تحدثت في المقال السابق عن بعض المزايا والحقوق الموجودة في القانون الألماني والمتعلقة بالدعم الذي تقدمه الدولة لفئات مختلفة من المجتمع. وهذه المزايا وبرامج الدعم لا تُقدم تلقائياً إنما يجب دائماً التقديم من أجل الحصول عليها، ويتم دراسة كل طلب على حدة، ومن ثم تقرر السلطات المختصة حجم ونوع المساعدة التي يمكن تقديمها لكل حالة. ولأن هذه المساعدات مختلفة ومتنوعة فقد يغفل عنها كثير من الناس خصوصاً المهاجرين والوافدين الجدد.
في هذا المقال أستكمل الحديث عن هذا الموضوع وأسلط الضوء على بعض هذه المزايا المكفولة لكل من يعيش على الأراضي الألمانية فيما يتعلق بالأسرة، الرعاية الصحية والدراسة الجامعية (مع اختلاف درجة وحجم الاستحقاق من شخص لآخر ومن حالة لأخرى).
إجازة الوالدين
تُعد الأسرة من أكثر الفئات الاجتماعية التي تتلقى الدعم والمساعدة من جانب العديد من مكاتب وسلطات الدولة الألمانية. ولا شك أن أهم حدث تنتظره أي أسرة هو قدوم مولود جديد يملأ البيت بالبهجة و"الصراخ"! وقد تحدثت مسبقاً عن المساعدات التي تقدم للأم الحامل، وبعد أن تضع مولودها يمكن للأب والأم – اللذين يعملان بدوام كامل أو جزئي – أن يقضيا وقتاً أطول مع المولود الجديد من خلال التقديم على ما يُعرف بـ"إجازة الأمومة والأبوة"، وهي إجازة غير مدفوعة الأجر من العمل يتمكن خلالها الآباء والأمهات من قضاء المزيد من الوقت مع أطفالهم. خلال هذه الإجازة لا يضطر الوالدان للعمل أو يمكنهما العمل لساعات محدودة، وبعد أن تنتهي هذه الإجازة يمكن للوالدين أن يعودا إلى وظائفهما بشكل تلقائي. وبما أن هذه الإجازة غير مدفوعة من العمل ومن أجل الحصول على دعم مالي خلال هذه الفترة يمكن التقديم للحصول على ما يُعرف بـ"بدل الوالدين" Elterngeld وهو عبارة عن دعم مالي شهري يُقدم من قبل الدولة للآباء والأمهات في هذه الحالة. أما مدة هذه الإجازة الوالدية فيقررها الأبوان لكن أقصى مدة لها هي ثلاث سنوات. وخلال هذه المدة يكون الأب والأم العاملان محميين من الفصل من قبل رب العمل.
الجدير بالذكر فيما يتعلق بهذه النقطة هو أن الغرض من تقديم بدل الوالدين ليس فقط من أجل الآباء والأمهات الذين يعملون ويرغبون بقضاء وقت أطول مع أطفالهم، إنما توفر الدولة أيضاً هذا الدعم المالي للآباء والأمهات الذين لديهم قدرة أقل على العمل أو لا يمكنهم أساساً العمل لأنهم يرعون أطفالهم. كما أن العمل ليس شرطاً للحصول على بدل الوالدية؛ حيث يمكن أيضاً للأفراد الذين يعملون لحسابهم الخاص أو الطلاب الذين يتلقون تدريباً مهنياً أو حتى العاطلين عن العمل أن يتقدموا للحصول على هذه المساعدة. ويُستثنى من هذا الدعم الأشخاص الذين لديهم دخل مرتفع.
بالإضافة إلى ذلك يمكن للأسر التي لديها العديد من الأطفال الصغار أن تتقدم للحصول على ما يُعرف بـ"علاوة الأخوة" وهي عبارة عن مبلغ إضافي يصل إلى 10% من بدل الوالدية. ولكي يتم استحقاق هذه العلاوة الإضافية يجب أن يكون أحد الأخوة على الأقل دون الثالثة من العمر أو أن الأسرة لديها طفلان آخران (إلى جانب المولود الجديد) دون سن السادسة.
رعاية الأقارب وكبار السن
هناك في ألمانيا العديد من دور المسنين التي تؤوي كبار السن وتقدم لهم الرعاية الصحية اللازمة، لكن في بعض الحالات يرغب الشخص في أن يحصل على الرعاية في المنزل بدلاً من الذهاب الى إحدى دور المسنين، وهذا يتطلب وجود أحد الأقارب لرعاية هذا الشخص وهذا يسمى "الرعاية المنزلية" (وأحياناً يتم استئجار أشخاص متخصصين لتأدية هذا الغرض عبر ما يُعرف بالرعاية الخارجية للمرضى).
في حالة الرعاية المنزلية يتلقى الشخص الذي يقوم برعاية أحد أفراد أسرته مبلغاً شهرياً يسمى "بدل الرعاية"، وهذا المبلغ يعتمد على مستوى الرعاية المطلوبة ودرجة المرض أو الإعاقة لدى الشخص المُعتنى به.
