تعتبر المؤسسات الناشئة "Startup" توجهاً حديث النشأة بالجزائر، فهي تنشأ انطلاقاً من فكرة إبداعية ريادية تنمو بسرعة حتى تُزْهِر، فتصبح رائدة في مجال معين، تَلَقى هذا التَوَجُه الاستثماري دعماً مادياً وتأطيراً قانونياً من طرف الدولة، وهذا لتمكين الفئات الشابَّة من طرح إبداعاتها وأفكارها، وتجسيدها على أرض الواقع بشكل ملموس خدمة وتنمية للاقتصاد الوطني من جهة، وتدعيماً للشباب لاستحداث مناصب شغل من جهة أخرى، مع المساهمة الفعالة في خدمة الزبون وجذب اهتمامه.
تماشياً مع الطَّفْرَة التكنولوجية ومسايرة تأثيراتها، انصبَّ الاهتمام على الاستثمار في التطبيقات الإلكترونية لتعزيز التجارة الإلكترونية عبر الوسائط الرقمية لاسيما الهواتف المحمولة الأكثر استخداماً من طرف مختلف شرائح المجتمع، فأصبح استحداث تطبيق خدماتي انطلاقة متميزة لتأسيس مؤسسة ناشئة عبر تقديم مِيزة تَنَافُسِية تَضْمَنُ النّمو والازدهار في الأعمال، وإعطاء تحسينات جوهرية للخدمة المطروحة.
فالتجارة عبر الهاتف المحمول يراد بها كافة الأعمال والأنشطة التي تتم عبر الأجهزة اللاسلكية أو الأجهزة المحمولة من حيث قدرة هذه الأجهزة على الارتباط بالإنترنت في أي مكان ومن ثَم الحصول على جميع الخدمات التي توفرها شبكة الإنترنت. ومُسَايَرَةً لتجارب الدول الغربية والرائدة في مجال تقديم الخدمات عبر الهواتف الذكية، استثمرت العديد من المؤسسات الجزائرية في قطاع التكنولوجيا بفضل إبداعات مجموعة من الشباب الذين كان همهم الوحيد تطوير المؤسسات الناشئة ضمن مخطط عمل الحكومة.
اعتبرت الحكومة في مخطط عملها أن الانتقال الرقمي يُمَثلُ أَحَدَ الرِهَانَات الكبرى التي يجب مواجهتها فـي سياق دولي تطبعه هُوَة رقمية مَا اِنْفَكَّتْ تَتَزَايَدُ حِدَّتُهَا يوماً بعد يوم، والتي تضع الجزائر أمام تحد كبير، يتمثل في الاعتماد على شبابها الذي يزخر بغنى الأفكار والبراعة من أجل تطوير القطاع الرقمي والتكنولوجيات الجديدة وإشراك المؤسسات الناشئة للمساهمة في إيجاد الحلول للرهانات الاستراتيجية التي تواجه البلاد (الأمن المائي، والانتقال الطاقوي، والأمن الغذائي).
