراة النهائية لبطولة كأس العالم عام 2002 في كوريا الجنوبية واليابان، في مباراة جمعت المنتخب البرازيلي مع الألماني وانتهت بفوز البرازيل بآخر نسخة لها في كأس العالم والخامسة في عداد ألقابها.
كولينا كان أشهر من النار على العلم كما نقول في لغتنا الدارجة، ويُعد هو الحكم الأشهر في تاريخ مهنة التحكيم؛ هذه معلومة يُمكن أن يؤكدها لك أي مشجع لكرة القدم.
لكن كان درباً من دروب الجنون أن يتصدر حكم واجهة لعبة رسمية، لكن شركة كونامي اليابانية وافقت على الفكرة، وأبدت إعجابها بها، كونها فكرةً فريدة للغاية لم يُقدمها أحد من قبل؛ ونجحت الفكرة.
ولم تكتفِ شركة كونامي، بل بدأت في تصنيع منتج يعتمد على الواقع وفي الوقت نفسه يتعامل على أساس الخيال، حيث كان الحكم كازوكي إيتو، وهو حكم ياباني بالمناسبة، يتعامل مع كل مستخدم بقانون الثواب والعقاب.
حيث اشتهر الحكم بإشهار البطاقة الحمراء على أي التحام في اللعبة، والمفاجأة أن كازوكي إيتو كان مجرد شخصية خيالية!
نعم، كان كازوكي إيتو مجرد شخصية خيالية، لا يوجد رجل حقيقي اسمه كازوكي إيتو كان حكماً في السابق فاستنسخته شركة كونامي، بل كان الأمر مجرد فكرة من رأس أحد المطورين، ولم يتوقع أحد أن تنجح بهذا القدر الكبير!
المطورون في شركة كونامي كانوا عباقرة بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ؛ حيث ابتكروا طوراً جديداً للعبة تُمكّنك من لعب مباراة عادية لكن الفريق الذي تلعب به عبارة عن نعام وديناصورات وطيور!
وكانت الفكرة عبقرية ولاقت استحسان الكثير من المستخدمين، وكانت شركة كونامي مع كل فكرة عبقرية ترتقي سلمة جديدة في إرضاء المستخدمين، وفي الجوار، كانت شركة Electronic Arts تُفكر كيف لها أن تُواجه هذا التعداد البشري الهائل من الأفكار العبقرية في كل نسخة؟
لا حل لمنافسة بيس غير تقليدها
كان جاري باترسون، ابن الجنوب الإنجليزي، هو المُخلَّص الذي تحلم به لعبة فيفا، حيث ساهم الإنجليزي في عام 2006 في زيادة مبيعات نُسخ لعبة فيفا بشكل ملحوظ عن كل النسخ السابقة لها.
جاري باترسون، هو أحد مُديري الشركة في الوقت الحالي، لكنه حينها كان يُفكر في طريقة لإنقاذ الشركة التي يعمل بها من دوامة الاندثار بشكل نهائي وحتمي.
حتى عام 2006، كان التنافس لصالح لعبة بيس على فيفا، لكون لعبة بيس تبدو أصعب وأكثر تعقيداً، وكونها لا تُسهل عليك الفوز في المباريات، بل تجعلك تلعب بمستويات صعوبة عالية وبعضها لا يُشبه الواقع أبداً، على العكس كانت فيفا، لعبة تبدو أسهل من حيث كل شيء.
باترسون، فكّر كثيراً في حيلة يُمكن من خلالها لشركته أن تدخل السوق من جديد، وكان التقليد ونسخ الأفكار هو الحل الوحيد لذلك.
وبدأ النجاح بالنسبة للعبة فيفا في الظهور بمجرد أن طبق باترسون هذه الأفكار، وازدادت مبيعات نُسخ فيفا منذ نسخة اللعبة عام 2007، وكان هذا هو الرقم الذي سجلته الشركة بفارق مليون نسخة عن نسخة عام 2006.
بداية الطريق الذي ابتدعه باترسون، كان التمهيد له في نسخة عام 2009 أيضاً؛ حينما استطاعت الشركة أن تبيع أكثر من 8,7 مليون نسخة مقارنة بنسخة بيس عام 2009 التي حققت 6,9 مليون نسخة.
