مُؤخَّراً صدرت أغنية "رياح الحياة" للفنان حمزة نمرة، كلمات محمود فاروق، الغنوة لاقت استحسان العديد من الفئات العمرية المختلفة، وتصدّرت التريند على جميع مواقع التواصل الاجتماعي وأحرزت عدداً لا بأس به من المشاهدة والشير، وتعليقات ليس لها أول ولا آخر، الجميع أصبح يرددها بين ليلة وضحاها.
السؤال هنا: لماذا حازت هذه الأغنية إعجاب الكثير وانتشرت بهذه السرعة، ولماذا كان لها عظيم الأثر في نفوس من سمعها؟
مطلع الأغنية يقول "تهبي يا رياح الحياة دايماً بما لا أشتهيه.. واللي السنين مقدماه غير اللي قلت نفسي فيه" جاءت تلك الكلمات كصفعة قوية تذكرنا بأكبر فجوة في حياة الكثيرين منا بين الحلم والمتاح.
كلمات بسيطة جعلت المستمع يتذكر كل أحلامه التي وُئدت في مهدها ولم يستطع تحقيق أي منها، هذا تذكر حباً مات قبل أن يولد بسبب العوائق المادية، وتلك حلمت بسفر أو عمل مرموق لم تحققهما انصياعاً لعادات وتقاليد لا تأتي إلا بكل تقييد لأنثى لم ترتكب جرماً سوى أنها تجرأت وحلمت خارج المألوف، وغيرها من الأحلام التي لم نستطع تحقيقها لضعف فينا، وتم استبدالها بسلسلة من التنازلات التي لا تنتهي.
ثم يأتي التنازل الأكبر على الإطلاق، حين قال "يلاقي قلبي فين دواه واللي أذاه أقرب ما ليه" يتحدث هنا عن التنازل الذي يأتينا من حيث لم نحتسب، حين نطعن من مأمننا، ويتم التنازل والتخلي عنا من أقرب الناس إلينا، وكأننا لم نكن يوماً معاً، فيكمل ما قاله الشاعر محمود درويش يوماً "تنسى كأنك لم تكن".
لم يمت يوليوس قيصر إلا من طعنة صديقه، فرغم كل الطعنات التي سُددت له، لكنه مات بألم الغدر، مات بسيف التخلي حين نظر لأقرب صديق يستنجد به، لكنه وجد سيفه مغروساً في قلبه، حينها فقط استسلم للموت من أثر العشم الذي لم يكن في محله، والثقة التي أُريقت قبل دمه.
لكن يحاول حمزة نمرة عدم الاستسلام والتنازل، وذلك بجمع شتات نفسه، فيقول "واللي لقانا ما يساعوش فخانة الوداع تساع.. مشاعرنا مش لعبة" في إشارة صريحة أننا نحتاج لأن نصرخ قائلين "مشاعرنا ليست لعبة يلهو بها البعض، ثم يمل فيرميها ويسير بعيداً دون النظر خلفه، لما أحدثه من فوضى وألم ليبحث عن لعبة جديدة ومرح جديد".
فتعلو نغمات الأغنية قليلاً بعد ذلك، وكأنها تقول مهلاً! هذا غير مقبول وغير عادل، كيف يجرؤ البعض على استخدام مشاعرنا واستغلالها بهذا الاستخفاف؟! كيف لا يحترمون مشاعرنا وحياتنا؟ كيف يدمروننا وينجون بفعلتهم ويمضون بعد ذلك بكل بساطة كمن لم يفعل شيئاً؟
يتحدث بعد ذلك عن الأسئلة التي تبقى بلا إجابات، وعن الحيرة وعن الوحدة، لماذا يحدث كل هذا؟ لماذا يرحل الجميع دون سابق إنذار؟ ألف لماذا، ولا تأتي الإجابة أبداً.
يذكر علماء النفس دائماً حاجة الإنسان للبقاء آمناً وسط جماعة تقبله، تحبه، تتفاعل معه، هذه حاجة من حاجات الإنسان الأساسية، وحين يفقدها تتفاقم الأعراض الجسدية، ولا يجدي أي دواء نفع معه، في حين أن دواءه الوحيد أن يحبه آخر بصدق، فعندما لا يجد هذا الحب والاحتواء يبقى جائعاً لهما يحاول جاهداً الحصول عليهما بأي طريقة أو ثمن يدفعه، حتى وإن ضر نفسه بذلك، وحين يفشل بعد كل ذلك لم يجد سوى الذكريات يقتات عليها "وزي عادتي أصوم أصوم .. واسد جوعي ذكريات".
الذكريات إذاً هي كلمة السر، هي إجابة السؤال أعلاه، لماذا حازت هذه الأغنية إعجاب الكثير وانتشرت بهذه السرعة؟ ولماذا كان لها عظيم الأثر في نفوس من سمعها؟
ضرب حمزة نمرة والشاعر محمود فاروق على وتر الذكريات بريشة من شجن، فأصابت غنوتهما قلوب من سمعها، كل من شعر أنه مهزوم مهموم في هذه الحياة، كل من تعصف بهم رياحها بعيداً ولم يستطيعوا البوح يوماً، فعبرت عنهم كلمات الأغنية بمنتهى الصدق، لم تقدم حلولاً لكنهم شعروا بأن هناك يداً تمسح على رؤوسهم لتطمئنهم ولو قليلاً، ولتقول لهم أنهم ليسوا وحدهم في هذه الدنيا وتركت لهم بصيص أمل قادم، فهمس الجميع يرجو "يا حظ متأدن".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.