ولهذا الغرض، التزمت الحكومة بترقية منظومة حاضنة للمؤسسات الناشئة والاقتصاد الرقمي من خلال الأعمال الآتية خصوصاً:
من خلال إنشاء إطار تنظيمي للابتكار المفتوح ووسائط الدفع الإلكتروني، وإصدار النصوص التطبيقية من أجل التمويل التشاركي، ومراجعة الإطار التشريعي للتجارة الإلكترونية لجعلها أكثر مرونة مع المؤسسات الناشئة، وتبسيط إجراءات إنشاء مؤسسات لصالح المؤسسات الناشئة وغيرها من المستثمرين المبتدئين، وإنشاء المؤسسات الناشئة لأصحاب الأعمال الحرة والمقاولين الذاتيين، وتعزيز دور المؤسسات الناشئة كأداة للإشراك المالي من خلال الدفع الإلكتروني والتجارة الإلكترونية، وإنشاء ممثليات إقليمية لصندوق المؤسسات الناشئة الجزائرية، وإطلاق برنامج للإسراع في إنشاء المؤسسات الناشئة من خلال مُسَرِّع عمومي {Algeria Venture}، وإنشاء حاضنات وِمُسَرِّعَات في كل ولايات البلاد، مع وضع نظام لتقييم الحاضنات وتأهيل مستواها، واستحداث "مخبر مالي" لصالح المؤسسات الناشئة التي تُنَشِّط مجال التكنولوجيات المالية، وإحصاء التصنيفات الدولية المتعلقة بالمؤسسات الناشئة والاختراع واقتصاد المعرفة وتحسين مرتبة الجزائر، وتقليص أعباء أرباب العمل لصالح المؤسسات الناشئة، وتشجيع رأسمال المخاطر بالنظر إلى دوره الأساسي في تمويل الابتكار وتخفيف الإجراءات الإدارية لإنشاء صندوق للاستثمار وصندوق إيداع مشترك للابتكارات، وتعزيز التعاون مع صناديق الاستثمار الكفيلة بالاستثمار في المؤسسات الناشئة في الجزائر.
الجزائر تتطلع إلى مضاعفة عدد المؤسسات الناشئة والحاضنات
هذا يظهر جَلِّياً في مختلف الإجراءات المُتَّخَذَة من طرف السلطات العمومية لتشجيع الشباب الْمُبْتَكِر على خلق المؤسسات الناشئة، وذلك في إطار مخطط الحكومة من أجل تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، والذي من أبرز بنوده وضع الإطار التنظيمي للابتكار وتدعيمه، وكذا وسائط الدفع الإلكتروني ومراجعة الإطار التشريعي للتجارة الإلكترونية، حيث يتم حالياً استكمال مراجعة القانون التجاري، بما يجعله أكثر مرونة مع الـمؤسسات الناشئة، وهو حالياً قيد الدراسة على مستوى البرلمان، إِضَافَةً إلى ذلك تبسيط وتسهيل إجراءات إنشاء الـمؤسسات الناشئة وغيرها من نشاطات المستثمرين المبتدئين، حيث تم إصدار العديد من النصوص التنظيمية والتطبيقية، ما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في عدد المؤسسات الناشئة والمشاريع المبتكرة التي تحصلت على علامة label، وتحفيزات ضريبية بلغت أكثر من 750 مؤسسة ناشئة خلال السنة والنصف الأخيرة، ونحن نتطلع إلى مضاعفة هذا العدد.
وَتَأْمَلُ الجزائر مضاعفة عدد الحاضنات، الذي يبلغ حالياً أكثر من 38 حاضنة تحصلت على علامة label، والعديد منها قيد الدراسة، خاصة بعد التقدم في وضع النظام البيئي الملائم والمشجع على إنشائها، لاسيما في الوسط الجامعي، الذي يُعَدُّ البيئة الأكثر مُلَاءَمَةً، والذي يُحْصِي أزيد من 1.600 مخبر بحث و40.000 أستاذ باحث و2.200 باحث دائم؛ ما يُتَرْجِم عزم الدولة في جعل الجزائر نموذجاً في دعم المؤسسات الناشئة، تستلهم منه الدول تجاربها، لاسيما أنها تمتلك من المقومات ومن الإمكانيات ما يسمح لها بأن تكون في مستوى هذا الرهان.