بعد فترة غياب عن التنافس المعني، تمكنت شركة كونامي من العودة بواجهة تضم النجم البرازيلي نيمار دا سيلفا في نسخة بيس 2016، لكن المبيعات لم تتجاوز مليوني نسخة، حيث كانت معظم نسخ لعبة فيفا في نفس الأعوام تقترب من 15 و16 مليون نسخة وأصبح الاكتساح تاماً وكاملاً في الوقت الحالي لصالحة فيفا بكل تأكيد.
نسخ باترسون الكثير من الأفكار من لعبة بيس، وبدأ التدرج السريع للعبة فيفا في التقدم أكثر وأكثر، كل نسخة عن سابقتها، وأدرجت اللعبة أطواراً جديدة مثل: طور المهنة، طور القصة، طور اللعب على الإنترنت، تجعلك في قلب كرة القدم من الداخل بشخصية خاصة لك مع قصة بحبكة تتغير معطياتها حسب قراراتك، وطور الإدارة التي تقدمه اللعبة للاعبين حيث يتمكنون من إدارة فريقهم وشراء وبيع اللاعبين.
بينما انحدر مستوى الواقعية في لعبة بيس، حيث يعاني اللاعبون من سوء في جودة التحركات الذكية وبطء الاستجابة بسبب الذكاء الاصطناعي المرتبط باللعبة.
بالإضافة لذلك، عانت بيس من الافتقار لحقوق الكثير من اللاعبين أو الدوريات والملاعب المميزة داخل اللعبة، ما أدى لمحدودية الاختيارات أمام المستخدمين.
في الطرف الآخر كانت الإمكانات الاستثمارية لدى لعبة فيفا أكبر وأكثر، وحقوق الملكية التي لديها تفوق التي تمتلكها شركة كونامي، ومع الوقت أصبحت لعبة فيفا هي اللعبة التي تنسخ وتُقلد حتى اسم الاتحاد الدولي لكرة القدم المعروف باسم "الفيفا"!
وهو أمر، سيصل بنا إلى عام 2023 ونسمع عن خلافات كبيرة بين الاتحاد الدولي والقائمين على اللعبة، سيؤدي فيما بعد إلى انفصالهما، وإعادة تسمية اللعبة لتصبح "EA Sports FC" بدلاً من فيفا.
فقد تحول لفظ "فيفا" لدرجة أنه أصبح هو أول صورة نمطية تأتي في ذاكرتك إلى لعبة الفيديو المعروفة، والتي لا أحد يجهلها حالياً، حيث وصل الأمر بها إلى أن تُصبح المفهوم الرسمي في دول أمريكا الشمالية عن كرة القدم، وهذا ما قاله أحد العاملين بالشركة؛ إنك إذا نطقت لفظ فيفا في أمريكا الشمالية، سيعتقد الناس أنك تتحدث عن لعبة الفيديو وليس الاتحاد الدولي لكرة القدم.
جاري باترسون في المقابل، أكد أن معظم أفكار كونامي ولعبتها بيس، كانت أفكاراً عبقرية، وكانت طفرة في عالم المحاكاة، وأشاد باترسون بكل مُطور لدى شركة كونامي، وقال إنهم في فترة من الفترات كان يصعب التنافس معهم بشكل حقيقي.
لكن، بعد وصول جاري باترسون تحول الصراع إلى مساره الحالي، وأصبحت شركة "Electronic Arts" تستحوذ على كل الرياضات الرسمية في مختلف الألعاب: كرة القدم، كرة السلة، كرة التنس، الدوري الأمريكي للبيسبول، كرة القدم الأمريكية، المصارعة الحرة، الملاكمة.
وكما قال أحد الرجال، التنافس بين لعبة بيس ولعبة فيفا، كان يحتاج إلى قوة ضاربة من الاستثمار بالنسبة للأولى التي فشلت في التنافس على المدى الطويل، وشبّه لعبة بيس بالأندية الإنجليزية العتيقة، التي تلعب في مسابقات لا أحد يهتم بها حالياً، لكنها في القرن الماضي كانت تُسيطر على بطولة الدوري على سبيل المثال، وكانت تتمتع باسم مرموق في قارتها، لكن مع زحف الأموال لكل شيء، اندثرت لعبة بيس وأصبحت مجرد لعبة لا تقترب من الواقع، على عكس لعبة فيفا، التي وإن نسخت الكثير منها، إلا أن قوتها الشرائية جعلتها تقف على القمة، وستستمر إلى اليوم، بلا منافس.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.