تتجه الأنظار حالياً إلى مجموعة "إيكواس" في ظل النزاع السياسي في المنطقة الغربية من القارة السمراء، وهي عبارة عن مجموعة اقتصادية لدول غرب إفريقيا تشكل تجمعاً إقليمياً مهماً مكوناً من 15 دولة، ذات ثقافات متقاربة واقتصاديات متنوعة، حيث يضمُّ هذا التجمع 8 دول فرانكفونية هي: بنين، وبوركينا فاسو، وساحل العاج، وغينيا، ومالي، والسنغال، والنيجر، وتوغو. وتتميز هذه الدول بنشاط استخدام اللغة الفرنسية كلغة رسمية ووسيلة اتصال رئيسية.
بينما هناك 5 دول أنغلوفونية تضمها المجموعة، وهي: نيجيريا، وغانا، وسيراليون، وليبيريا، وغامبيا. في هذه الدول، تُستخدم الإنجليزية كلغة رسمية ووسيلة تواصل أساسية. بالإضافة إلى ذلك، هناك دولتان تستخدمان اللغة البرتغالية كلغة رسمية، وهما: الرأس الأخضر وغينيا بيساو.
تسعى المنظمة إلى تحقيق التكامل الاقتصادي، وتعزيز حجم المبادلات التجارية بين الدول الأعضاء في المنطقة، كما تعمل على تعزيز الاندماج في قطاعات متعددة مثل الصناعة والنقل والاتصالات والطاقة والزراعة واستغلال الموارد الطبيعية، بالإضافة ذلك فهي تعمل على تعزيز التعاون في القطاع المالي والنقدي، يأتي هذا الائتلاف الاقتصادي في ظل أهمية دعم الدول نحو تحقيق سيادتها اقتصادياً وسياسياً، وتقديم حياة أفضل لمواطنيها.
التحديات الاقتصادية التي تعوّق التحرر الاقتصادي لدول الإيكواس
امتدَّ تأثير الاستعمار الفرنسي في غرب إفريقيا لقرون عديدة، ما أثر بشكل كبير على تشكيل الهوية الاقتصادية لهذه الدول، فنجد آثار الهيمنة الاقتصادية والثقافية الفرنسية وحتى العسكرية واضحة وصريحة في هذه الدول، إذ فرض الاستعمار الفرنسي عليها كل سياسات الهيمنة والتبعية واستنزاف مواردها الاقتصادية والبشرية منها دون أي تعويض.
فمثلما ذكر النقيب إبراهيم تراوي، القائد البوركينابي الجديد، تساؤلاته في المداخلة التاريخية أثناء القمة الروسية الإفريقية، حيث قال: "كيف يمكن لقارتنا التي يستوعب باطنها ثروات هائلة وطبيعية سخية من الماء والشمس أن تكون أفقر قارة في العالم؟ وكيف نكون رؤساء لهذه الدول ونتسول؟".
وهذا التصريح إن دلّ فإنه يدل على وجود نزعة واتجاه متنامٍ داخل إفريقيا، وخصوصاً منطقة الساحل، لرسم مستقبل مغاير لبلادهم عن الماضي الأليم. وبالطبع لا يمكن رسم هذا المستقبل دون التحرر الاقتصادي، فهل تستطيع مجموعة الإيكواس فعل ذلك؟
على الرغم من تطلعها الكبير لتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول غرب إفريقيا، إلا أن منظمة إيكواس واجهت تحديات كبيرة أبقتها عاجزة عن تحقيق أهدافها، فمنذ تأسيسها عام 1975، تواجه دولها العديد من الاضطرابات السياسية والأمنية، ما أثّر سلباً على المسار التنموي للمنظمة والمنطقة ككل، وتأتي هذه الاضطرابات بجانب التدخلات الأجنبية التي تجهض أية جهود مبذولة نحو التعاون الاقتصادي بين دول غرب إفريقيا، المعروفة بثرواتها من الموارد الطبيعية والطاقة، بهدف استغلالها، إذ تكشف التباينات الصارخة في رد فعل فرنسا (الناهب الأكبر لتلك البلاد) تجاه تلك الانقلابات، ما بين التأييد، كما في حالة انقلاب تشاد، والتنديد بشدة كما في حالة انقلاب مالي والنيجر، والمسارعة برفض الانقلاب في غينيا لفظياً فقط.
فعندما تدين فرنسا انقلاباً ما وتصدر البيانات الغاضبة، وتدعو لاجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، وتفرض عقوبات، فهذا يعني أن الانقلاب قامت به أطراف لا تدين لها بالولاء، وغالباً لها علاقات بقوى دولية أخرى، أحياناً تكون روسيا أو الصين.
ومثال صريح على ذلك في عام 2011 تدخلت فرنسا في ساحل العاج من أجل إسقاط نظام معادٍ لها، حيث اعتقلت القوات الفرنسية حينها الرئيسَ العاجي المنتهية ولايته لوران غبابغو بعد قصف مقرّه وتسليمه لقوات خصمه حسن واتارا.
كل ذلك يفاقم مشاكل البنية الاقتصادية الضعيفة لدول المجموعة، ويعزز انتشار الفساد الإداري والمالي، وبالإضافة لذلك تأتي الظروف المناخية القاسية، وخاصة موجات الجفاف المتواصلة، لتزيد من حجم التحديات، وينتج عنها تداعيات اقتصادية واجتماعية تُفاقم المشاكل التي تمتد من الحقبة الاستعمارية.