آليات تطبيق التجارة الإلكترونية ومزاياها بالاقتصاد الجزائري
لقد فتحت التجارة الإلكترونية آفاقاً جديدة للتعاملات التجارية، حيث يَسَّرَت على المتعاملين إبرام الصفقات بعدما كانت في وقت مضى أمراً شَاقاً، وتُعْتَبَرُ التجارة الإلكترونية أشمل من التجارة التقليدية، إذ تمس المنتجات والخدمات غير المادية كحجز تذاكر الطائرة وأماكن الفنادق وتقديم الاستشارات الطبية والقانونية وشراء المنتجات المعلوماتية كالأقراص المضغوطة والكتب، فالتطور المذهل الذي عرفته التكنولوجيا للإعلام والاتصال دفع العديد من الدول لتَبَنِّي هذا النوع من التعامل التجاري وتُعْتَبَرُ الجزائر من بين الدول النامية التي تسعى إلى اعتماد التجارة الإلكترونية؛ لأن هناك مزايا يستفيد منها الاقتصاد الوطني جراء تطبيق هذا النمط من التجارة، والتي من بينها الدخول إلى الأسواق العالمية وبالتالي تحقيق قدراً أعلى من الأنشطة التقليدية، وتعزيز كفاءة الأداء (المُعَبَّر عنها بزيادة حجم التعاملات التجارية)، وتخفيض تكاليف التوزيع وتوسيع السوق وتلبية رغبات الزبائن بسهولة.
مبادرات واعدة
تعزيزاً لكل ما سبق، حرصت السلطات العمومية إلى جانب الشباب أصحاب المشاريع والخبراء على مضاعفة الجهود والمبادرات بهدف دعم وتشجيع الشباب على دخول عالم ريادة الأعمال، وإطلاق هذا النوع المُبْتَكَر من الشركات، وقد تمثلت هذه المبادرات في: علامات "مؤسسة ناشئة"، "مشروع مبتكر" و"حاضنة أعمال"، وتُعد علامة "مؤسسة ناشئة"، حسب وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة، وثيقة مؤسساتية بمثابة "جواز" للحصول على جميع التسهيلات التي تضعها الدولة لصالح المؤسسات الناشئة.
إذ تُمْنَحُ علامة "مشروع مبتكر" لحاملي المشاريع الذين لم ينشئوا مؤسساتهم بعد، وهي تتيح، على غرار علامة "مؤسسة ناشئة"، الحصول على المزايا فيما تمنح علامة "حاضنة أعمال" لكل هَيْكَلٍ تابع للقطاع العام أو الخاص، والذي يقترح دعماً للمؤسسات الناشئة وحاملي المشاريع المُبْتَكَرَة فيما يخص الإيواء والتكوين والاستشارة والتمويل.
الإنتاجية الاقتصادية
وبشأن مدى حقيقة فاعلية الهواتف الذكية والنقالة وتطبيقاتها في زيادة الإنتاجية الاقتصادية، يرى المهندس بقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات بولاية الوادي محمد سرار أنه بالنظر إلى مستوى التغير في اتجاهات المجتمع وتحوله وَمَيْلِهِ لاستخدام تكنولوجيا المعلومات يمكن أن يُعْتَبَر ذلك الأمر مؤشراً له أهميته الاقتصادية، كما شدد على أهمية احترام وقت العمل وحسن استخدام التقنية، منوهاً بأن سرعة الحصول على المعلومة والاطلاع عليها سيظلان حقا مُكْتَسَباً للجميع وفي أي وقت.
وفي سياق الفاعلية الاقتصادية لتطبيقات الهاتف النقال سواء كانت تستخدم نظام التشغيل أندرويد أم "آي أو إس" أو غيرهما، اعتبر راشد المعوشرجي من الجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات بدولة الكويت في حديثه لوسائل الإعلام أن التطبيقات المتعلقة بالتواصل الاجتماعي "بشكل عام" هي التي جذبت الناس في المنطقة العربية. أما اقتصادياً فاستخدام تطبيق مشاركة الصور "إنستغرام" -على سبيل المثال- أصبح أكثر اتساعاً في مجالات التسويق والترويج الاقتصادي لأعمال المشاريع الصغيرة في الكويت؛ لما يتيحه من إمكانية تحميل الصور الإعلانية مقارنة بغيره مثل فيسبوك أو تويتر، وفق قوله.
