توجه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى العاصمة العراقية بغداد في 22 أغسطس/آب 2023. ثم يسافر فيدان في أعقاب ذلك إلى أربيل ذات الأغلبية الكردية. ويشير هذا المسار إلى اعتناء برنامج الزيارة بتوازن العلاقات بين تركيا وكلٍّ من بغداد وأربيل.
هذه أول زيارة لوزير الخارجية التركي إلى العراق منذ تشكيل رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، حكومته. ويُتوقع أن يزداد النشاط الدبلوماسي بين تركيا والعراق في أعقاب الزيارة، لا سيما و
أنه من المنتظر كذلك أن يزور الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، العراق هذا العام. ولذلك فإن زيارة فيدان يمكن اعتبارها زيارة تحضيرية قُبيل زيارة أردوغان، فالغاية منها تمهيد الطريق لفرص التعاون المتبادل التي يمكن أن تتحول إلى واقع وتُسفر عن اتفاقات مباشرة خلال زيارة الرئيس التركي. ومن المتوقع أيضاً أن يُقبل المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين (الذي أنشئ عام 2008) على مزيد من النشاط بعد هذه الزيارات.
أبرز القضايا بين تركيا والعراق
من أهم القضايا التي تشغل البلدان مسألة وجود حزب العمال الكردستاني على الأراضي العراقية، فتركيا تطالب بإيقاف نشاط الحزب في العراق، وإعلان الحكومة العراقية عن تصنيفه منظمة إرهابية. وعلى الرغم من أن القوات المسلحة التركية تشن عمليات عسكرية على الحزب في العراق، فإن الحكومة العراقية يقع عليها واجب تأمين أراضيها من نشاطه، فضلاً عن حماية العلاقات بين البلدين من التأثر بوجود الحزب هناك.
من القضايا المهمة كذلك، موضوع التشارك في حوضي نهري دجلة والفرات، فالموارد المائية ركن حاسم من أركان المعيشة في البلدين. وقد زاد من أهمية المياه المتدفقة من تركيا إلى العراق، أن إيران عمدت إلى تغيير مسار الأنهار العابرة لحدودها نحو العراق، ما أدى إلى انخفاض إمدادات بغداد المائية.
إضافة إلى ذلك، تصاعد إلى صدارة اهتمام البلدين مسألة عجز العراق عن تسيير مبيعات النفط عبر "خط أنابيب كركوك جيهان" منذ أن أصدرت محكمة التحكيم التجاري الدولية حكمها في مارس/آذار 2023 في الشكوى التي قدمتها الحكومة العراقية بمخالفة تركيا للاتفاق المبرم عام 1973. وأفضى هذا الوضع إلى توقف الضخ في أنبوب النفط منذ ستة أشهر تقريباً، ومن ثم عجز العراق عن توليد الدخل من احتياطياته النفطية في كركوك، علاوة على تفاقم العجز في الموازنة العراقية بسبب انقطاع إيرادات النفط التي تشكل ما يقرب من 80 % من إيرادات الموازنة العامة.
جدول أعمال الزيارة
قبيل زيارة فيدان، شدَّد نائب وزير الخارجية العراقي هشام العلوي على أهمية تركيا للعراق خلال ندوة بعنوان "الأولويات والمخاطر والفرص في العلاقات العراقية التركية" نظَّمتها وزارة الخارجية العراقية. وأكد العلوي أن هذه الأهمية تتعلق بالأمن والتجارة والاستقرار الإقليمي. وهذا يدل على رغبة البلدين في تعزيز العلاقات بينهما.
في ضوء هذه الأجواء الإيجابية، فإن أبرز القضايا في برنامج أعمال الزيارة: وجود حزب العمال الكردستاني الإرهابي في العراق؛ وقضايا المياه العابرة للحدود؛ وزيادة حجم التجارة. ويُتوقع أن يكون مشروع الطريق التنموي، الذي يربط البصرة بتركيا، على جدول الأعمال كذلك. ويهدف هذا المشروع إلى إنشاء اتصال بين ميناء الفاو الكبير وتركيا. ولا تقتصر أهميته على إنشاء طريق مباشر بين تركيا والعراق، بل يشق المشروع طريقاً تجارياً جديداً بين الشرق والغرب. ولذلك، فإن البلدين وإن اعترضتهما بعض القضايا التي لم تُحل بعد، فإن تركيزهما يظل منصرفاً بالأساس نحو مجالات التعاون المحتملة.
