حُكِيَ لي عن أختاً طردها أخوها من بيت أبيها الذي استولى عليه، ولا مكان لها غير هذا البيت تلجأ إليه حين نشوب مشكلة من المشكلات الزوجية التي كثرت هذه الأيام على أتفه الأسباب.
وفي مجتمعاتنا اليوم ربما نرى حالات متشابهة كثيرة حتى في التفاصيل، تتعلق بالجفاء بين الأخ وأخته، لاسيما بعد رحيل الأب أو الأم أو هما معاً، فنرى خلافات وقطع أرحام بسبب خلافات على الميراث وغيرها من أمور.
إن تعميق الحب بين الأخوة في البيت الواحد مسألة مهمة يجب أن يفطن لها الأهل مبكراً، من خلال عدم التفريق بينهم في المعاملة، وطرح النصائح المباشرة وغير المباشرة، ونمط التربية المقصود والموجه من اقتسام للطعام والشراب، وأدوات اللعب، ودمجهم في الألعاب الجماعية التي تتطلب شريكاً، وتبادل الهدايا والتذكير بالمعلومات البديهية التي تزيد الألفة ومن ذلك أنهما خرجا من رحم واحد، وظلمة واحدة، فلا ترى الأخت في أخيها إلا سنداً وحصناً آمناً، ودرعاً تحتمي به من سهام الدنيا، وملجأ تأوي إليه إذا احتمى الوطيس، فيتيم الأخت هو اليتيم حقاً.
ولا يرى الأخ في أخته إلا قلباً رقيقاً يصبره على كدر الحياة ومرها، ونبعاً يرتوي منه حناناً، يبوح لها بما في صدره دون خجل، ويستلهم من بريق عينيها الأمل.
من كانت لديه أخت فليكرمها؛ فربما هي القلب الوحيد الذي يلتمس لك العذر، ولا يلجئك إلا الاعتذار، فهي الحنان حين يضيع في الناس الحنان، وهي البسمة الصادقة حين يطفو النفاق وتتفشى المجاملة، وهي عين الماء الصافي في صحراء الدنيا الملتهبة، ونافذة من زجاج مورانو فريد تطل منها على الوجه الجميل للحياة، فكل حب في هذه الحياة مشروط إلا حب الأخت بلا شروط، تجده في أحلك الظروف وأصعبها، فهي الأم مع الأم وبعد الأم، فالتلطف معها واجب، وبرها أصل، والإحسان إليها فرض.
يخطئ بعض الآباء حين يعتقدون أن تأمين مستقبل الأبناء مرهون بترك المال الوفير لهم بعد رحيله من الدنيا، فلا يضطرون معه إلى مد أيديهم للآخرين، بينما لو ترك لهم (تقوى) و(حباً) لكان خيراً له ولهم.
من جميل ما لفت انتباهي في ثقافة الشعب الياباني أن له عادت وتقاليد رائعة، فهو من الشعوب التي تحرص على توطيد العلاقات الاجتماعية والأسرية، فنرى أن له أعياداً وأياماً خاصة تعزز الترابط الأسري ومنها يوم ( الأخت الكبيرة)، حيث تجتمع كامل الأسرة في السادس من ديسمبر وتحتفل بالأخت الكبرى وتنهال عليها الهدايا عرفاناً وتقديراً لدورها الحيوي في الأسرة.
لكل أخ: إن المرأة.. سواء أكانت زوجة أو أختاً أو بنتاً لا تبالغ في الثناء على زوجها أو أخيها أو أبيها إلا لو كان بالفعل يكرمها بإحسان، ويحنو عليها بشدة، ويقدرها بقوة، ولعل هذا ما جعل الخنساء تصبر على فراق 4 من أولادها، إذ كان حب أخيها صخر غير الشقيق يهون عليها، ويغمرها بعطفه وجوده، لدرجة أنها رثته في ديوانها بقولها: "أعينَي جودا ولا تجمدا.. ألا تبكيان لصخر الندى".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.