الدفع الإلكتروني في الجزائر كخيار استراتيجي
يُعدُ الدفع الإلكتروني في الجزائر هو الاتجاه الأهم الذي تسعى الحكومة الجزائرية نحو الوصول إليه، لما له من آثارٍ إيجابيةٍ مهمة في دعم وتعزيز الاقتصاد الجزائري، وتَأْمِين مستوى معيشة أفضل يليق بالجميع عن طريق تفعيله وتطبيقه على أوسع نطاق، فالدفع الإلكتروني في الجزائر هو الأساس في عملية تنمية اقتصادية شاملة تطول جميع مفاصل الاقتصاد الجزائري، وذلك لكون التجارة الإلكترونية اليوم أصبحت الهيكل الْنَاظِم لِكَثِيرٍ من المؤسسات والأنشطة التجارية، كما أنها الحل الأمثل لعمليات البيع والشراء في العصر الحالي.
تشير الدراسات إلى أن الأنشطة المالية الإلكترونية في الجزائر انْتَعَشَت إلى حد كبير بنسبة 300% بعد عام 2020، حيث دخلت الجزائر في هذا المجال لأول مرة عام 2017، ومن المتوقع أن تصل أعداد المستخدمين للدفع الرقمي لـ15 مليوناً عام 2025.
كما أَنَّ الحكومة قد توجهت لتفعيل الدفع الإلكتروني في الجزائر بصورة أقوى من خلال إنشاء وزارة خاصة بهذا النظام التجاري، وذلك من أجل تسهيل وتنظيم العمل به. فالاعتماد على الدفع الإلكتروني في الجزائر وتفعيل نظام التجارة الرقمية سيسمح بفتح المجال أمام حرية تبادل المواد والبضائع، والحد من تأثير القيود المفروضة على الاقتصاد الجزائري، كما سيضعه في مصاف الدول الكبرى، وبالتالي سيتحقق له المزيد من الازدهار والتقدم. فأغلب اقتصاديات الدول التي تعتمد على التجارة الإلكترونية تنمو بشكل أفضل وبوتيرة متسارعة، حيث يصبح إجراء المعاملات التجارية أسهل بفضل هذا النمط التجاري الرقمي، وبالتالي فإن عمليات الشحن والاستيراد والتسوق ستكون متاحة للجميع، والأرباح مضمونة لكل الأطراف.
أهمية التطبيقات الإلكترونية
التطبيقات الإلكترونية لها أهمية بالغة في حياتنا اليومية، وتلك الأهمية البالغة تزداد مع الوقت لما تُقَدِّمُهُ أنواع التطبيقات الإلكترونية المختلفة من خدمات تُسَهِّلُ من إتمام الوظائف الحياتية على المستخدمين، حيث إن مجالات الاستثمار في تطبيقات الجوال والتطبيقات الإلكترونية عديدة؛ نذكر منها المجال الخدمي، والمواصلات، والمجال الثقافي والتعليمي، ومجال السياحة، والعديد غير ذلك.
انتشار واسع للتطبيقات الإلكترونية
انتشرت التطبيقات الإلكترونية بالسنوات الماضية بشكل ملحوظ جداً، ومع تطور الهواتف الذكية وأنظمة التشغيل المتعددة ازدادت أهمية تلك التطبيقات، فنلاحظ أنه يتم رفع تطبيقات جديدة يومياً على المتاجر الإلكترونية الخاصة بتنزيل التطبيقات، ومع تطور التطبيقات الإلكترونية من الممكن أن تحدث نهضة ثورية في التقنية، خاصة أن مستخدمي الهواتف الذكية أيضاً في ازدياد كبير.
تُعَدُ التطبيقات الالكترونية للمؤسسات الناشئة أَهَم المرتكزات الأساسية لنجاحها، ذلك لأن قطاع المؤسسات الناشئة يؤدي دوراً حيوياً في الاقتصاد الوطني، وكذلك الدور البارز للدولة الجزائرية لما تُقَدِّمُهُ من مجهودات لترقية وتنمية هذا القطاع، حيث تم إنشاء وزارة خاصة تهتم بشؤونه، بالإضافة إلى وضع العديد من القوانين التي تهدف إلى تطوير وتنمية هذا القطاع، وذلك رَاجِعٌ لاهتمام السياسة الاقتصادية الجزائرية والتركيز عليه في الآونة الأخيرة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.