إضافة إلى ذلك، فإن زيارة وزير النفط العراقي، حيان عبد الغني، إلى أنقرة قبيل زيارة فيدان، تشير إلى أن المفاوضات بشأن إعادة فتح خط أنابيب النفط لا تزال مستمرة. ومن ثم، فمن المرجح أن يتواصل النقاش في هذه القضية خلال الزيارتين إلى بغداد وأربيل. وعلى الرغم من تماثل القضايا المطروحة للنقاش، فإن غالب الأمر أن ينصرف الاهتمام في زيارة أربيل إلى قضايا معينة.
والخلاصة أن زيارة فيدان تمثل لحظة محورية في العلاقات التركية العراقية، وفرصة سانحة للتآزر في مواجهة التحديات المؤثرة في البلدين، والاستفادة من فرص التعاون في مختلف المجالات.
التوقعات
تشي هذه الزيارات بعزمٍ مشترك لدى تركيا والعراق على التشارك في مواجهة التحديات، واغتنام فرص التعاون. ويدل هذا المشروع الدبلوماسي على التمسك بالتفاعل البناء بينهما. وتؤكد تركيا بهذه الزيارات حرصها على استيعاب التغيرات الدقيقة في المشهد السياسي العراقي، والتواصل مع مختلف الجهات الفاعلة، سواء كانت في بغداد أم أربيل.
وجدير بالذكر أن تعزيز المشاركة الدبلوماسية بين البلدين أمر تتجاوز أهميته المصالح الثنائية. فهذا التعاون يُبرز دور تركيا والعراق بين دول الإقليم المعنية باستقرار الإقليم وأمنه، والمكلفة بالإسهام في السبل المؤدية إلى ذلك. والواقع أن تعزيز الروابط الدبلوماسية لا يسهم في تحسين العلاقات التركية العراقية فحسب، بل وتمهيد السبيل إلى ترسيخ الانسجام والترابط في منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
يتجه مسار العلاقات التركية العراقية إلى منعطف واعد بالفرص في ظل التوسع الاقتصادي والتجاري وتحوله إلى ركيزة أساسية للتواصل بين البلدين. وتبرهن مبادرات المختلفة (مثل مشروع طريق التنمية، والمناقشات الخاصة بخط أنابيب النفط بين كركوك وجيهان) على الرغبة المشتركة في تعزيز العلاقات الاقتصادية، وربط البنية التحتية. ونجاح هذه المشروعات يعني الانتقال من مجرد الخطاب الدبلوماسي إلى العمل التعاوني، وتعزيز النمو الاقتصادي وتنويع التجارة عبر الحدود. ولهذا التعاون الاقتصادي منافع تتجاوز التجارة، إذ تمتد فوائده إلى خلق فرص العمل، وتعزيز التبادل التكنولوجي، وتوسيع الشراكة التركية العراقية إلى ما هو أبعد من التحديات المباشرة، والانفتاح على آفاق تعزيز العلاقات الاقتصادية، والتوسع التجاري، والتبادل الثقافي.
تحظى هذه الزيارات بأهمية استراتيجية في تعزيز الاستقرار الإقليمي، فالشراكة بين البلدين قادر على بث تأثيرات إيجابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. فضلاً عن ذلك، فإن التعاون في مواجهة المخاوف المشتركة -مثل مكافحة الإرهاب، والتنمية الاقتصادية، وربط البنية التحتية- يمكِّن تركيا والعراق من الإسهام في تعزيز الاستقرار في محيطهما المباشر. وقد يسهم هذا النهج التعاوني أيضاً في رأب الانقسامات بين المجموعات العرقية والطائفية المختلفة في العراق، ومن ثم يُساعد في تحقيق الانسجام الداخلي وتعزيز التماسك بين مكونات البلاد. وإذا كان العراق يتلمس الخطى في تحديد موقعه بين القوى الإقليمية، فإن المشاركة التركية توفر وسيلة مهمة لموازنة التحالفات وتقليل الاعتماد على شريك واحد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.