أعلنت منظمة الصحة العالمية عن وفاة تحدث لإحدى الحوامل كل دقيقتين في العالم، معدل وفيات الأمهات الحوامل يصل إلى 223 لكل مئة ألف من الحوامل، في عمر ما بين 15-49، نسبة وفيات النساء بسبب الحمل تشكل 9,8 في المائة من عدد كافة المتوفيات، رغم أن معظم أسباب وفيات الحوامل يمكن الوقاية منها عن طريق تقديم الرعاية الصحية المناسبة في الوقت المناسب.
أعلنت الأمم المتحدة في مطلع الألفية مجموعة من أهداف التنمية المستدامة على مستوى العالم، أحد الأهداف هو الوصول في عام 2030 إلى صفر من الوفيات القابلة للمنع، وبالتالي لا يتبقى من هذه الوفيات إلا ما لا يمكن منعه.
وفي تقرير لمنظمة الصحة العالمية يتابع ما حدث بالنسبة لتحقيق الهدف الذي أشرنا إليه ذكرت أشياء مهمة، منها أنه رغم حدوث انخفاض في معدلات وفيات الحوامل في عام 2020 مقارنةً بعام 2000، إلا أن معدلات الانخفاض لو استمر على هذا النحو فإننا في عام 2030 سنجد أن عدد المتوفيات من الحوامل لا يقل عن المليون، وهذا يعني أننا لم نصل إلى تحقيق الهدف المنشود.
تحدث وفيات الحوامل لأسباب تتعلق بالحمل مثل نزيف ما بعد الولادة، أو حالات ارتفاع الضغط الحملي، والحالات الانتانية التي تحدث بسبب البكتيريا وشبيهاتها مثل مرض نقص المناعة المكتسب، كما تحدث هذه الوفيات لأسباب غير مباشرة، بمعنى أن الحمل حدث في فترة كان جسم الأم يعاني من أمراض تفاقمت سوءاً بسبب وهن الحمل، مثل أمراض القلب وما يشبهها.
أعلى نسبة من وفيات الحوامل تقع في دول إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء، وتشمل هذه المنطقة كل الدول التي لا تقع على البحر الأبيض المتوسط باستثناء السودان والصومال، وتصل نسبة وفيات الحوامل فيها إلى ما يزيد على 500 لكل مئة ألف، وهذا يمثل 136 ضعفاً إذا قورن بمعدل وفيات الحوامل في أستراليا ونيوزيلندا، وهما الدولتان اللتان وصلتا إلى أقل معدل في العالم بالنسبة لوفيات الحوامل، وهو أربعة من كل مئة ألف. والمضحك المبكي أن دولة النيجر هي إحدى الدول التي تمثل فيها وفيات الحوامل النسبة الأعلى في العالم، ولو أن خدمات الرعاية الصحية للأمهات اجتذبت عُشر ما اجتذبه الانقلاب الأخير فيها من اهتمام ودعم الدول الكبرى، لأمكن تخفيض نسبة وفيات الحوامل فيها إلى نسب يمكن مقارنتها فيها بالدول المتفوقة في هذا المجال.
يؤكد تقرير منظمة الصحة العالمية أن الأمر الذي يحتاج إلى تصرف عاجل، هو الفروقات الكبيرة بين ما ينفق على خدمات الحوامل بين دولة وأخرى، فهو السبب الأول لارتفاع وفيات الحوامل في الأقطار التي يتم فيها تهميش النساء، خاصةً خلال الصراعات والأزمات.
المؤسف جداً أن المعلومات والتقنية الصحية المطلوبة لتفادي وفيات الحوامل باتت معروفة، ولكنها في الأقطار منخفضة الدخل غير متاحة للنساء، أما بسبب عدم توفيرها، أو بسبب صعوبة الوصول إليها بسبب سوء الأخطار كالصراعات العسكرية، أو بسبب عدم وعي الناس بوجودها وفاعليتها. أو بسبب حرمان بعض الأقليات منها، كالمهاجرين إلى دول متقدمة، أو المقيمين بصفة غير شرعية في بعض الدول.
وهناك أسباب أخرى تتعلق بفشل الجهاز الصحي في التعامل مع الحوامل، ففي كثير من الأقطار تصل الحامل متأخرة لمركز العناية الصحية، وأحياناً لا تقدم مراكز رعاية الحوامل الخدمة المطلوبة بسبب الفساد الإداري، وعدم توفر بعض العلاجات الأساسية رغم انخفاض تكاليفها، وافتقاد النظام الصحي لأدوات التقييم والمتابعة الفعالة، وسوء تدريب العاملين في مجال الصحة. ولعلنا لا نحتاج إلى دليل لنرى كل هذه العيوب في المراكز الصحية البعيدة عن المدن في كثير من أقطارنا.
لا شك أن التعاون الدولي المنشود يشهد دليلاً ظاهراً على التقصير، كما نراه هنا. كما أن الضمير الإنساني يفضح نفسه إذا قارنا ثمن ما يباع من سلاح للدول التي تشهد نسباً عالية من وفيات الأمهات، بما تحتاجه تلك الدول لتحمي الحوامل من الموت.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.