وهذا الأمر لا ينطبق على المسنين وكبار السن بل حتى على الأطفال والقصر الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة أو مكثفة من قبل أحد الأبوين، ففي هذه الحالة يحصل الأب أو الأم على بدل رعاية شهري. وفي حالة عدم وجود أقارب أو معارف يستطيعون تقديم الرعاية في البيت فيمكن حينها التعاقد مع شركة رعاية؛ حيث يقوم بهذه المهمة أشخاص مدربون يقومون بزيارة الشخص المريض في منزله عدة مرات في الأسبوع، ويتولون مهمة العناية به مقابل مبلغ يغطيه تأمين الرعاية. وهذه الرعاية لا تنحصر فقط بإعطاء الدواء والعناية الجسدية والتسوق والتنظيف؛ بل تشمل مساعدة المريض في الأنشطة الاجتماعية. الشيء الذي يجدر ذكره هو أنه إلى جانب وجود كثير من مراكز خدمات التمريض والعناية هناك أيضاً مراكز متخصصة في تقديم خدمات لرعاية المرضى ذوي الخلفيات الثقافية والدينية المختلفة، هذه الخدمات المتخصصة تعرف بـ "خدمات الرعاية للثقافات المختلفة"؛ حيث يتم مراعاة الخلفيات الدينية والثقافية للمرضى كما يتحدث الممرضون أكثر من لغة.
يمكن أيضاً الجمع بين رعاية المريض من قبل أحد أقاربه ومن إحدى شركات الرعاية في نفس الوقت، وهنا يتوزع بدل الرعاية الشهري بين الشخص الذي يعني بالمريض وبين شركة الرعاية. وإذا كان الشخص الذي يعتني بأحد أقاربه يعمل في نفس الوقت فيحق له الإعفاء من العمل لأوقات محددة لا يتلقى فيها أجراً، لكن لا يجوز فصله من العمل خلال هذه الأوقات.
المنح الجامعية
هناك العديد من المنح الدراسية التي يتم تقديمها عبر الجامعات الألمانية والولايات الفيدرالية والمنظمات العامة أو الخاصة، من بين هذه المنح هناك منح مخصصة للاجئين وتغطي هذه المنح تكاليف المعيشة والرسوم الدراسية ولا يتعين سدادها. هناك ما يعرف بصندوق الضمان الجامعي وهو عبارة عن هيئة رسمية تدعم اللاجئين والوافدين الجدد الذين يرغبون في الدراسة (طالما كانت أعمارهم تقل عن الثلاثين سنة). كما أن كل الأشخاص المقيمين في ألمانيا الذين تقل أعمارهم عن 36 سنة يمكنهم التقدم للحصول على دعم مالي تحت مسمى "برنامج قروض التدريب" الذي تقدمه مكاتب الإدارة الفيدرالية، لكن هذا القرض يجب سداده لاحقاً على أقساط مبسطة. إلى جانب السكن الجامعي الذي يتوفر للطلاب بأسعار مناسبة هناك مزايا إضافية يستفيد منها طلاب الجامعات مثل تذاكر الفصل الدراسي التي تتيح للطلاب استخدام وسائل النقل العام مجاناً، وكذلك يحصل الطلاب في العادة على خصومات كبيرة للأنشطة الثقافية والرياضية المختلفة.
ختاماً لا بد من التنبيه على مسألة مهمة، صحيح أن هناك مزايا وحزماً متنوعة من أشكال الدعم والمساعدة الاجتماعية التي تقدمها الحكومة الألمانية لكل من يقيم على أراضيها والتي لا تكفي عشرات المقالات للحديث عنها بشيء من التفصيل، لكن هذا لا يعني أن المسألة خالية من التعقيدات؛ حيث إن من أكبر المشاكل التي تواجه النظام الألماني هي التغلغل الكبير للبيروقراطية في جميع أجهزة ومرافق الدولة إلى جانب المركزية في اتخاذ القرارات؛ مما يجعل عمليات التقديم على هذه المساعدات مسألة صعبة ومعقدة تتطلب الكثير من الاستمارات والمستندات وتحتاج دائماً إلى دعم من جهات متخصصة؛ حيث يصعب على الأفراد عادة التعامل مع المتطلبات والوثائق التي تطلبها هيئات الدولة المختلفة قبل الموافقة على أي نوع من أنواع المساعدات، بالإضافة إلى الوقت الطويل – بسبب البيروقراطية – الذي تتطلبه معالجة مثل هذه الطلبات.
لكن هذا لا يمنع من الإقرار بأن النظام الاجتماعي في ألمانيا يُعد من أقوى أنظمة المساعدة الاجتماعية على مستوى العالم ومن أقدمها أيضاً؛ حيث أرسى دعائم هذا النظام أول مستشار لألمانيا بعد توحيدها أوتو فون بسمارك قبل حوالي 150 عاماً. ولكن كأي نظام بشري هناك دائماً قصور ونقاط ضعف تحتاج إلى تصويب وتصحيح، وهذا ما يحدث بالفعل لكن ببطء.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.