مواقف مجموعة الإيكواس تجاه الانقلابات
استطاعت منظمة إيكواس بناء بعض جسور التواصل بين دول المنطقة ومحاولة تفادي بعض عمليات الانقلاب العسكري في بعض الأحيان، رغم ذلك تبقى مواقفها في كثير من الأحيان تتأثر بموقف القوى الاستعمارية التقليدية، إذ تعرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، لانتقادات بسبب تساهلها مع القادة الذين بقوا في السلطة بعد مدتهم مخالفين المواثيق الدستورية، لذلك يُنظر أحياناً إلى دعم فرنسا لها على أنه دعم ضمني لهذه الاتجاهات الاستبدادية.
فعلى سبيل المثال، عندما نفذ الجيش في مالي انقلابات في عام 2020 ومرة أخرى في عام 2021، فرضت الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا عقوبات، ولكن لم تقم بما يكفي لتطبيقها أو لمنع ظاهرة الانقلابات في المنطقة. لذلك ينظر لتشددها في مواجهة انقلاب النيجر اليوم على أنه يعبر عن تبعية صريحة للمواقف الفرنسية.
وهذا ما أشعل الخلاف داخل تحالف مجموعة إيكواس حيال هذه الأزمة، إذ تتخذ قرارات المجموعة بإجماع الدول الأعضاء. وبينما أبدت دول كنيجيريا والسنغال الاستعداد لإرسال قوات تحت مظلة إيكواس، اعتبرت دول أخرى، كمالي وبوركينافاسو، تدخل المجموعة في النيجر بمثابة "إعلان حرب" عليها، متوعدة بالرد، ما يبين صراع التوجهات الحالي داخل دول المجموعة.
بشكل عام، تبدي دول مجموعة إيكواس رغبة في تحقيق الاستقلال الاقتصادي، إذ تعمل هذه الدول على تطوير قطاعاتها الاقتصادية المختلفة، مثل الزراعة والصناعة والتكنولوجيا، على سبيل المثال، نجد أن نيجيريا تسعى لتنويع اقتصادها من خلال تطوير قطاعات غير نفطية.
ولإظهار تلك الرغبة أعلنت منظمة الإيكواس عن رؤيتها المستقبلية لعام 2050، والتي تشمل مجموعة من الأهداف الاستراتيجية والتكتيكية التي تهدف إلى تحقيق التنمية وتعزيز التكامل الاقتصادي في دول غرب إفريقيا.
تتضمن هذه الرؤية تعزيز التكامل الاقتصادي، وتعزيز حجم المبادلات التجارية بين دول المنطقة، بالإضافة إلى تعزيز الاندماج في قطاعات متعددة مثل الصناعة والنقل والاتصالات والطاقة والزراعة والموارد الطبيعية، وأيضاً تعزيز القطاع المالي والنقدي.
وقد سجّلت المجموعة جهوداً ملموسة لتحقيق التحرر الاقتصادي، تضمنت مبادرات تعزيز التعاون الإقليمي، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز التجارة البينية، وعلى الرغم من التحديات، تحققت بعض، الإنجازات في سبيل التكامل الاقتصادي بين دول المجموعة، حيث أُتيحت حرية تنقل الأشخاص بين دول المنطقة، بالإضافة إلى منح حق الاستقرار والإقامة للمواطنين في الدول الأعضاء.
وأما بالنسبة للتوجه نحو تحقيق اتحاد حقيقي وتفعيل نظام التجارة الحرة، تم تشكيل اتحاد نقدي واقتصادي يهدف إلى إنشاء عملة موحدة عبر المجموعة باسم "إيكو"، والتي تم تأجيل إطلاقها بسبب عدم استيفاء دول الإيكواس معايير التقارب الموضوعة في خريطة الطريق الخاصة بالعملة. هذا بالإضافة إلى وضع سياسات تجارة إقليمية تُسهم في تعزيز الصادرات إلى الدول الأعضاء والعالم أجمع.
وتركزت جهود أخرى على التقارب بين المسافات والحدود، حيث اعتمدت الدول الأعضاء على برنامج إقليمي لتسهيل حركة التنقل وتسريع الإجراءات الجمركية، وتطوير شبكة طرق سريعة تربط بينها.
بالإضافة إلى ذلك، تم تفعيل مشروع خط الغاز الإفريقي من خلال تمديد شبكة نقل الغاز الطبيعي النيجيري ليشمل بنين، وتوغو وغانا، حيث يبلغ طول الخط نحو 600 كيلومتر، بتكلفة إجمالية تقدر بـ610 ملايين دولار أمريكي.
التوقعات المستقبلية
ربما يُظهر كل ما سبق بعض البوادر أو السمات التي تشير لإمكانية تحقيق دول مجموعة إيكواس لتحرر اقتصادي حقيقي، من خلال جهود مستدامة وتنفيذ استراتيجيات مدروسة، لكن تظل العوائق الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تواجهها دول المجموعة تعمل على تأخير تحقيق هذه الأهداف وعرقلتها. فرؤية الدول الكبرى لهذه المنطقة على أنها مستوطنة تابعة لهم أو ساحة لنفوذ وصراع تعيق من تحقيق سياسات التحرر الاقتصادي فيها، فحتى وإن وجدت الرغبة والآليات الحقيقية لمحاربة النفوذ الفرنسي، قد تقع في مخالب النفوذ الروسي أو الصيني.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.